> «الأيام» علوي بن سميط:

حفار لشركة نفطية في حضرموت في الستينات
> عندما بدأت شركة (بان أميركان) النفطية بتجهيز نفسها بعد الاتفاق مع سلطات حضرموت تخوف العديد من مواطني حضرموت والتجار من أن تذهب أعمالها وبعض مقاولاتها لآخرين أو لمتنفذين مما حدى بهم أن يتقدموا بمذكرات لشركة الزيت تلك وإلى مسئولي السلطنتين القعيطية والكثيرية ليكون التوزيع عادلاً بين الناس في الأعمال النفطية ومثال على لك فقد بعث الشيخ عبدالله عبدالرحمن باهرمو وآخرون بمذكرة جاء فيها: «إن ما تعانيه الأمة من تأخر التجارة وضيق في المعيشية وعدم توفر الأعمال لمختلف الطبقات ذلك أشهر من نار على علم باستثناء أفراد قليلين جدا لايتجاوزن عدد الأصابع».
وأضاف باهرمز في هذه العريضة (أبريل 62م) ونسخها للمستشار البريطاني المقيم والمعتمد البريطاني وحاكم عدن ومدير شركة بان أميركان:«فمن هؤلاء من لهم أساليبهم الخاصة في اقتناص الأرباح الهائلة داخل الوطن الذي مواطنوه في أشد الاحتياج ومنهم من له علاقات بالخارج تدر عليه مثل ذلك وغير خاف أن أكثر المواطنين مشردون في أنحاء المعمورة جريا وراء لقمة العيش وستر الحال».
وتصنيف العريضة:«أشيع هذه الأيام أن أفراداً وجهات خاصة يسعون لكي يقوموا بجميع طلبات شركة بان أمريكان التي تم اتفاقها مع السلطنتين الكثيرية والقعيطية للتنقيب عن البترول في حضرموت وذلك لتكون جميع متطلبات الشركة وخاصة العمال بواسطتهم وعن طريقهم حكراً لهم أو لفترة من الزمن على الأقل، وعليه فنحن نهيب بالمسئولين في الدولة ومن لهم إدراك ورأي من رجالات الشعب ولهم قلوب يفقهون بها وعيون يبصرون وآذان يسمعون بها ونوايا حسنة نهيب بهم أن ينظروا نظرة ود ورحمة وحرص وإخلاص إلى أخوانهم وبخاصة العوام الذين يرزحون تحت نير الفقر والجهل والمرض من جهة وتخدير الأعصاب والتضليل من جهة أخرى».
واختتمت مذكرة المطالبة بإعطاء مواطني حضرموت نصيبهم من أعمال الشركات النفطية بالقول: «نحن نرفع أصواتنا مطالبين من حكومتنا الموقرة التفكير جدياً بأن تكون جميع طلبات الشركة المذكورة موزعة بين المواطنين توزيعاً عادلاً لكي يتسنى لهم النهوض والتقدم السريع بانتظام وبمساعدة الدولة وتحت إشراف هيئات يختارونها بأنفسهم».
> كما طالب أيضاً نادي الشباب في تريم الحكومة الكثيرية الحضرمية بإعداد الشباب لشغل الوظائف في شركة الزيت، وجاء في المطالبة التي بعثت للحكومة:«اطلعنا على ما أعلنته حكومتكم الموقرة في إعلانها رقم (37-16) المؤرخ في 2 رمضان 7 فبراير 1962م بأن شركة بان أمريكان بحاجة إلى موظفين محاسبين ومترجمين وكتبة على الآلة الكاتبة عربي وانجليزي وطباخين وسائقي سيارات وأنه يشترط فيهم أن يجيدوا اللغة الإنجليزية ماعدا الطباخين والسائقين وبهذا الصدد نود أن نلفت أنظاركم إلى نقطتين هامتين: إن اشتراط إحسان اللغة الإنجليزية في التوظيف سيفوت وسيضيع فرص العمل والتوظيف على السواد الأعظم من المواطنين الذين لا يحسنون هذه اللغة في حين أنهم يحسنون لغة بلادهم اللغة العربية والذين طالما ارتقبوا العمل والتوظيف ببلادهم وانتظروه بفارغ الصبر بعد أن كان من التسكع والتشرد». وطالب النادي «أن تهيأ إعداد المواطنين للعمل والتوظيف وأن تقدم الحكومة المساعدة المادية الكافية والمدرسين الأكفاء ليقوموا بإعداد الشباب والمواطنين وتهيئتهم للعمل والتوظيف».
> بدأت في حضرموت حركات إصلاحية سياسية منها الفردية أو ضمن إطار مجموعات أو أندية اجتماعية وثقافية منذ ما قبل الخمسينات ونستعرض إحدى هذه الحالات للمطالبة بإصلاح حضرموت كالأوضاع السياسية ومسائل الضرائب الجمركية، فمن شبام حضرموت بدأ الشيخ سالم محمد شماخ بحركة إصلاحية بوضع لبناتها الأولى في أغسطس 1961م كما ذكر بنفسه رحمة الله عليه في لقاء مع «الأيام» 20 يونيو 1962م ومن ضمن المطالب توحيد الآراء بين المطالبات المتعددة على مستوى السلطنتين الكثيرية والقعيطية، وتحرك شماخ بدءاً من تريم وعقد لقاءات مع مجموعات الوجهاء والأعيان ومقادمة القبائل ثم اتصل بوجهاء تاربة بعدئذ في سيئون ثم الغرفة وكانت اللقاءات تبحث الهموم والمطالب تتوج بعقد مؤتمر لهذا الغرض وتحديد مندوبين لهذا المؤتمر من القسم الكثيري ويبدو أن النقاش لم يأت بجديد خصوصاً مع من اجتمع بهم في مدينة الغرفة، وعموماً تم الاتفاق على عقد المؤتمر ولكن لم يلب الطلب من الذين سبق أن وعدوا الشيخ شماخ بالحضور ولم ينعقد وظل التحرك في الألوية القعيطية آنذاك بدءاً بلواء شبام واللواء الغربي ولواء دوعن ثم الشحر والمكلا وبقي شماخ والمقتنعون بأطروحاته (حركته الإصلاحية) يعدون المطالب وترأس وفد ضم وجهاء وأعياناً من الألوية الستة القعيطية ضم في قوامه 38 شخصاً الذين قرروا فتح مكتب للحركة الإصلاحية بالمكلا عاصمة السلطنة القعيطية وفروع مكاتب في الألوية الأخرى لاستقطاب أكبر الأعداد لهذه الحركة وتشكيل ضغط لطرح المطالب على سلطات حكومة السلطنة. وفي بحثنا الأولي عن هذه الحركة هو عودة الشيخ سالم شماخ من الخارج وبوصوله ظهرت الأوضاع ليس كما يأمل فبادر في محاولة فردية نحو التغيير والإصلاح فبدأ بتوجيه الخطابات إلى السلطان ووزيره ونشر توجهاته في الصحف المحلية ثم بدأ بعقد اللقاءات مع النخب في المناطق باتجاه عقد مؤتمر موحد في حضرموت لإشهار حركته ومطالب التغيير من مختلف الفئات. وننقل هنا مقتطفات من أحد خطاباته الموجهة إلى وزير السلطنة القعيطية في يوليو 1961م ولعل خطابه تضمن جزءاً من أفكاره وهو المعروف عنه رحمه الله تجاربه ونجاحاته ليست التجارية في شبام حضرموت أو عدن أو الجزء الشمالي من اليمن بل نجاحه في تأسيس العديد من المؤسسات المدنية والشركات المساهمة لعلنا نأتي على ذكرها في حلقات أخرى، وجاء في خطاب شماخ:«عدت إلى مسقط رأسي بعد أن غبت فترة معظمها في عهد حكمكم الذي كان مأمولاً في المدة التي تربعتم فيها على كرسي الحكم ببلادنا رأينا وسمعنا شعوباً كثيرة قد نهضت بها حكوماتها ..هذه الحكومات منحت شعوبها ثقة ولم تتخذ لها بطانة من الخونة النفعيين، عدت إلى بلادي كنت أمنّي نفسي بالإصلاحات التي يمكن أن أراها وأسمع عنها. لقد أدهشني كل ما رأيت وكل ما سمعت ويؤسفني كما يؤسف كل حضرمي مخلص لبلاده أن يراها تعيش وظلمات العهود البائدة فيها الدكتاتورية بأقبح صفاتها فأقفلت مؤسسات الأحزاب وصودرت كما لقي رجالها كل عنف وذل وإهانة وبالوسائل الدكتاتورية حرم علينا إقامة الأحزاب كما كممت الصحافة وحرم عليها نشر النقد للأوضاع الفاسدة والتوجيه الصحيح السليم الديمقراطي حتى أصبح الشعب العربي بحضرموت يعيش خائفاً كأنه محكوم بالحديد والنار». وهكذا عرج سالم شماخ على توضيح العديد من الأوضاع في مختلف الجوانب إلى أن وصل في خطابه «مع تقديرنا واحترامنا لمعاليكم فإننا نحب أن تخلدوا لكم ذكريات حسنة في بلادنا وعفا الله عما سلف وكما يقول المثل (من عيال اليوم) وسنرى في القريب ما يقوي أملنا وثقوا ياصاحب المعالي بأنه لن يضيع حق بعده مطالب والله ولي التوفيق»
ظلت الحركة الإصلاحية كما أسميت تطرح مطالبها وتوسع نشاطها حتى بدأت السلطنة في التباحث معها وهو ما سنقترب منه في حلقات قادمة.