الحياة في بئر علي إحدى ضواحي مديرية البريقة:بادية في قلب الحضر.. وجوع وإعاقة ومشقة سفر

> «الأيام» كفى الهاشلي:

>
طفل وبجانبه أوعية ماء
طفل وبجانبه أوعية ماء
بعيداً عن زحمة المدن و فرحة العيد التي تطل على وجوه الأطفال هذه الأيام وهم يرتدون حلة جديدة، يجلس المئات من الأطفال والرجال والنساء ينتظرون الفرج بعد غياب هذه الفرحة في عالمهم البعيد عن التجمعات وأهازيج العيد، لا ينعمون بصوت المآذن وهي تكبر بالقادم الجديد إلى ذلك العالم، «الأيام» ترحل بكم في نزهة عيدية تختلف عن برامج الزيارات المعدة للأسر.

فتعالوا معنا إلى إحدى ضواحي مديرية البريقة التي تئن من الغربة والفقر وغياب المساعي الخيرة .. إلى واحدة من ضواحي البريقة المتألمة وما أكثرها !! نحلق في سمائها ونكشف عن حياتها في هذه السطور التي نسجناها في آخر أيام رمضان الكريم.

الواحدة ظهراً كانت ساعة الصفر انطلقنا في لهيب الشمس لنقطع عدداً من الكيلومترات إلى منطقة بئر علي الواقعة في الناحية الشرقية لمديرية البريقة.. سرنا على خط عمران الممتد على طول الساحل لمدة ربع ساعة ولا شيء على جنبات الطريق سوى الصحراء يميناً والبحر شمالاً، وفجأة قال لنا المرشد عوض سيف وهو شاب من أبناء بئر علي ترك الدراسة في المرحلة الثانوية يعمل في الرعي قال: «من جانب هذا الإطار سنقطع الطريق»، فأدركنا أن الإطار علامة يستهدي بها القادم إلى المنطقة الواقعة في قلب صحراء البريقة، معاً سرنا، لا دليل على مبان أو مدارس أو مصانع أو مشاريع أو حتى محطات كهرباء أو أنابيب مياه، لا شيء، كل ما وجدناه واقع مرير.

الحاج الحمادي في منزله
الحاج الحمادي في منزله
معين في منفى الإهمال

عائلة الطفل معين مرشد واحدة من العائلات الفقيرة غير أنها تكبدت مرارة الحياة أضعافاً مضاعفة فطفلها معين ابن العشر سنوات محروم من سماع كلمات الحب والحنان والإرشاد، لا يعرف سوى قراءة ملامح الوجوه فهي المتحدث معه.. بذلت أسرته ما بوسعها لعلاجه غير أن فاقة الفقر حالت دون استكمال علاجه في المنصورة فبقي على حاله أصم وأبكم لا يقوى على الحركة. معين جعلنا نشعر أننا نحن المحرمون من القدرة على الصمود في الحياة لمواجهتها بكل قوة وتحد، فتحت زخات المطر وفي حضن الصحراء ومع لفحة الجوع والفقر والإعاقة صمد وكأن لسان حاله يقول: مازلت حياً رغم انعدام اليد التي تستطع أن تساعدني بعلاج طبيعي أستطيع من خلاله السير على قدمي!!

ما عاد بمقدرتنا البقاء فأمامنا طريق طويل فتركنا معين في حضن والدته التي لا تفارقه لحظة لحاجته الدائمة لها كسند في قضاء حوائجه ونحن ندعو له بوقفة طيبة من فاعل خير يعيد البسمة له ولعائلته الطيبة المتضرعة في دعائها لرب رحيم يجود بكرمه عليهم .

ولجت في منزل آخر يجلس فيه الجد حمادي لم أعرف كيف أخاطبه فالرجل كهل يستظل تحت عشة صغيرة لا تتجاوز المترين ونصف المتر طولاً وعرضاً، قوائم المنزل وما يغطيها من الأشجار، كان الجد حمادي يرمقني بنظرات المتسائل من أنا ولماذا جئت؟ لكنه لا يستطع أن يعرف من يخاطبه و لعل لعامل السمع والكبر في السن دوراً واكتفى بالنظر إلى حبات الرمل وكأنه العشق للصحراء وحتمية المصير في جوف الأرض.

قوائم ما يسميه منزله تجلدت وهي تتعرى في لفحة الحر ومع زمهرير الرياح وعلامات الشحوب خطت على جبينه عبارة تقول حسبنا الله ونعم الوكيل.. ويا لطول البال عند أولئك القوم!!

منزل احدى العائلات
منزل احدى العائلات
البئر وشقاء الناس

أما البئر التي سميت المنطقة باسمها فتبعد عن منازل العائلات مسافات شاسعة، عندما وصلنا إليها كانت أم وطفليها ينزحون الماء، وهو غير نقي يحتاج للغليان حتى يتم استخدامه لكنها صعوبة الحياة التي أجبرتهم على قبول هكذا وضع.. علت وجه الطفل وهو يساعد والدته ابتسامة النصر على قعر البئر عندما ارتفع الدلو وهو ممثلئ بالماء. سألتهم عن مصدر الماء النقي فقالوا لنا: من منطقة صلاح الدين أو كوبجن وهما منطقتان بعيدتان بعدد من الكيلومترات وهكذا فالدواء وشراء الغذاء ومتطلبات المعيشة يستوجب للحصول عليها الرحيل إلى هاتين المنطقتين فيتحمل السكان مشقة الرحلة ومصاريف السفر.

عمل سكان المنطقة وطبيعتهم

سكان بئر علي معتمدون على الرعي فهو المصدر الأساسي لقوتهم والسند الوحيد لهم في جلب المال، كما يقومون ببيع الحطب المستخرج من أشجار الصحراء اليابسة، أما لباسهم فالرجال يرتدون المئزر (الفوطة) والقميص وهو الزي الشعبي في اليمن وفي عدن تحديداً أما النساء فإنهن يختلفن بطريقة اللباس حيث يضعن المئزر الرجالي فوق الدروع النسائية مربوطة من منطقة الخصر وتعمل بعض النساء علامات (وشم) على منطقة الذقن ملونة بالأخضر إما بشكل خطوط أو نقاط وهن قلة.

منازل السكان ليست من الحجر والطوب ولا مبلطة بالرخام لكنها من قطع الأخشاب أو مفتوحة الجوانب على شكل أكواخ الصيادين المتهالكة.

أطفالهم حتى يتعلموا يحتاجون لوسائل مواصلات ومصاريف دراسة أو مدرسة في منطقتهم كما يفتقرون إلى الماء النقي والكهرباء فعلى مصابيح البطارية والفوانيس يعيش السكان مع الريح والمطر والشمس يجلسون ويتسامرون ويصارعون الحياة ونحو السماء يتطلعون إلى مشروع يفرج بعضاً من كرب الحياة، ومن فاعلي الخير ينتظرون أن توزع لهم مواد غذائية، لم يأت العيد بخير وافر فما أحضرته جمعية الفردوس في البريقة من كسوة قدمت من مؤسسة الصالح وجمعية الأمناء لم يكفي لأطفال المنطقة.

امرأة تنزح الماء من البئر
امرأة تنزح الماء من البئر
في أرجاء المكان تجولنا ويا لمفارقات الحياة.. مجتمع سحقه الفقر والجوع والأزمات وفئات تعيش حياة الترف والبذخ والإسراف.

في ضواحي هذه المديرية عمل كبير ينتظر من يشرع في البدء فيه سواء من منظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة أو الطفل أو المعاق أو محو الأمية.

كما تقف جملة من القرارات الواجب اتخاذها من قبل المجلس المحلي الذي بدأ بخطوة جيدة لعلها كما قال مدير عام المديرية الأخ رائد عبشل الرد المنطقي والعملي لمعالجة مشاكل الناس وهمومهم خاصة بعد نشرنا موضوع منطقة كود قرو التي حرك مدير عام المديرية ملف قضية المحافر فيها إلى ملف مفتوح للنقاش والحل المنطقي الذي نأمل في الأخير أن تجد العدالة مجراها الحقيقي فيه وفي حال هذه المنطقة المكتوبة في سجل المناطق الخاضعة لطي الكتمان.وفي الأخير تبقى السهرات والأمسيات والاحتفالات الرمضانية شيئاً ثانوياً مقابل لفتة كريمة وجادة لعائلات فقيرة أو بناء منزل ولو من أخشاب.. أمل متواضع مقابل حاجيات أساسية من كهرباء وماء وجمعيات ومراكز ووحدة صحية وسوق للخضار أو محلات للبيع. فهل يستدرك السباقون للخير الأجر والثواب أم أن التكافل أصبح مقروناً بالمسافة والضجة الإعلامية وصخب الحياة وضياع أسمى معاني البر والتعاون والرحمة.

من بئر علي رفعنا للمولى تعالى دعواتنا بالرحمة وتفريج الكربة على هذا القوم، اللهم استجب إنك السميع المجيب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى