لا تزيدوا قهرنا بقهر القلم

> «الأيام» محمد علي الجنيدي:

> حبر سال على ورقة بيضاء فانساب بين جوانبها وأطرافها وأعماقها فبدأ ينقشها ويزينها ويرسم لها أشكالا مختلفة، فأخذ يرسم الطبيعة برونقها الأخاذ وشكلها البديع فرسم الوديان والأنهار ورسم الخضرة والبحار وانتقل لمكان آخر ليرسم البراكين والزلازل والأعاصير والصواعق والبروق، تارة يميل لجوانب الطبيعة الجميلة وتارة يميل إلى جوانبها العتيدة ..ظل الحبر يسيل وينساب وكأنه يقول دعوني أعبر عن مشاعري وأحاسيسي فأخذ يرسم واقع الحال الذي هو جزء منه متفننا في رسم جوانبه الحلوة فأخذ يرسم الزرع والورد ورسم السمك والاغنام والابقار، وأخذ يرسم الحلي ببراعة فائقة فصنع من رسمه أساور وسلاسل مرة من الذهب ومرة من الفضة ومرة من الصدف والمرجان فتنقل ليرسم الغاز والنفط بأنواعه ومشتقاته مع أنني مذهول من طريقة رسمه لهما فهما هواء وسائل من الصعب رسمهما، ظل يرسم وكأنه يقول لنا انظروا بماذا منّ علينا الرزاق المعطي من ثروات وخيرات ونعم، وعلى حين غرة وفي لمح البصر إذا بالحبر يتدفق بغزارة بصورة تلفت النظر فأخذ يذرف قطرات كأنها دموع طفل تاه عن أمه فأخذ يرسم الظلم والقهر والسلب والنهب والغطرسة والهيمنة والاستبداد والإذلال والانحطاط والجهل والتخلف والفقر والتسول والتسيب والعشوائية والمحسوبية والنفوذية، وراح يفند الظواهر السلبية بأنواعها فرسم أيدي ملطخة بالدماء كأنه يشير إلى ما سببه الثأر والتعصب القبلي نتيجة غياب سطوة القانون وأخذ يرسم الفساد والتخلف مشيراً إلى ما خلفته ظاهرة الرشى.

وفجأة إذا به يتوقف لا أعرف لماذا؟ فراودني شعور بأنه يتأمل ويتفكر وبعد لحظة سالت قطرة كبيرة لم أستطع فهم مغزاها بسرعة، فتداركت موقفي وفهمت أن الحسرة واليأس والإحباط وفقدان الأمل والبؤس والقنوط هو محتواها وأخذ الحبر ينفد وبقطراته الأخيرة رسم يدين مرفوعتين إلى السماء تستنجدان برب الأرض والسماء، تقولان أغثنا برحمتك اغثنا برحمتك يا أرحم الراحمين .

وأخيراً وليس آخراً نفد الحبر من هذا القلم، ولكنه ترك أثراً بليغاًَ، فقد حول هذه الورقة البيضاء التي لا مضمون لها إلى رسالة لها أهداف وآمال تصل إلى أبعد الحدود يدركها الأصم قبل العفي ويراها الأعمى قبل البصير.

إلا انه وفي الآونة الاخيرة ظهر شيء يجب الوقوف عنده مسماه القمع والردع، لا لمن تجاوز الحدود وتسبب في استشراء الفساد وانتشار التخلف وكثرة الفقر والبطالة ومن هم سبب غياب الأمن والامان، لا، بل ليطال من يظهرون الحقائق ويرسمون مستجدات الواقع بكل مصداقية وشفافية لتتخذ عليهم إجراءات تعسفية لإظهارهم الحق أمام أبناء الوطن الحبيب.

وفي نهاية المطاف أحب أن أنوه بشيء لمن يزعمون أن الديمقراطية وحرية التعبير نهج تسلكه ونظام تتبعه، وأقول لهم دعوا الأقلام تنقل ما في الأذهان فما هي إلا من حبر ومداد وليست من سلاح وعتاد ، أفلا يكفيكم أن القهر بات مصيرنا فلو تكرمتم لا تزيدوا قهرنا بقهر القلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى