دلالات يوم الاعتصام الكبير في 7/7

> أحمد عمر بن فريد:

> إن فعالية الاعتصام الكبيرة التي تحولت بشكل تلقائي إلى مهرجان خطابي وشعري للموجودين تعكس الكثير من الحقائق والدلالات المهمة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال عزلها عن مضمونها السياسي العميق الذي عبرت عنه كلمات الحضور وقصائد الشعراء ومجموعة الأهازيج و(الزوامل الشعبية) الحماسية التي انفرط عقالها وتلاشى سقف حريتها على نحو طبيعي ومتوقع، ولا شك أن هذا المضمون السياسي هو لب القضية وأساس وجودها وتخلقها منذ المرحلة الأولى في بنية جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين في محافظات الجنوب كما أنه لا يمكن ومن الزاوية نفسها أيضا الحديث عن معاناة عشرات الآلاف من هؤلاء (المسرحين من أعمالهم قسراً) أو ما يطلق عليهم (مجازاً) بالمتقاعدين وفقاً لجدلية قوانين التقاعد والمرتبات والأجور أو مجموعة القوانين العسكرية المتعلقة بالمعاشات والاستحقاقات المادية الصرفة على اعتبار أن الأسباب السياسية التي دعت إلى إحالتهم (جميعاً) إلى رصيف البطالة في وطنهم الكبير الذي قدموه قرباناً ليوم أنجاز الوحدة اليمنية تعتبر السبب الرئيس والوحيد الذي أخرج هؤلاء جميعاً لمقارعتها في الميدان.

وفي ظني أن جميع عناصر وعوامل القوة والصلابة التي تكمن في البنية السياسية لهذه الجموع تنطلق في الأساس من (واحدية الهوية) و(واحدية التاريخ والجغرافيا) و(واحدية الحق) الذي يستندون إليه ويتحدثون عنه وهو حق واضح وبارز بقيت جميع الأحزاب السياسية على الساحة اليمنية تتجاهله وتغض الطرف عنه وفقاً لحساباتها الخاصة على الرغم من علمها وإدراكها لكل معالمه وقوة جدليته وعلى الرغم من علمها أيضاً بالمسافة الكبيرة التي قطعها هذا الحق وأصحابه من أجل الوصول إلى اللحظة المناسبة لفرضه على أجندة الحوار اليمني.. كما أنني أعتقد أن هذه القضية أو هذا الحق الجنوبي سوف يتمكن من شق طريقه بسرعة كبيرة حتى يتصدر لائحة قضايا الحوار بدلاً من تذيلها وفي جزئية منه كما فعلت وثيقة الحوار الوطني التي وقعت عليها الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب.

إن القضايا الوطنية الكبيرة كالقضية الجنوبية التي نتحدث عنها غالباً ما تحتاج إلى مستوى متقدم من القابلية للفهم والتبصر في مضامينها بكل هدوء وروية حتى تتعرف على أبعادها الحقيقية كما هي وحتى تستطيع أن تقرأ بشكل سليم ودقيق ما يمكن أن يتمخض عنها من تبعات ونتائج كبيرة ومهمة على مستوى المشهد السياسي لدولة الوحدة بشكل عام، ويهمنا في هذا الصدد التأكيد على أن الركون (الرسمي) إلى جملة كبيرة من (التفسيرات والتأويلات) الكاذبة والمضللة التي يمكن أن يطلقها المهرجون وأصحاب فكر الانتصارات الوهمية لا يمكن أن تقود أصحاب القرار اليوم إلا إلى اعتماد المزيد من سياسات التجهيل وعدم المبالاة بكل ما يحدث الأمر الذي سوف ينتج عنه بالضرورة المزيد من الاحتقانات السياسية في كل محافظات الجنوب على نحو متسارع وبما يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى وضعية خطيرة قد تخرج في مرحلة ما عن نطاق (السيطرة والاحتواء) وهو الأمر الذي لا نتمنى حدوثه ووقوعه بالنظر لكلفته الكبيرة على جميع المستويات والأصعدة.

إن التدبر والتمعن في كل معاني ودلالات يوم الاعتصام الكبير الذي حدث في محافظة عدن يوم السبت الماضي لابد وأن يخلص إلى مجموعة من الحقائق السياسية التي يمكن إجمالها فيما يلي:

-1 إن الإرادة القوية التي جعلت من هذا الاعتصام حقيقة واقعة على الأرض إنما تنطلق من إيمان هؤلاء جميعاً بقضيتهم الأساسية وهي (القضية الجنوبية) وإن المطالب الحقوقية للمتقاعدين إنما هي نتاج طبيعي أفرزته هذه القضية وإن أي حلول (ترقيعية أو تكتيكية) لا يمكن أن تنهي هذه الاحتقانات أو تقضي عليها وإن حدث ذلك فإنه سيكون شكلياً ومرحلياً فقط.

-2 إن هذه الإرادة الفولاذية الناتجة من الإيمان العميق بهذه القضية هي التي دفعت بجميع هؤلاء للقدوم من أعالي الجبال والهضاب على الرغم من ضيق الحال المادي وهي التي جعلت من الأغلبية الساحقة منهم يتلحفون ستار الليل البهيم ليلة 7/7 في ساحة الحرية بخورمكسر انتظاراً للحظة الاعتصام الأولى، كما أنها هي التي دفعت بشريحة عريضة من النساء للدخول وسط الحشود للتعبير عن حقيقة أن المعاناة واحدة.

-3 إن الحاضر في وسط تلك (التظاهرة السياسية) لابد أن يلحظ بشكل يسير وجود لحمة قوية جمعت هؤلاء جميعاً ووحدت هدفهم ومطالبهم، كما أنه من المهم ملاحظة أن سقف هذه المطالب آخذ في الارتفاع بمرور الزمن إضافة إلى أن إمكانية السيطرة على هذه المطالب مرتبط في الأساس بردة فعل الجانب الآخر (شريك الوحدة) في كيفية تقديره وتعاطيه مع ما يطرح هؤلاء من حق.. وبمقدار حرصه على وحدة الوطن وبما يمكن أن ينحو بها نحو مراسي الاستقرار والأمان.

-4 إن هذه الفعاليات السياسية التي تحدث هنا وهناك والتي تستمد قوتها وتأثيرها من هذا الحشد الوطني المتجانس النسيج والأهداف، ومن مقدار الحق الذي تلتف حوله هذه الجموع الوطنية، سوف تمثل في المرحلة القريبة القادمة (رقماً سياسياً) لا يمكن القفز فوق مطالبه أو تجاوز مكوناته كما لا يمكن لأي أحزاب سياسية (منفردة أو مجتمعة) أن تستطيع أو تدعي على الأقل قدرتها على تمثيل هذه القوة الجديدة التي ستتمكن من تمثيل نفسها بنفسها والتي ستقوم بطرح قضاياها الكبيرة على أجندة الحوار الوطني بما لا يمكن تجاوزها أو إنكارها.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى