هل ستبقى الأسعار في ارتفاع مستمر؟ (2)

> عمر عوض بامطرف:

> ربط العلاقة بين رأس المال العامل وزيادة الأجور:لرجال الاقتصاد مقال في ربط العلاقة بين رأس المال وزيادة الاجور، ذلك أنه كلما ارتفع فائض رأس المال كانت زيادة الأجور أكثر تحققاً، وكذلك العلاقة بين زيادة الأجور وزيادة القوة الشرائية وتنوعها، كما أن زيادة القوة الشرائية تعمل على زيادة الإنتاج وتحقق تطوراً في الصناعة وتنوعاً .. وإذا زاد الانتاج حقق بدوره وفرة في العرض، ووفرة العرض من المنتجات إن أُحسِن توجيهها حققت انخفاضاً في السعر مع زيادة في الربح، أي في فائض رأس المال، حيث تكون دورة رأس المال اسرع .. وهذه الزيادة تكمّل الدورة الصحيحة للاقتصاد حيث تحقق دورة لزيادة أخرى في الأجور وتنوعاً في الصناعة وطلباً للعمالة، وإن أُسيء في توجيه وفرة العرض مع شحة القدرة الشرائية أدى ذلك إلى خفض في فائض رأس المال نفسه مما يؤدي إلى توقف بعض مصانع الإنتاج وإلى البطالة.

إن هذا الترابط الوثيق بين العمال وأجورهم من جهة، وبين رأس المال الموجه للإنتاج سواء كان ملكاً للدولة أم لغيرها من أفراد الشعب يوجد توازناً يحافظ عليه الطرفان إن هما راعيا حفظ المصلحة المشتركة بينهما، وللدولة أن تحافظ على صلاحيتها الرقابية لتتدخل حين ترى أن انعدم التوازن يهدد حياة المواطن المعيشية واقتصاد البلاد مهما كان النظام الاقتصادي الذي تنتهجه الدولة.

إن الدولة مسؤولة عن حماية أفراد الشعب من أن تتأثر معيشتهم باختلال بين الأجور والأسعار، ومن أهم مسؤولياتها تقدير الحد الأدنى للأجور وهو ما يطلق عليه (أجر الكفاف) الذي يكفل أدنى حد من مستوى المعيشة المقبول لأفراد أسرة متوسطة العدد وهو في بلدنا في حدود (5) اشخاص- مع غياب البيانات الإحصائية- ثم مقارنة الحد الأدنى المطلوب للأجور الذي تتوصل إليه بالأجر الفعلي في حده الأدنى الذي يتقاضاه الموظف في الدوائر الحكومية أو القطاع العام أو الخاص، وهذه المقارنة تحدد درجة المعاناة الواقعة على كاهل محدودي الدخل.

إن أحد أفضل العوامل التي تملكها الدولة للتحكم بالأسعار هو فتح السوق الحر لاستيراد المواد الغذائية والطبية وكذا ملابس الأطفال مع ما يلزم انفتاح البلد على تجارة السوق الحر من شدة الرقابة علىحركة الأسعار وضبطها من الانفلات الذي شهدته بلدنا في الأشهر القليلة الماضية، حيث سجل المعدل لارتفاع أسعار المواد الغذائية المطلوبة لكل أسرة سقفاً عالياً بلغ (140 %)، والعامل الآخر هو الدعم الحكومي للمواد الضرورية الذي كان فأُلغي جرياً وراء سياسة منظمة التجارة العالمية للانضواء في عضويتها التي لا تأتي بخير «وقد كان نظام الحكم الاشتراكي يقوم بدعم 12 سلعة ذات أهمية بالنسبة للمواطن وبالأحرىغذائية الطابع.. إن الدعم الذي كان يقدمه النظام في عدن للمواد الغذائية لم يكن من قبل موازنة الدولة، وإنما ارتبط بشيء اسمه صندوق موازنة الأسعار، واعتمد على سياسة دعم السلعة بسلعة، بحيث تفرض الضرائب على بعض السلع الكمالية لتلبي دعم سلعة غذائية مهمة وكانت تلك الضريبة تذهب لصالح صندوق موازنة الأسعار ولم تكن نسبتها تزيد على 10 % من سعرها» (1).

تحديد هيكل الأجور وميزانية الأسرة

في عام 1980م عندما قرر مجلس إدارة مصافي عدن تعديل هيكل الأجور لموظفيه القدامى ووضع هيكل جديد لمن يستجد توظيفهم لم ينل المقترح موافقة وزارة الخدمة المدنية وتم الاتفاق على تحديد الحد الأدنى لأجر الكفاف وأن يرفع هذا الحد تصاعدياً من درجة (1) إلى درجة (18) ويتم نقل جميع الموظفين حسب هذا الهيكل كلاً في درجته، وتحدد الأجر الأدنى لاول درجة في السلم الوظيفي بـ(47) دينارا بدلاً من (62) دينارا الذي يمثل اجر الكفاف (56 + %10).

وفقاً لتقديرات عام 1985م كانت ميزانية الأسرة في حدها الأدنى قد ارتفعت إلى 88 دينارا في الشهر وفي عام 1988م ارتفعت إلى (120دينارا) لارتفاع اسعار المواد الاساسية والمدعومة بأسعار 1974م - بدأ الدعم عام 1973م- مع نشاط تجارة الشنطة، بينما كانت تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ومعهد التغذية بمصر حددت أجر الكفاف للاسرة المتوسطة لـ(5) أشخاص بـ(140 جنيهاً) مايعادل (200 دولار)، وفي شهر مارس 1990م قمت برصد المحتاجات الشهرية لأسرة مكونة من أبوين وثلاثة أبناء تتراوح اعمارهم بين 12و15و18عاماً وبيان مخصص كل فرد من مواد غذائية بالوزن، وبلغ ما تحتاجه الاسرة لتحصل على الكفاف من العيش (700 ر 270 دينار) أي 7038 ريالاً وقد عرضت قائمة المواد الغذائية الموضحة بالمادة والوزن على الدكتور شمس الدين، مدير مستشفى المصافي وعلى سكرتير المستشفى -لمراجعة صحة المعايير وما خص كل فرد من المواد الغذائية - تمهيداً لتقديمه لمجلس الإدارة والمطالبة برفع الاجور، وكان التأكيد منهما واحداً وهي أن الكميات المذكورة هي في حدودها الدنيا اللازمة للقيام بتغذية الفرد(2)، ثم عرضتها على خمسة من اصدقائي منفردين وأبدوا لي ملاحظاتهم برفع كمية بعض المواد من الاسماك واللحوم والفاكهة واضافة انواع لم اكن قد رصدتها كالعسل والجبن والزبدة والمصاريف النقدية التي لم أخصص لها شيئاً، وبإضافتي للمواد التي اقترحوها في أدنى الحدود تماشياً مع تلك الصورة المرصودة في القائمة كان المبلغ الإجمالي قد ارتفع إلى 325 ديناراً.والسؤال اليوم مع ارتفاع الأسعار المتسارع اللا محدود وتحديد الرواتب والاجور بـ(7000) ريال والموعودين برفعه مستقبلاً إلى حد أدنى قدره (20 الف ريال) شهرياً، كيف سيعيش الناس في بلدي وقائمة أسعار المواد الغذائية التي نشرتها لي صحيفة «الأيام» الغراء صباح الاحد 22 يوليو2007م أثبتت أن الارتفاع في الاسعار بين ديسمبر 2006 ويونيو 2007 بلغ 140 %.

فإلى أين يمضي بنا تجار المواد الغذائية والطبية وجشع أصحاب رأس المال والباعة من التجار لاغتنام فرصة الشراء بالسعر الأقل وبيعه بالسعر الأعلى في غفلة من الرقابة الحكومية .. والذين يرددون أن الزيادة بحدود 50 % فذاك لأن نظرهم استقر على الزيادة في مادة واحدة .. فهلا يعود المسؤولون لقراءة الموضوع بتمعن من أوله عسى أن يحدث عندهم رأياً معيّنا ومعيْنا!

(1) الأستاذ سالم المعمري، رئيس غرفة العمليات بديوان عام وزارة الصناعة والتجارة، عن صحيفة «التجمع» بمنتدى الجاوي الثقافي العدد الصادر في 16 يوليو 2007م.

(2) نشر البحث في قوائم المواد في صحيفة «14 اكتوبر» بتاريخ 6 مارس 1991م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى