قشن .. غادة المهرة وضياؤها المنير

> وليد محمود التميمي:

> إلى جانب الغيظة تبقى سيحوت وقشن من أكبر وأشهر مدن محافظة المهرة وأكثرها احتفاءً بالتاريخ واحتضاناً لمعالمه وآثاره المهدورة. وإذا ما خصصنا مساحة الحديث في هذا المقال لإبراز ما تتمتع به مديرية قشن من إرث تاريخي أصيل وشواهد حضارية موغلة في القدم برزت في عصر سلطنات سادت ثم بادت لعل من أشهرها سلطنة أو إمارة (بن عفرير) التي وصلت بحكمها وبسطت نفوذها على امتداد محافظة المهرة وتعدته إلى مدينة الشحر وجزيرة سقطرى بمحافظة حضرموت، فإننا سنجد، للأسف، في المدينة البالغ عدد سكانها اليوم حوالي أحد عشر ألف نسمة، والمحاطة بسياج من القرى من بينها (مكيب وصقر وصلول ولبيك وغبوري وذنوت وضربوت وعكريم)، قرائن على الإهمال الرسمي وثوابت على اللا مبالاة المفرطة تتجلى بكل وضوح على أعتاب بيوت دفنت وحصون وقلاع طمرت بالكامل أو تكاد، وتتجاوز أعمارها قروناً من الزمن، ومن بينها (حصن عمروته وحصن بن عوشة وبيوت البلاد التي بناها آل بن حازم وحصن آل باعباد وحصن بن عفرير وحصن انطحيت).. تصوروا كل هذه الرموز والمعالم التاريخية وغيرها باتت أثراً بعد عين ومجرد أطلال تحكي قصصاً وأساطير لحضارات تجاوزت محيطها الجغرافي وبلغت الآفاق في فنون التجارة عبر البحار والمحيطات وهندسة الزراعة، وكم شعرنا بغصة الحزن تتحشرج في حلوقنا، والألم تجيش به صدورنا ونحن نستمع لأحاديث أهالي قشن التي لا تخلو نبراتها من استياء عارم وسخط شديد، ازدراء بالوضعية المأساوية التي آلت إليها معالم المدينة وتراثها الباذخ وسط صمت وتجاهل مطبق من المؤسسات الحكومية التي يفترض بها أن تتولى مسؤولية الحفاظ عليها ومنع كل ما من شأنه أن يمس بسوء هويتنا وتراثنا وتاريخنا الأصيل في مشارق أرض اليمن ومغاربها، وليس العكس.

وعلى الرغم من الحيف والعبث الذي طال المخزون التاريخي العتيق لمدينة قشن، التي ترزح تحت وطأة الغزو الهندسي المعماري المسلح، إلا أن أهلها الذين يحيون حياة أقرب إلى حياة الريف والبداوة ويمارس غالبيتهم مهنة الصيد ثم الزراعة، ومنهم من يعتمد على مداخيل اغترابهم في الخارج، مازالوا متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم المميزة خصوصاً تلك المتعلقة بمراسيم وطقوس الزواج التي تستمر لمدة ثلاثة أيام، اليوم الأول والثاني منها يطلق عليهما تسمية (مزهيت ومودوريت) وخلالهما يتم تجهيز عدة الزواج ومستلزماته التي يتكفل بها الزوج منفرداً بعد دفعه المهر الذي قد يتجاوز 350 ألف ريال، ويشتري ذهب العروسة بمبلغ يفوق المليون ريال، هذا إلى جانب شرائه كسوة العروسة وكسوة أهلها المقربين من الذكور والإناث وتجهيز أدوات ومؤن المطبخ التي تخزن في صندوق يطلق عليه (المهجرية)، وتأمين وجبات الغداء خلال أيام العرس والحلوى التي توزع بالمناسبة، وإحضار (الطققات) الراقصات الشعبيات والمخضبات للعروسة وأمها وأخواتها وقريباتها، كل ذلك امتثالاً لشروط عقد الزواج الذي قد تصل تكاليفه ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين ريال وربما أكثر.

وقبل الخوض في غمار المراسيم النهائية للزواج وتحديداً بعد خطبة الفتاة تمكث العروسة في بيت أهلها لمدة شهر أو 40 يوماً تحتجب خلالها عن أعين النظارة، وتتجنب الأعمال المنزلية المرهقة وتتغذى جيداً وتطلي جسدها البض وخصوصاً محيط الوجه وتقاطيعه بمساحيق ومستحضرات التجميل الطبيعية، التي تتميز بها محافظة المهرة عن غيرها من محافظات الجمهورية، لتبدو بعد ذلك الصبية كشمس مشرقة تتوسط كبد السماء، عروس ناضجة محروسة بحياء وخجل أنثوي.

وفي اليوم الثالث للعرس (يوم الدخلة) الذي يحفل بالرقصات التراثية والشعبية والمساجلات الشعرية التي تدور إما على ساحات مفتوحة أو في (شريع) خيام كبيرة تنصب بجوار دار العروسة، يزف العريس إلى دار عروسه سيما إذا كانت صغيرة في السن لا تتجاوز خمسة عشر ربيعاً أو ما دون فيستقر الزوج وزوجته تحت أسقف بيت عائلة العروس لمدة قد تطول لسنوات أو تستمر وللأبد، وغالبا ما يكون الزوج ملزماً بمصاريف المعيشة للزوجة وأفراد أسرتها في بيت عائلته الجديدة، وكان الله في عونه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى