تهمة التسامح

> محمد عبدالله الموس:

> قد لا يجد القارئ مقارنة بين هذه الطرفة وواقعنا، لكن النظر إلى الإصرار على تجاهل ما يحيق بنا يبين هذه المقارنة، فقد قالوا قديما إن لصوصاً اقتربوا من حقل أحدهم بقصد سرقة ما تيسر من المحصول وكان صاحب الحقل نائماً في الخلاء على حدود حقله حين أفاق على صوت اللصوص يتشاورون حول قتله في فراشه فقال أحد اللصوص: لا داعي لقتل الرجل إنه نائم، فردد صاحب الحقل من تحت لحافه: نعم نعم أنا نائم.

كل الأديان السماوية وثقافات أهل الأرض تحث على التسامح، وفي ديينا الإسلامي الحنيف كثير من الإشارات إلى حسن ثواب المصلح والمتسامح، ونحن أهل الحكمة والإيمان، لكن كيف لنا أن نكون أهلاً للحكمة والإيمان اللذين لا يستقيمان دون تصالح وتسامح؟.. وتبذل قيادة بلادنا جهوداً لا تكل للمساعدة على خلق ظروف تصالح وتسامح في الصومال وفلسطين والسودان والعراق وغيرها من أصقاع الأرض حيث تنشب الصراعات بسبب تجاهل حقوق وحاجات الشركاء في هذه الأوطان.

ما يدعو للغرابة أن يصبح التصالح والتسامح في بلادنا تهمة تتعرض للهجوم من غير جهة بعضها رسمي وبعضها شبه رسمي، والأغرب أن يتبرأ البعض ويعلنون عدم علاقتهم بدعاة التصالح والتسامح هؤلاء وكأننا بهم يقولون إن هؤلاء لا يخدمون الاستقرار ولا ينشدون السكينة للناس وللوطن ولا يوئدون الثأرات والأحقاد وما في حكمها ولا يصنعون مساحة أكبر للحمة بين أبناء الوطن.

وقد يذهب البعض بعيداً ليوجه التهمة المكارثية الجديدة (الانفصالية) لدعاة التسامح متناسين أنه كلما زادت مساحة المسكوت عنه كثرت احتمالات ردود الفعل المفاجئة، فالمقدسات هي رب العباد وكتبه ورسله وعداها ما كان من صنع البشر يحتمل الخطأ والتصحيح ويقع في مرمى الصوت والقلم بعيداً عن العنف، أما السكوت عما يعصف بالناس باسم الوحدة فهذا يضر بالوحدة ويحملها ما لا تحتمل.

في كثير من البلدان هناك مشاريع بناء أوطان تتجاوز الأحلام والمصالح الخاصة والمشاريع الصغيرة لتتعاطى مع شؤون عامة تعتمد في آلية شغل وظائف قيادة هذه المشاريع على الكفاءة والنزاهة والقدرة على خدمة الناس، وفي أوطان أخرى تخضع شروط الشغل هذه للولاءات البلهاء ومسح الجوخ وتقديم فروض الطاعة لأولياء النعم، وتتغير تبعاً لذلك أولوياتهم ليصبح الصالح العام في آخر هذه الأولويات، هذا إن صار له مكان فيها.

لصوص المال العام وأرباب الغش في الصناعة والتجارة والمشاريع التي تنهار قبل أن يقبض مقاولوها قسطها الأخير ومنغصو ومنفرو الاستثمار والمتلاعبون في جودة وأسعار ما يقدم للناس من سلع وخدمات وقراصنة الأراضي الخاصة والعامة، هؤلاء هم من يجب أن نتبرأ منهم ونعلن الحرب عليهم.

إن الإصلاح العام الشامل والتصالح والتسامح والتضامن هي سمات وثقافة عصر ستفرض نفسها لا محالة، ودعاتها شموع تكبر لتبصر أولي الأمر بخطورة الأوضاع وسوء الأحوال وبالمخارج، فهم لا يبحثون عن مغانم شخصية معزولة عن مصالح الوطن وأهله وما يقومون به ليس تهمة تستدعي التهجم عليهم أو التبرؤ منهم، وحتى إن خاف البعض على مصالحه فلا نتصور، رغم الجنون الذي يصيب البعض، أن نرى داعية تسامح وتصالح في قفص الاتهام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى