المجموع فيما لا يصح في رمضان من الضعيف والموضوع(1)

> «الأيام» أسامة بن محمد الكلدي:

> الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فمع قدوم شهر رمضان وأثناءه نقرأ ونسمع في وسائل الإعلام، ومن على منابر الجمعة، ودروس المسجد بعض الأحاديث في فضل شهر رمضان وصيامه وما يتعلق بذلك وهي غير صحيحة النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا يخفى أن السنة النبوية قد دخلها الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والتي لا أصل لها، والغريب أنها لقيت رواجاً- ولا تزال - على الألسنة والأقلام، مع بيان علماء الحديث ونقاده لها، وكشفهم لعللها، وتعريفهم بأحوال رواتها من الضعفاء والوضاعين والمتروكين، ذباً عن سنة سيد المرسلين، وحفظاً لمعالم الدين.

وإنه لغريب حقاً أن تنتشر هذه الأحاديث مع وجود ما يغني عنها مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أبواب الدين، وهو كثير بحمد الله، وقد قال الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله:«في صحيح الحديث شغل عن سقيمه».

ثم إن في شيوع الأحاديث الضعيفة والموضوعه ما يشوه جمال الإسلام، وينسب إلى الشريعة ما لا يليق بها، ولا يتفق مع الفطرة، ويجعل أهلها في ضيق وحرج، ويبني عندهم تصورات خاطئة، وأفهاماً سقيمة، واعتقادات منحرفة.

ولأن «الدين النصيحة» ورغبة في إفادة القراء وتحذيرهم من خطر الكذب على رسول الله القائل- فيما تواتر عنه:«من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» فبين أيدي القراء أشهر ما يتداوله الناس من الأحاديث الواردة في صيام وفضل رمضان حكم عليها أئمة الحديث وحفاظ السنة من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين بالضعف أو الوضع وأنه لا يجوز أن تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعبّد الناس بها، فالواجب التثبت وأن لا يحدث المسلم بكل ما سمع، فما كل ما نسب إلى رسول الله كان صحيحاً ولو كان حسن اللفظ، جميل المعنى. ولنعلم جميعاً أن تضعيف العلماء لهذه الأحاديث لم يكن جزافاً، ولم يحكّموا عقولهم وأهواءهم فيها، بل ساروا على قواعد علمية، وضوابط كلية، استفادوها بعد طول بحث واستقراء، وتفتيش وتنقيب عن أحوال الرواة ومروياتهم، إلى أن صار هذا العمل علماً مستقلاً له أصوله ومناهجه وعلماؤه الذين يعرفون به.

والناظر في المكتبة الإسلامية اليوم يجد عشرات الكتب والمؤلفات التي أبان فيها علماؤنا الصحيح من السقيم، والأصيل من الدخيل، فرحمهم الله وجزاهم عنا خير الجزاء. وقد حرصت - بعد كل حديث- على نقل كلام العلماء فيه، وذكر السبب حسبما تيسر من المصادر والمراجع المعروفة بهذا العلم الجليل. فإلى بيانها، وبالله التوفيق والسداد.

1) حديث:«لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها..» الخ، وهو حديث طويل.. رواه ابن الجوزي في الموضوع (2/ -188 189) وأبو يعلى في مسنده، قال الإمام الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (ص88): «وهو موضوع، آفته جرير بن أيوب» قال عنه الحافظ بن حجر في لسان الميزان (101/2):«مشهور بالضعف» ونقل قول أبي نعيم فيه:«كان يضع الحديث» وقول البخاري فيه :«منكر الحديث» وقول النسائي فيه:«متروك» (راجع كتاب (صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم، ص 109).

2) حديث:«رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي...» الخ، وهو طويل أيضاً. قال الإمام الشوكاني- كما في المصدر السابق (ص 100):«وهو حديث موضوع إسناده أبوبكر بن الحسن النقاش، وهو متهم، والكسائي مجهول» وحكم العلامة الألباني على هذا الحديث بالضعف في «ضعيف الجامع الصغير» برقم (3094). وقد رواه ابن الجوزي في الموضوعات.

3) حديث:«يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه.. وهو شهر أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره عتق من النار» الخ.. رواه ابن خزيمة وغيره، وفي إسناده علي بن زيد بن جُدعان وهو ضعيف، قال فيه أحمد بن حنبل:«ليس بالقوي»، وقال يحيى بن معين: «ضعيف». وقال ابن أبي خيثمة:«ضعيف في كل شيء».. وقال ابن حجر في الأطراف: «ومداره - أي الحديث - على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف».. ونقل بن أبي حاتم عن أبيه الإمام أبي حاتم الرازي في علل الحديث (1/ 249) قوله:«حديث منكر». انتهى النقل بتصرف من (صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم ص 110-111) قلت: بل الصحيح أن في كل ليلة من ليالي رمضان المباركة عتقاء من النار، وهذا من فضل الله وكرمه على أمة محمد في هذا الشهر الكريم، فقد روى الترمذي (682) وابن ماجه (1642) وابن خزيمة (3 /188) وغيرهم بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفُتّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد:يا باغي الخير أقبل، وياباغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» وهو في «صحيح الجامع الصغير 759» للعلامة الألباني.

4) حديث:«صوموا تصحوا» وهو على شهرته وصحة معناه إلا أنه واهي المبنى، فإنه من رواية محمد بن سليمان الحراني عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة. وزهير بن محمد ذكره الحافظ في التقريب (2060) فقال:«ثقة إلا أن رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها» وقال أبو حاتم الرازي:«في حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه» كما في تهذيب الكمال (9/ 417) ومحمد سليمان الحراني معدود في الشاميين، فروايته عن زهير إذاً منكرة. ونقل الإمام الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص90) قول الصغاني فيه: موضوع. ولعل الحكم بالوضع ينطبق على طريق أخرى رواها ابن عدي في الكامل (7/ 2521) من رواية نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس. ونهشل ابن سعيد بن وردان الورداني، ترجمه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (7247) بقوله:«متروك وكذبه إسحاق بن راهويه». وفيه علة أخرى؛ الضحاك لم يسمع من ابن عباس. راجع (صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم، ص111) وكثرة الطرق الواهية لا تزيد الحديث إلا وهناً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى