بالصبر تلتئم الجراح ومع الوقت تظهر الحقيقة

> علي صالح محمد:

> حين نشرت صحيفة «الأيام» على صدر صفحتها الأولى خبرا يفيد بنية البعض في إغلاقها كنت لحظتها أشتري «الأيام» من الكشك الوحيد الذي يوزعها في سوق السلام بيافع، ومع أني أحجز نسختي مقدماً كما هو حال الكثيرين من مدمني قراءة هذه الصحيفة إلا أنني دائماً أحصل عليها بمشقة جراء التدافع والازدحام الذي يحصل لحظة وصولها من عدن لتنفد بلحظات وبالذات حين تتضمن مواضيع وطنية حيوية تعانق هموم الناس المعيشية وتتبناها بصدق وبمسئولية.

في الواقع لم تدهشني حالة التلهف والانتظار ونفاد وانتشار الصحيفة بهذه السرعة، وإنما ردود الفعل السريعة التي تشكلت لدى عامة الناس وهم يقرأون الخبر الذي نشر يوم السبت 2008/8/11م والمتضمن نية البعض من الوزراء إغلاق الصحيفة، اتسمت ردود الفعل التلقائية بمزيج من مشاعر الاستنكار والاستهجان والغضب والاستغراب والتعجب لمثل هذا التصرف ومقاصده ولقد حملني العديد من هؤلاء أمانة إيصال رسالتهم المعبرة عن هذه المشاعر بالقول (إن «الأيام» لم تعد صحيفة هشام وتمام باشراحيل بل إنها غدت صحيفتنا جميعاً وهي صوتنا ولسان حالنا نحن المقهورين والصابرين، وصحيفة الشرفاء الذين يحملون راية الحق والحرية وينشدون العدالة والأمان فوق أرضهم ومن أجل حقهم المغتصب والمهدور ، إنها حقنا ومنبرنا الذي بقي وسندافع عن بقاء هذا الحق وهذا المنبر بكل السبل وفقكم الله في رسالتكم النبيلة ونحن معكم من أجل الخير ومن أجل انتصار الحق وهزيمة الباطل بكل أشكاله).

مشاعر التضامن الصادقة هذه هي تعبير عن حالة الوفاء والامتنان التي يكنها الناس البسطاء تجاه صحيفة «الأيام» وتعكس بالمقابل مشاعر الوعي المتنامي لدى العامة لتؤكد أن الإنسان أصبح يميز الخير والشر بنفسه بالاعتماد على الضمير والقلب الحر ويدركون أيضا أن ما تواجهه «الأيام» يأتي في إطار حالة الضيق والخوف والقلق والارتباك التي يعيشها البعض من جراء الحراك السياسي والجماهيري بتعبيراته المختلفة كتعبير عن حالة المعاناة المعيشية جراء سياسات الجرع والتجويع ومظاهر الفساد للسلطة ونظام الحكم والتي يئن منها الشعب ويعانيها الجميع سواء في الشمال أو في الجنوب، وبسبب خوف هؤلاء من مواجهة الاستحقاقات وتحقيق الوعود الانتخابية لفخامة الرئيس وما يترتب على ذلك مستقبلاً من فقدان مصالحهم لهذا تجدهم يلجأون إلى حرف الأنظار وجر الناس إلى صراعات ومعارك بائسة معتمدة على القمع والترهيب تارة باسم الحفاظ على النظام الجمهوري والآن باسم الحفاظ على الوحدة والثوابت الوطنية وصيانتها خوفاً من انفصال الجنوب وهو السيناريو الذي أشار إليه الأستاذ عبدالملك المتوكل في إحدى كتاباته بصحيفة «الوسط»، وهو ما يؤكده الخطاب السياسي المتشنج والإجراءات الهستيرية تجاه الحركة السلمية للمتقاعدين العسكريين والمدنيين في المحافظات الجنوبية والشرقية لتصور هذه الحركة وكأنها حركة تستهدف وحدة الشعب اليمني بهدف حرف اتجاه الصراع وذلك في عملية هروب جديدة من نظام يجيد ترحيل الأزمات ولا يحلها كما وصفه الشهيد جار الله عمر، وهنا يجعل من مفهوم الوحدة والانفصال موضوع الصراع الجديد مع أن الكل يدرك جيداً ومثلما وصف ذلك الأستاذ أحمد عمر بن فريد في واحدة من مقالاته الجريئة أن الوحدة بين الشمال والجنوب التي حققها النظامان والحزبان السياسيان في عام 1990م لم يعد لها وجود لأن حرب 1994م دفنتها وفرضت علينا وحدة ونظام وسلطة الجمهوية العربية اليمينة بالقوة لينتفع القلة من ثروات الجنوب، موظفاً الانتصار لصالح الاستمرار في الحكم والهيمنة بصورة مغايرة كلياً للوحدة الوطنية الفعلية إن في الشمال أو في الجنوب بدليل الإبقاء على الوضع القبلي المشايخي في الشمال كما كان عليه قبل الوحدة بما يخدم النظام وليس بناء الدولة، وفي الجنوب تعمد النظام وبمنهجية واضحة ضرب مقومات ومؤسسات الدولة وإعادة الوضع القبلي والمشايخي الذي كان سائداً قبل الاستقلال مع أنه كان وضعاً فيدرالياً في الواقع وحتى عدن المدينة القائمة على التعايش الإنساني لم تسلم من ذلك حيث نصب لها بعض المشايخ من باب السخرية والاستهزاء والاحتقار للإنسان المدني في عدن، في حين أن الجنوب وعاصمته عدن قد تجاوزت الوضع القبلي وقطعت شرطاًً كبيراً في بسط سلطة الدولة القائمة على القانون والتشريع.

ومن كل ذلك يتضح أن انتصار واستمرار النظام مرهون بسياسة التجزئة والتفرقة والتمزيق للروابط وللنسيج الاجتماعي المتحد وهو ما يفسر بوضوح الانزعاج من حركة التسامح والتصالح حد تخوين من يقوم بها أو كل من يطالب بحق ووصفهم بالانفصاليين أو المتمردين أو الخارجين عن القانون والمأجورين وغير ذلك من المسميات التي لم تعد تنسجم مع روح العصر ومتطلبات الإنسان، ويفترض أن يعمل النظام على دعم أي حركة من شأنها إنهاء ملفات الصراع السياسي والقبلي القديمة والجديدة إن كان صادقاً إزاء وحدة الوطن الممزق بفعل سياسات النظام وحروبه المدمرة وتصبح مفاهيم الحرية والعدل والأمن والأمان والقضا ءعلى الفساد وسيادة القانون واحترام الإنسان وحقوقه المادية والمعنوية، والتنمية البشرية والتعلم والصحة للجميع والقضاء على الجوع والفقر هي الخطوط الحمراء والثوابت الحقيقية لسياسات النظام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى