العولمة.. من الفيروس إلى السلطة!

> برهان أحمد إبراهيم:

> كل من في الأرض في حالة تطور مطرد.. فالتطور هو القوة الدافعة لتقدم عربة البقاء والحفاظ على النوع.. فمن لا يتطور ينقرض.. قاعدة لا تحتاج نقاشاً.. من أصغر شيء وأحقره إلى أكبر شيء وأعظمه.. من الفيروس إلى السلطة..!

أليس الحشرات التي هي أدنى الكائنات الحية تتطور وتتغير، لذلك كانت أصلح للبقاء مقارنة بأضخم الكائنات؟.. فالحشرات تتكاثر بالملايين، تتحمل التغيرات، وتتأقلم مع اختلاف المكان وتنوع المناخ، فتعيش في اليابسة وفي المياه، وفوق الأرض، وباطن الأرض، وتعيش على أي شيء.. بينما انقرض كائن ضخم اسمه الديناصور!.. والسبب القدرة على التطور.. فالحشرات تطورت وفق بيئة معينة، لتصبح أصلح ما يكون لتلك البيئة، بينما ذلك الديناصور الضخم لم يستطع التطور مع تغيرات البيئة الجديدة فكان مصيره الانقراض!!

ولماذا نذهب بعيداً، فالميكروب والفيروس ذاته لا يظل على حالته الأولى، بل إنه في عملية تطور مستمر، يكتسب خلالها أسباب البقاء من مناعة وقدرة على الصراع والتغلب على اللقاحات أو الأمصال والمضادات، فإذا ما توقفت قدرته على التطور كانت نهايته.. وفيروس عصر العولمة كان لا بد له أن يتعولم ليكون بحجم تطورات العولمة وتحدياتها، والتأقلم مع إنجازاتها من ثورة المعلومات إلى الجينات (GENES).. إنه تطور من أجل البقاء والحفاظ على النوع.. تطور فاق الخيال ليصل ذروته بعلم الخريطة الجينية والاستنساخ!!

وهكذا حال الأنظمة الديكتاتورية، كان عليها أن تتكيف مع تطورات البيئة الجديدة (العولمة) كي تحافظ على بقائها، وبخاصة لشدة معاناتها من (فوبيا) ترك السلطة، ومن (داء) خطير يهدد وجودها اسمه الديمقراطية.. وبين البقاء كالحشرة، أو الانقراض كالديناصور، اختارت تلك الأنظمة أن تبقى كالحشرة، أو كالفيروس، فتطورت وفق البيئة الجديدة (العولمة) وتعايشت مع الداء الجديد (الديمقراطية) باكتسابها مناعة منه لإطالة دورة بقائها.. فداؤها دواؤها.. على نهج أبي نواس:«.... وداوني بالتي كانت هي الداء».

ولضرورات التطور والتغير، سارعت تلك الأنظمة إلى تحسين تشوهاتها شكلاً مستفيدة من إنجازات العولمة في علم (التعديل الجيني)، بانتقائها جينات معينة مسؤولة عن المظهر الخارجي (لون البشرة، لون الشعر، العيون، الطول ...الخ)!! بوهم إكساب ذاتها شرعية! وبخاصة بعد أن تهاوت حججها القديمة عن الشرعية الثورية بدلاً من الدستورية، وبعد أن أضحى واضحاً لها أن مسألة وجودها في السلطة لا تجعلها شرعية.. لذلك مضت في عملية تطوير وتجميل شكلها وزينتها اقتداء بممثلات هوليود!.. فإذا بنيرون ما قبل الميلاد قد عاد في الألفية الثالثة من الميلاد بنسخته المحسنة في زمن العولمة! لنرى تلك الأنظمة وقد بدأت تغليف خارجها بمظاهر توحي بالشرعية: «برلمان، انتخابات، قوانين، مجتمع مدني) بينما ظل محتواها عدم الشرعية وبامتياز!!

ولكن، ما تلك الشرعية؟ وما معناها؟ وما معيارها؟

ببساطة، ودون إطالة، الشرعية هي قبول الشعب للسلطة، لأنها سلطة انبثقت من الشعب، لتمثل إرادته، وتحقق مطالبه.. إذاً فالشرعية تعني الموافقة والقبول.. ومعيارها نظرة الشعب إلى السلطة.

إن النظام الديكتاتوري (المتطور على طريق الفيروس) غالباً ما يكتفي بمظاهر شكلية عن الديمقراطية، فهو يعد المسرح بديكور ديمقراطي، وبمؤثرات بصرية وصوتية ديمقراطية، وممثل ديمقراطي، غير أنه يفرغ النص من محتواه الديمقراطي.. فهو يقيم برلماناً، غير أن ذلك البرلمان لا يمثل الإرادة العامة, لذلك فمعظم القوانين الصادرة عنه تكون ضد مصالح الشعب.. وإذا ما شكل حكومة، كانت مكونة من أصل ذلك البرلمان الظل، فإذا بها هي الأخرى حكومة ظل لا تخدم المصلحة العامة.. وهو أيضاً لا يتردد في إجراء انتخابات، لكنها انتخابات شكلية، تعد لصالحه، وفيها يبيح لنفسه استنزاف كل شيء: البشر والحجر، المال العام ومؤسسات الدولة، والوظيفة العامة، وممارسة الترغيب والترهيب، بل إنه يستحضر فيها طائفة من الجن لإخفاء صناديق وإظهار أخرى.. لتحسم النتائج له كسلطة (شرعية)!!

ولكي تكتمل مسرحية الديمقراطية والشرعية، تبدأ تلك الأنظمة بتطوير بنية خطابها بالتحول من الثورة ومفرداتها إلى العولمة ومصطلحاتها (القرية الكونية، الشراكة الدولية، التحديث، الشفافية، حقوق الإنسان، المجتمع المدني) و(دوّخيني يالمونه)!

فالسلطة التي لا تستند في وجودها إلى شرعية، من الطبيعي أن تراوغ وتناور وتدعي ما ليس حقيقتها، شأنها شأن المفسد واللص والمحتال، فهم أيضاً لا يقبلون إلا أن يسموا شرفاء!!.. فكلهم شرفاء يا عزيزي و(أخضر جهيش مليان)!

ولكن يبقى السؤال: هل تطورت الشعوب في صراع البقاء، وإثبات الذات أم ليس بعد؟؟

وإن كانت هي تطورت وتتطور، فما بالها؟! أتراه غياب الإرادة أم ضعفها؟ أو غياب النخب أم وهنها؟! سؤال أترك الإجابة عنه لك عزيزي القارئ!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى