المصداقية.. وهزيمة الحكمة

> علي صالح محمد:

> قبل أيام قليلة جمعني وعدداً من زملاء المهنة المتقاعدين والموقوفين لقاء- لعله الأول من نوعه منذ عام 1994م- بعدد من أعضاء اللجان المكلفة من قبل فخامة رئيس الجمهورية للمساعدة على تطبيق برنامجه الانتخابي ومن هؤلاء كان الأخ حمود الصوفي وزير الخدمة المدنية والتأمينات واثنان من الوكلاء الطيبين وكان هدف اللقاء الاستماع إلى معاناة وهموم المتقاعدين والموقوفين وهو اللقاء الذي تميز بصراحة الطرح واتسم بمشاعر الصدق والوطنية من قبل الحضور.

وتجاه مثل هذه البادرة الطيبة وهذه الجهود المبذولة لا يجد المرء سوى الإشادة والترحيب فإن تحقق المرجو منها باتجاه مداواة الجراح فسنكون في موقع الدعم والامتنان، وإن لم تحقق أهدافها فإننا كصابرين سننظر إليها من باب أنها تأتي لتطبيب الخواطر وهو أمر نقدره كثيرا، وذلكً لأننا من دعاة التسامح والتصالح وتحقيق سيادة لغة الحوار المثمرة كلغة ضرورية ممكنة لمداواة الجراح التي سببتها الحروب قديمها وجديدها وفي مقدمتها حرب 1994م لأنها الحرب التي قوضت مشروع الوحدة الوطني، وسببت كل التداعيات التي نعيشها ويئن منها الجميع في كل مناحي الحياة حتى وإن انتفع منها البعض، وهنا فإن نجاح هذه الجهود وأي مبادرات أخرى قادمة يعتمد أساساً على مصداقيتها في معالجة ما نتج عن هذه الحرب وغيرها من الحروب المدمرة للأرض وللإنسان، وهي التي عرضت ولم تزل النسيج والتلاحم الوطني المنشود للتمزق والتشرذم ليفسح المجال واسعاً لانتصار مشاريع وخطط (العرقنة) وإعادة تشكيل خريطة العالم العربي والشرق الأوسط لينشأ (شرق أوسط مكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة تتحول إلى كونتونات عرقية وطائفية يجمعها إطار إقليمي كونفدرالي وهكذا يسمح للكونتون الإسرائيلي أن يعيش في المنطقة، بعد أن تصفى فكرة القومية من خلال نسف التوجه القومي من الداخل عبر تأجيج الصراعات الطائفية واتخاذ الدين نقيضاً للقومية على أساس من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بالشكل الذي لا يمكنها من الانبعاث والنهوض وأداء دورها الحضاري من جديد) حسب دعوة بريجنسكي مستشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر للأمن القومي في السبعينات ضمن كتابه (بين جيلين) الصادر آنذاك وهي الدعوة التي جرى تنفيذها في عهد الرئيس بوش باحتلاله العراق.

إذن.. والوضع هكذا أليس من الصواب أن تقفز (الحكمة اليمانية) لتأخذ مكانها الحقيقي في إدارة الأمور والتعامل بواقعية أكثر مع ما يجري لتجنب البلاد والعباد مآسي جديدة قبل فوات الأوان؟

لا أخفي هنا أنني حين كتبت ما تقدم كنت لم أزل متشبعاً ببعض من التفاؤل إثر اللقاء الذي تم إلا أن أحداث الخميس الدامي في 2007/8/2م وما شهدته عدن من حالة طوارئ غير مسبوقة وتعدٍّ صارخ على أرواح الناس وأمنهم وسكينتهم واعتقال المئات وإصابة العشرات من الناس العزل بالرصاص، وغير ذلك من إجراءات الانتهاك والتعدي على حرية وحقوق الناس في الحركة والتنقل وقضاء حوائجهم اليومية والإنسانية في مواقع السكن وبين المناطق والمديريات والمحافظات الجنوبية، وهو ما لم يحصل حتى في زمن الاستعمار البريطاني، كل ذلك يؤكد أن النوايا الحسنة والمصداقية والحكمة في وادٍ، وتوجهات السلطة وممارسات أجهزتها الأمنية في وادٍ آخر.

وبهذا تكون السلطة قد مارست بجلاء جريمة الإرهاب المنظم ضد السكان الآمنين لمجرد ممارستهم حقهم الدستوري في التظاهر والاعتصام السلمي، لتكرر وتؤكد طابعها القمعي القائم، المنافي للدستور والقوانين ولتوجهات فخامة الرئيس المعلنة في برنامجه الانتخابي وخطاباته الأخيرة بشأن اعتماد الحوار والحقوق الديمقراطية وإنهاء ملف الصراعات بما فيه الثأرات التي شكلت لها لجــنة جديدة مؤخراً، ولتضرب بذلك جهود ومساعــــي اللجـــان المكلفة من فخامته وتصيبها في مقتل وهي لم تنهِ مهمتها بعد. وبهذا المنجز القمعي الجديد تكون السلطة قد عجزت عن مداواة الجراح بل صبت زيتاً محرقاً على نار الجراح لتلتهب وتتعمق أكثر.. وأكثر، لتدفع الناس عنوة إلى ممارسة خيارات أخرى بما ينسجم ولغة السلطة كما يبدو مؤكدة أن المطالب لا تنال بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى