قد يتجاوز الزيف الحقيقة

> صالح حسين الفردي:

> الكل ممن جاءت بهم الأيام إلى روابي الحرف، ورحيق المعاني، ومسوا بأناملهم رذاذ الكلمات، يدعون الحرص على الحقيقة، وهي غايتهم المنشودة في كل منحدرات بحثهم المستمر في عالم الصحافة وعوالم الإعلام، ولكن الأمر الذي لم يقف عنده كثير من هؤلاء هو غياب الرؤية، المحصنة من الانزلاق المجتمعي، الراصد لكل ما يسطر هؤلاء على الصفحات البيضاء، الممحص لكل مضامينهم، الكاشف لنوازعهم، ونزعاتهم الآنية الضيقة والذاتية المريضة المتضخمة.

واليوم، هناك الكثير قد استهوتهم نغمة التلون وفقاً وهواه السياسي اللحظي، الذي لا يعي فلسفة التاريخ (الذاكرة) الذي لا ينسى أو يتناسى ما يسطره الفرد في مراحل حياته الكتابية، فينزع هو دون شعور بذاكرة (الزمن) إلى تغيير ردائه الفكري، إن كان يحمل فكراً، وتدجين قناعاته، إن كانت لديه قناعات، ومن منظور (الغاية تبرر الوسيلة) البرجماتي الآني، الذي لا يرى صاحبه أبعد من أنفه نجده يتردى في مجاهل الزيف، ويعمد إلى تكريس ثقافة الفهلوة والانفتاح النفعي، ويجاهد من أجل بقاء هذه التوليفة الغريبة إن قيمة الكلمة، وصولجان الحرف في كل مسيرته الإنسانية النبيلة.

وبالرغم من أن مثل هذه الظواهر لم يخل منها زمن صحفي إلا أن ظاهرة اليوم ليست كغيرها من ظواهر التاريخ القريب والبعيد، إذ إن التطور الكبير الذي تشهده عالم الصحافة وتقنيات الإعلام لا يجعل لمثل هؤلاء من سبيل إلا تلويث البيئة الصحفية والإعلامية المحلية وصولاً إلى كتم الصوت الآخر. ولكن هيهات أن تتراجع عجلة الزمن إلى هذا المآل، الخارج عن صوت الضمير، فقد عدت الكلمة والصورة متلاحمين، تشد إحداهما الأخرى، ففي حين تحاول مثل هذه النماذج أن تطمس الحقيقة تفضحها صحيفة الأيام ومحطات الحياة المشاهدة بالعين المجردة، فتصبح كتاباتهم متناقضة وطبيعة الأشياء، ولغة الناس، ومشاعرهم وأحاسيسهم، فلم نجد في التاريخ المعاصر كاتباً من هذا الطراز المبرمج قد جعلت منه التوجيهات، والتلميعات قيمة شعبية ومثالاً تأنس إليه الجموع الباحثة عن الحقيقة في زمن الزيف، ولكنها- أي الجموع- تظل باحثة عن الحقيقة في زمن طغيان الزيف، والبحث هو الخيط الأول في رسالة التاريخ الذي لا ينسى ولا يتناسى، وإن غفل الزيف والمزيفون عن دبيب صوته الهامس الراصد لكل تفاصيل الحياة بما في ذلك زيفهم الطافح المقيت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى