تقرير الشؤون الاقتصادية بين عدن واتحاد الجنوب العربي 1962م

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

>
عندما تقرر دخول ولاية عدن في حكومة اتحاد الجنوب العربي بتاريخ 1 مارس 1963م كان لا بد من وضع الأسس والقوانين التي ترتقي مع هذا التحول السياسي، وأن تقوم لجان من أهل الخبرة في مختلف المجالات في طرح التصورات الموضوعية لقيام هذا الكيان (الاتحاد)، ونقدم في هذا الموضوع بعضاً من تقرير الشؤون المالية والاقتصادية الناجمة عن الروابط الأوثق بين مستعمرة عدن واتحاد الجنوب العربي وبالأخص الترتيبات المالية التي سيتم اتباعها، وكانت هذه الدراسة بقلم الخبير الاقتصادي البريطاني د.ف.بيرل، وقد رفع رسالة إلى والي عدن السير تشارس جونستون الذي كانت فترة إقامته في عدن من 1960 م إلى 1962م:

صاحب السعادة

عدن 19- أبريل 1962م

لقد طلبت مني وزارة المستعمرات في يناير بأن أزور عدن لتقديم المشورة عن الناحيتين المالية والاقتصادية للروابط الأوثق بين مستعمرة عدن واتحاد الجنوب العربي، وبالأخص الترتيبات المالية التي يمكن اتباعها.

لا بد وأن يشعر أي ملاحظ مصادق بقوة كلمات سعادتكم في الخطاب الذي ألقيتموه عند افتتاح دورة مجلس مستعمرة عدن التشريعي يوم 22 يناير والذي جاء فيه قولكم: «وإذا كان قد اتضح شيء نتيجة سنتي الأولى كحاكم فهو أن المستعمرة والاتحاد وبقية المحمية يلزم أن لا يسمح بها بالبقاء في مقصورات محكمة الغلق منعزلة.. وفي الناحية الاقتصادية من الضروري للغاية أن ينظر إلى التقدم بالنسبة للمنطقة بأكملها».

وبيت القصيد هذا الذي لا يمكن تأكيده أكثر مما سبق قد وضع نصب عيني وأنا أعد هذا التقرير الذي أرفعه الآن.

لي الشرف يا سيدي بأن

أكون خادمكم المطيع

(د. ف. بيرل)

الجزء الأول:

مبادئ كيان الحكومة المالي

-1 ليست شؤون الإدارة المالية سوى جزء من الشؤون الإدارية العامة وهي ليست قسماً منفصلاً يمكن عزله ومعالجته على حدة.

إن الترتيبات المالية يجب وضع تصميماتها بحيث تساهم في المساعدة والإسراع لنيل الأغراض العامة الحكومية منها والإدارية. ولذلك يتحتم عند تقديم أي اقتراح بخصوص أي نظام مالي أن يضع المرء نصب عينيه أغراض الحكومة العامة والمبادئ العامة للشؤون الإدارية.

-2 وعند التفكير حول التوحيد المقترح بين الاتحاد والمستعمرة توجد اعتبارات أساسية معينة يجب ألا تغيب عن البال.

(أ) الاتحاد القائم كيان سياسي جديد نسبياً.

(ب) وهو يحتضن فعلاً ولايات أعضاء لها اختلافات ظاهرة في أوضاع المالية وفي أحوال معيشة شعوبها. فالأحوال في لحج وبلاد الفضلي مثلاً ليست مماثلة للأحوال في الضالع أو مشيخة العوالق العليا.

(ج) سيأتي دخول المستعمرة بعضو له أحوال من التطور السياسي والاجتماعي تختلف اختلافاً بيناً عن تلك السائدة في أي من الولايات الأعضاء الأخرى. ولكن على الرغم من ضرورة ملاحظة الاختلافات في هذه الحالة بالذات فإن من المهم كذلك ألا يبالغ فيها. والإمارات الحالية لا تحكم حكماً مطلقاً بحتاً لا يقام فيها للرأي العام وزناً على الإطلاق، فبوسائل متداولة في ولايات مختلفة يلزم الأمراء بالإصغاء لآراء مجموعات الشعب الهامة داخل مناطقهم.

(د) تبرز مشكلة خاصة من مقارنة الأوضاع المالية في كل من المستعمرة والاتحاد القائم. فالمستعمرة لها ميزانية مستقرة ذات فائض مفيد في الحساب الدائم وهذا الفائض متوفر لتغذية التطوير بالتمويل المباشر أو لإنعاش القروض.

أما الاتحاد، من الناحية الأخرى، فيعتمد غالباً على منح عونية من المملكة المتحدة.

-3 كل الترتيبات التي يجري إعدادها لتسير حوالات الحكومة الموحد الجديدة، سواء كانت مالية أو سوى ذلك، يجب:

(أ) أن تحسب حساب الاعتبارات الأساسية المتقدمة.

(ب) أن تكون بمثابة تطور طبيعي من الترتيبات الحاضرة.

(ج) أن تكون لها صلة نسبية بأهداف المستقبل وسياساته.

-4 إن السؤال الأساسي في الناحية المالية هو:

على أية مبادئ يجب أن تقرر السلطات الحصول على الإيرادات داخل نطاق الاتحاد المقترح؟

لقد صيغ السؤال عمداً بهذه الطريقة لأن من المهم أولاً معرفة المبادئ التي يقترح العمل بموجبها وعندئذ توضع مقترحات معنية لإبراز المبادئ إلى حيز التنفيذ وبهذه الطريقة وحدها يمكن بناء كيان عملي دائم. ومن أجل إيجاد جواب شكلي على هذا السؤال من الضروري أولاً دراسة الوضع الراهن وما هي المبادئ المقبولة بوجه عام فيما يختص بالضرائب وكيف تتلاءم وأوضاعنا أو كيف يمكن جعلها تتلاءم وإياه.

-5 لقد نشأت الاتحادات الفيدرالية بعدد مختلف من الطرق وهي تختلف كثيراً في مدى الخدمات والواجبات التي تختص بها الأعضاء المختلفة في الجسد الواحد.

ومن البديهي أن خلق منظمة فيدرالية يتطلب حتماً المحافظة على خدمات مشتركة وتسليم جزء من السلطة التي كانت تتمتع بها من قبل الولايات الأعضاء منفردة إلى حكومة عامة. ولكن ليست هناك قواعد ذهبية يقرر بموجبها ما إذا كانت خدمة معينة يجب أن تسيرها الحكومة المركزية أو ولاية عضوة في الاتحاد.

لقد وزعت المسؤوليات بطرق لا تحصى عدداً في مختلف الأمكنة والأزمنة. فليست النظريات الثابتة، في أية فترة من الزمن، هي التي تقرر تقسيم الواجبات بل يعتمد ذلك على الأحكام العملية والذوق السليم.

ففي حالتنا يوجد في الدستور الاتحادي القائم جدول بالواجبات. ويبدو أن هناك بعض الشك عن مدى ملاءمة هذا الجدول بالضبط للوحدة المقترحة مع المستعمرة. ومهما يكن من رأي بصدد هذه المسألة العامة يبدو أن الاتفاق حاصل من كل جانب بأن الاعتماد التام الحالي على المساهمات المالية غير مُرض.

إن التغيير الذي ادخلته المملكة المتحدة بالتحول من المنح السنوية إلى منحة كبرى واحدة في كل ثلاث سنوات يعتبر خطوة إلى الأمام ولكن مازال هناك الكثير من التشديد والقليل من الليونة وهذا كمن يعيش في غير الواقع، فبمقتضى النظام الحالي تتجه أول خطوة عندما يتقرر أن بعض المصروفات الإضافية لازمة إلى تقديم طلب بذلك إلى المملكة المتحدة، والواقع فعلاً أن ليست هناك طريق أخرى.

وأمر كهذا ليس من الاعتماد الذاتي في شيء ويضر كثيراً بالمسؤولية المالية كما أنه لا بد وأن يسبب مضايقات محلياً وفي المملكة المتحدة.

-6 ومن أجل أن يصبح أي اتحاد عملياً فعلى الحكومة الاتحادية وحكومة المستعمرة وسلطان الولايات أن تعمل سوية. وبقدر عملها سوية يجب عليها أن تستطيع أن تعمل منفصلة. وإذا كان لها أن تعمل منفصلة، وإذا كان لها أن تعمل منفصلة دون حدوث احتكاك لا يطاق فستحتاج كل واحدة منها إلى قدر من الحرية المالية، وهذا يعني أن كل واحدة منها يجب أن يكون لها ايراد من الضرائب خاص بها، أي دخلاً مستقلاً. وهذا على الأقل سيقلل من اماكن الخلاف المحتمل بينها.

-7 من المهم بوجه خاص لحكومة الاتحاد أن يكون لها بعض الإيراد المستقل. وما لم توجد لديها مصادرها المالية الخاصة بها والتي ليست مجرد مساهمات من الأعضاء ومن المملكة المتحدة فإنها لن تتدرب على أنظمة الاعتماد الذاتي المالية، الذي ترتكز أهم قواعده على أن المصروفات يجب أن تتناسب بقدر الوسائل. وفوق ذلك لا يحتمل أن يصبح الاتحاد، في المستقبل، كياناً ملموساً لشعوب الولايات الاعضاء (بما في ذلك المستعمر طبعاً) الا اذا وضع البناء في مرحلة مبكرة على المبدأ القائل بأن دافعي الضرائب لا يساهمون لولاياتهم الخاصة فحسب بل للحكومة المركزية.

ومن الضروري تشجيع الاهتمام في مسائل أبلغ مدى من تلك الخاصة بالولاية ذاتها حتى تنمي النظرة الاتحادية الايجابية. والضرائب للأغراض العامة وسيلة هامة لبلوغ ذلك الهدف.

وأخيراً لن يعتبر الاتحاد في نظر العالم عموماً سوى مولود مصطنع إذا ما ظهر أن ليست لديه القوة الكافية للحصول على أية ايرادات على حسابه الخاصة.

-8 ويدفعنا هذا للتمعن في ماهية الضرائب المناسبة لمستويات الحكومة المختلفة.. هناك بالفعل اعتراف دولي بأن الرسوم الجمركية يجب أن تفرضها فقط الحكومة الوطنية أو المركزية ذاتها.

ويرجع السبب في ذلك إلى أشياء كثيرة، أولاً تشكل الرسوم الجمركية الداخلية عقبة خطيرة في طريق التجارة داخل المنطقة كلها، والتجارة هي التي يتحتم على الحكومة الوطنية او المركزية أن تشجعها لا ان تحد منها. وثانياً أن تكاليف إدارة الحواجز الجمركية الداخلية تعتبر تبذيراً للأموال. وكلما كانت البلاد فقيرة قلت مقدرتها على تحمل هذا التبذير. وهناك سبب هام آخر وهو أنه ما لم يصبح بالإمكان جعل ضرئب الولايات محلية بصورة واضحة وبعبارة أخرى أن هذه الضرائب ما لم تجمع من مصادر محلية محضة فهناك احتمالات لا حصر لها للتنازع حول اجزاء معينة من الإيراد. وهذه المنازعات قد بدأت بالفعل وتوجد اختلافات فعلاً، على الأقل في المستويات الرسمية، عن المكان الصحيح الذي يجب أن تذهب اليه الايرادات التي يتم الحصول عليها في عدن على السلع المفروضة عليها الرسوم والتي تباع نهائياً في ولايات المحمية.

إن هذه الاسباب الثلاثة تنطبق على أي بلاد. وهناك سبب آخر في هذه الحالة بالذات له صلة بمقترحاتنا الاساسية الواردة في (ب) و(د)، أي أن استمرار الرسوم الجمركية الداخلية في الولايات سيزيد من الخلافات في الأوضاع المالية وبالتالي في أحوال المعيشة في مختلف الولايات المنضمة إلى الاتحاد وستصبح الولايات الغنية أكثر غنى بينما تزداد الولايات الفقيرة فقراً نسبياً.

-9 لذلك توجد حجج قوية جداً وهذه الحجج تكاد لا تقاوم، من حيث المبدأ والاسبقية في صالح إعطاء الاتحاد الجديد مصدراً مستقلاً ما للإيراد.

وهناك أسباب لا تقل قوة للتمسك بأن رسوم الجمارك والعوائد (والمقصود بذلك الرسوم المفروضة على توريد أو صناعة المواد الواردة في الجدول) يجب أن تفرض فقط من قبل الحكومة المركزية.

أما القرار بوجوب جعل الرسوم الجمركية والعوائد فيدرالية فواضح.

وأما أن هذا يسبب عدداً من المشاكل لكل من يهمـهم الأمر فطبيعـي ألا يختـلف فيه اثنان. وهذه المشاكل والحلول الممكنة لها ستعالج فيما بعد.إن أول ما يلزم هو قبول المبدأ الذي أوصي به.

-10 لوحظ من الفقرة 8 بأن الضرائب الخاصة بالولايات أو المحلية يجب أن تصير بوضوح محلية، وهذا مبدأ عام يتبع في معظم بلدان العالم.. ففي بلدان كثيرة تعتبر الضريبة المحلية الرئيسية، وفي بعض الاحيان تكون الوحيدة، ضريبة على الأراضي والعمارات.. ومن الصعب أن يفكر المرء في أي شيء يتصل بوضوح أكثر بالمنطقة. وفي بعض البلدان على كل حال لم يبدأ فرض ضريبة مباشرة على الاراضي والعمارات ولو أن هناك ضريبة للفلاحة على شكل زكاة. وبصورة عامة هذا هو الوضع في ولايات الاتحاد القائم.

وهذه الزكاة تطابق فعلاً بوجه عمومي مبدأنا العام لحصره محلياً كما أنها توفر مصدراً مستقلاً للإيراد ذكر في الفقرة 6 على أنه مستحسن. ومما لا شك فيه أن الايراد الناتج عنه غير كاف من بعض النواحي، ومما لا شك فيه ايضاً أن عدم الكفاية أكثر بروزاً في بعض الولايات منه في غيرها.

ولكن كونه موجوداً وليس ما يعارضه من حيث المبدأ فهناك من الدواعي القوية ما يكفي لتركه كضريبة مقبولة خاصة بالولاية بعد الاتحاد.

أما ما إذا كان يجب أن يعترف به بوضوح من قبل قانون فيدرالي على أنه بمثابة ايراد متوفر مباشرة وفي مصدره لمقابلة مصروفات الولاية فأمر مفتوح للدراسة.

وفي مرحلة ما سيكون من المرغوب فيه بالتأكيد أن تحدد كافة السلطات للحصول على الضرائب وأن تخصص بوضوح بواسطة قوانين.. وهناك مجال للشك على كل حال عما اذا كان هذا من المستحسن في هذه المرحلة.

كانت هناك في الثلاث السنوات منذ تأسيس الاتحاد تغييرات ملموسة في حياة البلاد السياسية ككل وستكون هناك تغييرات أكبر كنتيجة من توحيد المستعمرة المقترح مهما كان نوع ذلك الاتحاد في النهاية.. ولربما أن من الصواب أن مقدرة الأهالي ورؤسائهم على استيعاب التغييرات والاستفادة منها يجب الا تتعرض لضغط أكثر مما هو ضروري.

وبما أن الزكاة معروفة تماماً وثابتة وغير متنازع عليها بأي حال فمن الأحسن على كل افتراض في الوقت الحاضر أن يلاحظ انها ضريبة محلية ملائمة ويجب أن تستمر كذلك.. إني أوصي باتباع هذه الطريقة.. وهذا بالطبع لا ينطبق على المستعمرة وهنا تجابهنا ناحية صعبة بوجه خاص من الخلافات التي لوحظت في الفقرة 2 (ج) أعلاه.

-11 نظراً للاختلافات العظيمة في التطور السياسي والاجتماعي فمن المستحيل تقريباً النظر إلى مسألة ضرائب الولاية بالنسبة للمستعمرة على نفس الطريقة التي تنظر بها الولايات بالنسبة للمحمية.

تجبي بلدية عدن ضريبة على البنايات على شكل ضريبة مدنية، بينما ظلت حكومة المستعمرة لأمد طويل تعتمد في الضرائب المباشرة على ضريبة الدخل. وينص تشريع المستعمرة الخاص بضريبة الدخل على فرض ضريبة دخل شخصية تصاعدية تحسب بأسعار ترتفع بارتفاع نسبة الدخل وضريبة شركات بسعر سطحي يدفع على الدخول المقدر ومحدد بطريقة يمكن وصفها بأنها مشروعة ومعتادة.

المرجع

المحادثات الدستورية التمهيدية .. عدن أغسطس 1961 - مايو 1962

اتفاقية بين وزراء المجلس الأعلى لاتحاد الجنوب العربي ووزراء المجلس التنفيذي لعدن وملاحق الاتفاقية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى