> علي مهدي عليوة

خرج الفيلسوف اليوناني الساخر (ديوجين) ذات يوم حاملاً فانوساً مضيئاً والشمس في كبد السماء، فلما سأله الناس لماذا تحمل فانوساً مضيئاً في وضح النهار، قال حتى في وضح النهار الناس لا ترى الحقيقة!!

وقال المتنبي:

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم طعم الماء من سقم

لقد اعتاد بعض الناس على عدم التمعن والرؤية للوقوف على الحقيقة وهم غير تواقين لمعرفتها، ولم يعبأوا بضرورتها والفائدة منها.

لماذا نخاف من الحقيقة؟ لماذا لا نجرؤ على البوح بها؟ لماذا يرى البعض في الحقيقة نورا؟ فيرون الأشياء بوضوح، ولماذا يريد البعض الآخر أن تكون الحقيقة ضبابية لنرى الأشياء فيها مهزوزة وغير واضحة؟

فالبوح بالحقيقة قد يفرح البعض، وينفض عنها غبار الريبة والشك، وبالمقابل قد تكون غير مريحة للبعض الآخر.

الحقيقة (The Fact) هي فكرة دقيقة من كل نواحيها، لا يصلها الخطأ ولا تشوبها شائبة (هي الصواب ذاته).

ولكي تكون الحقيقة متينة، عليها أن تعتمد على البيانات والمعطيات الصحيحة التي تعمل على تعاضدها وتعطيها بريقها اللامع في العيون، ورنينها الجميل في الآذان.

المجتمعات التي تكون فيها الحقائق واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء وفي متناول الجميع وبطرق ميسرة، هذه المجتمعات تتطور بخطى متسارعة، ونجد العكس في المجتمعات التي تحجب فيها الحقائق وتكون فقط في متناول النخبة، فإن هذه المجتمعات تتراجع فيها مؤشرات النمو كثيراً.تفيد الحقائق القوية الباحثين والمفكرين الذين يسعون جاهدين للوصول إلى مستجدات العلم لخدمة مجتمعاتهم، كما أن الحقائق القوية تعمل على تقوية الانتماء الحقيقي لأبناء المجتمعات لأوطانهم، ويظل الفرد فيها لبنة للبناء وعاملاً من عوامل التواصل البناء.ما أجمل الحقيقة! وهي أغنية جميلة صاغها لحناً عشاق الحياة وشدت بها حناجر طلاب المدارس في الطابور الصباحي وغردت بها الطيور في المراعي والسواقي وهتف بها الصناع والمزارعون، ورددت من قبل الأمهات وربات البيوت بالفرح والزغاريد، فلماذا لا نكون تواقين للحقيقة، ولماذا لا نحمل مصباح (ديوجين) في وسط النهار؟.. فهل نحن فاعلون؟