أغنيات المهد من اليمن .. في مركز ميل الذهب

> «الأيام» أديب قاسم:

> الأشكال الإيقاعية في أغاني المهد، لها وظائفها الحيوية بالنسبة للأم أو كان ذلك للنشء (مرحلة الطفولة المبكرة).. وليست مجرد إيقاعات تولدت بصورة عفوية أو أنها من حيث الاستعانة بالكلمة لا تهدف لشيء. فمن جهة نجدها قد ارتبطت بحياة الأم أو الأسرة: آمالها وتطلعاتها وأحزانها.. وما يحقق لها مساحة من الترفيه عن النفس في أثناء غنائها لوليدها وهو في المهد فهي غالباً ما تتصل بدافع نفسي هو الترويح عن النفس.. غير أن تلك المقاطع التي يجري توقيعها فوق مهد الصبي نجدها توافق ضوابط الحركة الموقّعة في تدفق المهد أو تأرجحه من جهة إلى أخرى.. وهي إلى ذلك من جهة أخرى تهدف لجلب النعاس إلى عيني الصبي أو الصبية كي يخلد إلى النوم.

غير أن ما تنطوي عليه هذه الأغنيات المسماة لدى الفولكلوريين بـ «أغاني المهد» هو شيء أعمق مما قد نتصور أو نعتقد.. شيء غالباُ ما يتوقف عنده باحثو الفولكلور في إعمال للذهن والتنقيب عن حقائق النص أو الحركة الإيقاعية.. وهو أمر يغرب عن اذهان الكثير مما جعلهم لا يرون في تلك المادة غير الطرب في طبيعة اللحن أو الأداء إن كان الصوت على جانب من الجمال والرقة.. وماعدا ذلك فهو السذاجة نظراً لبساطة الكلمة وغالباً لخلوها من المعنى أو بسبب اختلال الترابط بين مقاطع تلك الأغنيات.

إن جماليات النص أو اللحن ليست بالشيء القليل إن كانت غايتها هي التسرية أو ما كان من أمر المهد الذي يستوعب الصبي بداخله وهو حين يتهادى متجاوباً مع غناء الأم.. ومع ذلك قد يشع السرور في نفوس الآخرين ممن يحيطون بالمهد داخل البيت.. غير أن الأمر أكثر أهمية من كل ذلك نظراً لأن النصوص التي تغنى على مهد الصبي.. غالباً ما تتضمن طقوساً أو معتقداً دينياً.. أو أماني تعيش في صدر الأم.. وقد تستجيب لصلوات بعينها تطلقها الأم على مسمع الصبي وإن كان دون الإدراك في تلك السن المبكرة.. غير أن علم النفس الحديث، بل وسائر علوم التربية أو المتعلقة بالنمو الفسيولوجي ودراسة حياة الكائنات كالنبات والحيوان والإنسان قد أثبتت تماماً أن الوليد حتى وهو ما يزال في بطن أمه تصله إيقاعات الكلمة فيتشرّبها داخل وجدانه كجزء من مكوناته عندما يكبر. ومن هنا كان المربّون أو كانت الأمهات قديماً يحرصن على تضمين أغنياتهن لمهد الصبي كلمات على جانب من الرقة أو ذات مدلول تربوي أخلاقي وديني يعمّق من صلة الإنسان بالكون بدءاً من رموزه كالقمر والليل والنجوم والسحب أو ذكراً لعبادة الرحمن وأسمائه.. ولتحفر تلك الكلمات المحمولة بإيقاعاتها عميقاً في شعاب نفس الصبي أو في خلايا ذهنه! ومعها يكون الغناء أكثر عذوبة وليناً مما يغنى في ساحات اللعب.

على هذا الأساس، يقوم اليوم مركز ميل الذهب (ومقره في صنعاء) بجمع وتوثيق التراث الشفهي للأم والطفل في اليمن.. من خلال المسح الميداني لكل المحافظات.. وحتى لا يندثر.. غير أن قيامه بعمليات الجمع والتوثيق ليست هي الغاية وحدها.. بل تمتد إلى دراسة عناصر هذا التراث من مختلف جوانبه: (الموسيقى، الغناء، الرقص) إلى جانب الخصائص البيئية والنفسية والاجتماعية وليصل إلى الحكايات وألعاب الأطفال الشعبية.. ومن ثم العمل على إحيائه عبر كل الوسائط الفنية من مسرح إلى تلفزيون إلى مجلات الأطفال.. وليكون مادة بين أيدي الفنانين والأدباء كي يستلهموها في الأعمال التي يؤلفونها للأطفال أو ما كان يندرج في الأعمال الإبداعية الكبيرة كالرواية أو عند تأليفهم للمسرح.

وتشرف على هذا المركز السيدة فاطمة البيضاني فيما تواكبها زميلة لها في هذا الحقل هي السيدة منى الجسار ..وهيئة من الاستشاريين وكذا العاملين في حقل التراث الشعبي، وهي جماعة متجانسة في عملها ونشاطها وأهدافها.. أثبتت فاعليتها من خلال إصدار اسطوانات وكتب أطفال ودراسات وأبحاث علمية جرت ترجمها إلى لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية من خلال التعاون مع فرق بحث دولية.

لنتوقف عند هذا الكتيب الصغير الذي صدر عن مركز ميل الذهب تحت عنوان «أغنيات المهد في اليمن».. وقد تضمن عشر أغنيات مما جرى توقيعه على مهد الصبي خلال أجيال عدة عبرت التاريخ اليمني جيلاً بعد جيل حاملة معها تلك النصوص المتفجرة في الإيقاع.. وبعضها قد تكيفت باللحن المنساب أو المتدفق بصورة بالغة العذوبة.. وكان الكتيب قد تضمن معاني المفردات كما صدر عن المركز أسطوانة (CD) أي تسجيل صوتي لتلك الأغنيات وهذه بعض نماذجها:

من حضرموت :

ما (سعادة) باتنام النوم نوم الحمام

نوم الصّخيري والنعام

يسلم لنا بوها يسلم ويجيب خوها

يا مرحباً بُه حبيّه بنتي حمتها الحميّه

من عند مولى العنيّه مولى السماء الطالعيه

يا مرحبا تراحيب بالمسك مخلوط بالطيب

يا مرحباً بالبت لي سعدها مبخت

يامرحباً قال بوها وفي الكسا خيّروها

من كل غالي كسوها لبس الدُوَل لبّسوها

صلوا على النبي الطاهر العزّي

.....الخ

من لحج:

هوّه واكلب عبّاس هوه لا تأكل الناس

هوّه بسنانك ولضراس هي واه

أغنية تعز:

دوه يا دوه ياليتني جولبه

دوه يادوه واطير لقعطبه

دوه يادوه ودّي سلوس مُذهّبه

دوه يادوه لأمي والوالده

دوه يادوه والوالده خالتي

دوه يادوه ترعي جمال اخوتي

دوه يادوه طحس عليها قعود

دوه يادوه ما بين شرخه وعود

......الخ

أغنية صنعاء:

أبه صالح أبي وهلي

بعت الشاة بعناها

بكم يابه سدينا

وما غدوك معصوبه

وما الصبغه عسل نوبه

وما القهوه قشر حالي

وما خلطه هيتاني

وما المشقر ديماني

أصه اضحك لي أها ها ها

.....الخ

أغنية تهامة:

كريم يا الله بمَّطَر

على المبيني تنزله

ولا حنّاط يستكيل

ولا دعوى يخزنه

ما يشبع به إلا امفقير

يملي به مركنه

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى