من فم النبع ..

> فضل النقيب:

> وعَدتُ في زاوية الأسبوع الماضي المعنونة «الشيخ عثمان بعين الحبيشي» أن أكمل اليوم من «فم النبع» والمقصود هو ترك الأستاذ حسين علي الحبيشي يحدّثنا عن مدينته وما بقي منها في ذاكرته دون أن أثقل عليه بالحواشي والتعليقات، وقد حدد فترة ذكرياته بين عامي 1928 و1948، وهي فترة ندرت عنها الكتابات:

«أول ما يصفعك في الشارع (الغوبة) العاوية كالذئاب الجائعة تحوم حول المنازل بحثاً عن خروق لتتسلل إلى أحشائها وإلى كل الثقوب في خلقة الإنسان من العيون والآذان وحتى فتحات الأنوف، وكنت مع نحافة جسمي أتشبث بالباب أو أي قعادة كي لا أطير مع القراطيس والعلب الفارغة، ولتعذرني مدينتي الحبيبة الشيخ عثمان إذا قسوت عليها في وصف معايبها حينئذ فسوف آتي على ذكر محاسنها».

«كان هناك اتفاق بين عجائز المدينة وبعض فقهاء (المعلامة) على الترويج لفكرة الجن وانتشارهم في غياهب الليل، وهكذا علموني الخوف حتى من ظلي لأنه جني. وأكثر الكلمات ترديداً هي كلمة (لا): لا تفعل ولا تفكر ولا تتخيل، ومقابلها: احفظ واستمع ولا تسأل، وهذه هي خلاصة التربية الشيخية العربية الإسلامية حينذاك، أما مجتمع الكبار من حولنا فيلخصه المثل القائل (قات وشاهي تأتيك الدواهي)».

«ورغم تلك السلبيات إلا أن ذلك العهد في الشيخ عثمان كان مليئاً بالشهد كما كان مغرورقاً بالدموع، فقد كانت الحياة بسيطة وسهلة ومتطلبات العيش قليلة وشحيحة، أما مضارب الصبا وملاعبه فلا تحصى».

«كان للشيخ عثمان شأن منذ الحرب الأولى بيد الحلفاء والمحور، وقد زحف القائد التركي سعيد باشا بجيش إلى الشيخ عثمان وأطراف خورمكسر، وعندما انسحب الإنجليز من المدينة قام الأهالي وعلى رأسهم أحد الفتوات اسمه (بانتيشه) باستدعاء العثمانيين الذين أعادوا تسليمها للبانتيشه وأصحابه عندما اضطروا للانسحاب، وقد عرفت الـ (بانتيشه) عن قرب، طويلاً أسمر مهيباً ذا صوت أجش، كأنه في إطار صورة من صور الأساطير».

«بالنسبة لضريح ومزار الهاشمي الذي كان يعمل لدى التاجر الفرنسي (البس) وكان تقياً ورعاً، وقد طلب من البس أن يتوسط له لدى السلطة لبناء جامع حتى يمتنع الرجال والنساء من استخدام الشارع للبغاء، ولكن السلطة رفضت طلبه في بداية الأمر، فهدد بأن يدعو الله أن يخسر البريطانيون الحرب، فنقل (البس) كلامه كنكتة لحاكم عدن الذي وافق أخيراً على إقامة المسجد ثم الضريح».

«في أطراف مدينة الشيخ عثمان القديمة (الشيخ الدويل) كانت توجد الإرسالية الءسكتلندية، وهي عبارة عن مدرسة ومستشفى ومبنى يستعمل ككنيسة، وقد قامت هذه الإرسالية بسد فراغات الإهمال للشيخ عثمان من حيث خدمات التعليم والتطبيب، ولم يصبح مسيحياً على يدها خلال مائة عام إلا شخص واحد كان بدوياً وأصبح دكتوراً، والله أعلم، هل تنصّر في وجدانه أم أنه قضى حاجته للرقي».

هذه ملامح من تاريخ ما أهمله التاريخ حول الشيخ عثمان التي جمعت فأوعت أخلاط من أبناء اليمن - بدو وحاضرة ومن الوافدين للعيش- بلدان ما وراء البحار قبل أن تستوي على عرشها مدينة ضاجّة بالحياة، وذلك كما روى الأستاذ حسين علي الحبيشي .. وللموضوع صلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى