> د. هشام محسن السقاف:

مكارثية جديدة، ولأنها يمنية باقتدار فإنها الأسوأ رغم مضي أكثر من نصف قرن على الموجة نفسها في الولايات المتحدة لإقصاء الخصوم اليساريين بعد الحرب العالمية الثانية. هنا الزمن لم يأت بجديد فالشمولية بادية في المعالم والممارسة، والأجهزة قمعية دون مواربة أما القضاء فشاهد زور إلا من رحم ربي. يكفي في سني المكارثية الأولى في الولايات المتحدة أن القانون ظل هو القانون المفخرة وظلت حرية الكلمة الميدان الأوسع لرمي الأفكار واستقطاب الرأي العام. أما الآن وفي اليمن الميمون حيث لا يتقدم الزمن إلا لتكريس وجه عصري مشوه للمؤسسات الكالحة ذاتها التي كانت سائدة في الماضي، فإن الاستشارات تكاد تكون كيدية على الشعب لدى صانع القرار السياسي، بالرغم من رهاننا الذي لا ينقطع على إمكانية تصفية بؤر الجمود والفساد من حوله بقوى حداثية وانتصار إرادة التغيير لصالح الجماهير من أعلى قمة في هرم السلطة إلى أدناها، إذ لا خيار سوى ذلك، عدا الكارثة والقطيعة الكلية مع المواطنين.

فالمطبخ السياسي لم يعد بإمكانه تقديم بدائل سياسية تساعد على ترسيخ الأمن والاستقرار والديمقراطية السياسية والاجتماعية في حياتنا، بل يرسم على خيالة البليد فسطاطين دائمين للأوضاع حسب الحاجة ودون التفات للزمن: السلطة وأعداءها، ولا يهم أن يكون مكونات الأولى أقل عدداً فهي الأكثر عتاداً، والثانية مهما بلغت أعدادها بعداد شعب فهي الأقل عتاداً ومن ثم تستقيم القوة معياراً للحفاظ على معادلة التوازن لصالح من يملكها. وهو منطق ينم عن جهالة بالتحولات التاريخية والاجتماعية في حياة الشعوب والأمم على مدى الأزمان.

إن من يتتبع الإعلام سوف يدرك حقيقة وجودنا الدائم في العصر بأثر رجعي، وهو عقيم بكل مخرجاته التي لا تخدم أحداً لأنها خارج الزمن، و من ثم فهو عبء على الدولة وكاهل الاقتصاد رغم وجود كفاءات إعلامية مشهود لها في هذا الجهاز، غير الوظيفة الأولى فيه بطبيعةالحال، بإمكانها النهوض به، ورسمها سياسة ليبرالية شفافة تحفظ له جزءاً من المصداقية الضائعة الآن في ضجيج أناشيد السبعينات والثمانينات والبيانات شبه العسكرية. وبالإمكان -الآن- ألا يذهب البعض من حرس قديم ومستجد حداً يرسخ معيار الفسطاطين تحت مسميات كبرى يجمع عليها الكل، وأن نبتعد عن ردات الفعل التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفعل المضاد مادمنا جميعاً في قارب واحد كما نحب أن نقول. فالتسييس للقضايا يبدأ من هضم الحقوق والقفز على المبادئ السامية المعقودة في مواثيقنا والمواثيق الدولية كالمواطنة المتساوية وحق العمل والشراكة في الثروات والحريات العامة.

علينا أن نعي الحقائق جيداً ونتصرف وفق المقتضيات وبما يحفظنا جميعاً من سوء العاقبة والعياذ بالله.