قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي (6):الحزب الوطني بالمكلا والمطالبة بوزير السلطنة من أبناء حضرموت ..شفافية السطنتين عن بترول حضرموت واتفاقيات التنقيب

> «الايام» علوي بن سميط:

>
غالب بن عوض بن صالح القعيطي آخر سلاطين الدولة القعيطية 67م
غالب بن عوض بن صالح القعيطي آخر سلاطين الدولة القعيطية 67م
كما ذكرنا في الحلقة الماضية بأننا سنقترب من الحزب الوطني الذي تأسس في 1947م بالمكلا أي قبل عشر سنوات من تأسيس حزب الاتحاد الوطني بالسلطنة الكثيرية. الحزب الوطني شكك العديد بأنه تابع للبلاط السلطاني القعيطي كون أبرز مؤسسيه شخصيات رسمية آنذاك أمثال أحمد باعشن (قاض)، عمر باحشوان (نائب ناظر المعارف)، عبدالله بكير (رئيس القضاة) وهم بمثابة سكرتارية الحزب أيضا، ومن أهداف الحزب (الولاء للعرش القعيطي، المساواة بين أفراد الشعب في الحقوق والواجبات، خدمة الصالح العام) كتاب الشيخ القدال باشا معلم سوداني في حضرموت ص 93م.

ولعل هدف الولاء وسكرتارية الحزب وضعه أمام الناس انه ظل للسلطة، كما ان دعم السلطان وموافقته المباشرة على اعلان الحزب بهدف الحصول على تأييد الحزب له في بعض القضايا الداخلية وضعت الحزب في دائرة الشك أمام الناس على الرغم من ان البرنامج العام للحزب الوطني وضع عناوين لإصلاحات منها إعطاء المشورات للدولة في الشؤون الإدارية للسلطنة، والعمل على انتخاب مجلس تشريعي بالسلطنة. ولم يمر عام حتى اصطدم الحزب مع السلطان الذي لم يطرح مسألة تسوية احدى المسائل الادارية مع سلطنة أخرى أمام قيادة الحزب التي لمست تجاهلا بحقها في الوجود ويبدو ان التذمر ساد القيادة وأضحى الفتور بينهم والبلاط السلطاني يزداد وجاء عام 1948م لتتكون قيادة جديدة وتتسع قاعدة الحزب ويستقطب أشخاصاً بعيدين عن الدوائر الرسمية وانضمت شخصيات شعبية (مقادمة حارات المكلا: الحافة، البلاد، برع السدة) وبدأ الحزب في ترتيب أوراقه من جديد وبنظرة شاملة ففي عام 1950م سجلت للحزب حالتان بمثابة تأكيد ان توجهاته تنبع من مطالبات الناس فالأولى تقديمه مذكرة بها مطالب منها: معرفة نفقات وصرفيات الجمعية الخيرية التابعة لحكومة السلطنة باعتبار مواردها من أموال السكان المدفوعة كتبرعات وضرائب ورسوم جمركية، وطالب الحزب بشفافية طرق توزيعها، تخفيض الضرائب إلا ان الحكومة لم تعر ذلك اهتماما، وارتفعت حدة الاحتجاجات فكان التحرك الشعبي في حارات المكلا الى جانب الحزب الوطني الذي شكل ستة من أعضائه كوفد لمقابلة سكرتير السلطنة ومناقشة المطالب ووضع الحلول العاجلة وأمام هذا التنامي شعرت الحكومة بأن الضرورة لا المكابرة تقتضي الجلوس مع هذا الوفد وهو ما حصل في سبتمبر 1950م وذلك يعني اعترافاً بالحزب ووجوده بعد محاولة اقصائه من الحياة السياسية في عام نشأته 1947م. الحدث الثاني نهاية عام 50م ايضا فقد انتهت فترة عمل سكرتير السلطنة (بمثابة رئيس الحكومة وهو عربي من زنجبار افريقيا) وحصل في كواليس الحكومة ومجلس الدولة مقترحات بتعيين أحد أبناء حضرموت وهو الشيخ سالم باصديق وهو تسريب حصل من القصر فيما تسربت ايضا معلومات تفيد بأن الشيخ القدال (عربي من السودان تولى قبل منصب السكرتارية ناظر المعارف بحضرموت) هو الذي سيتسلم سكرتير الدولة او السلطنة، وبالطبع ذلك ما حصل لاحقا، وبعد ان قدم السلطان الى المكلا من الخارج وكان حينها ولي العهد الأمير عوض يدير الشئون بالدولة الى جانب الادارة الفعلية للمستشار بوستيد ومع تصاعد وتجاذب الاطراف خصوصا الحزب الوطني الذي أصر على مطلبه وايضاح رأيه لعامة الناس ومسئولي السلطنة أصدر بياناً، مما جاء فيه: «يهدف الحزب من المطالبة بأن يتولى منصب سكرتير الدولة مواطن حضرمي الى ان تكون السلطة العليا في الحكومة في أيد وطنية صميمة وألا تتعدى سلطة الاجانب حد المساعدة والاستشارة». ويذكر الاستاذ أحمد عوض باوزير في كتابه (شهداء القصر) 77م ص 57 «أن الحزب الوطني قدم خمسة مرشحين للمنصب- سكرتير الدولة- ممن اعتقد انهم أصحاب كفاءة». في اليوم التالي لوصول السطان صالح الى المكلا 1950/12/27م توجه الى القصر ثلاثة من الحزب الوطني لتأكيد مطلبهم بتعيين شخص وطني للمنصب فما كان من السلطان الا ان طلب عشرة آخرين من الحزب ممن يرى فيهم انهم عقلاء وبالامكان البحث معهم في الطلب، جاء العشرة الذين ايضا جددوا المطلب ذاته، ساعتها كانت ساحة القصر تغص بالناس وأغلقت المحلات التجارية وكأن المكلا كلها اجتمعت أمام القصر والطرق المؤدية إليه في انتظار ما سوف تسفر عنه نتائج مباحثات ممثلي الحزب الوطني والسلطان ومجلس الدولة حول المطلب، ومع تعدد روايات مؤرخي تلك الحقبة والكتاب يبدو ان المفاوضين خرجوا ولم يقولوا شيئا للناس المتجمهرة بكثافة او انهم -أي ممثلي الحزب- اقتنعوا بطريقة او بأخرى بأن الشيخ القدال المؤهل للمنصب ولكننا لسنا بصدد الغوص في هذا لأننا فقط نقتطف محطات في حياة هذا الحزب ويظل الشيخ القدال شخصية أثرت وساهمت بنمو الحركة التعليمية في حضرموت منذ ثلاثينات القرن الماضي.. عموما فإن تململ الناس المحتشدة وشعورهم ربما بخذلان مطلبهم جعلهم يبدأون بالتدافع، وتذكر بعض الروايات ان عددا منهم تجاوزوا الحرس السلطاني وبدأوا باقتحام قصر السلطان (بالطبع عزّل) ومع الغضب والهيجان استطاع عدد منهم ان يرتقي السلالم المؤدية الى الداخل فبدأت الحراسات بإطلاق النار، كما وصلت الى ساحة القصر قوات من الجيش السلطاني وفتحت النيران على عدد من الناس الذين خرجوا مسرعين من الساحة عند سماعهم أصوات الرصاص ونتج عن ذلك استشهاد 17 مواطناً من المكلا بحسب بيان السلطان، فيما يذكر محمد العيدروس في كتابه: تاريخ الجزيرة العربية، القاهرة 1996م «إن 23 قتيلا واصابة 47 سبعة وأربعين آخرين هي حصيلة هذا الحادث». هذه الحادثة الشنيعة ضد متجمهرين ومتظاهرين عزل وصفت بمذبحة القصر، الزحف الجماهيري، حكم الشعب، حادثة القصر، انتفاضة أهل المكلا، وغيرها من الأوصاف واستنكرت صحف العالم العربي هذا التعامل مع المواطنين بل انتقدت عدد من المنظمات والاحزاب العربية والاجنبية هذا الاسلوب وندد الحضارم بقوة في كل من عدن والسعودية ومصر والدول الافريقية والشرق الاقصى بما جرى بحق أشقائهم في الوطن وشكلت السلطات لجان تحقيق واعتقلت عددا من قيادات الحزب ومن المواطنين وقدموا للمحاكمة وترواحت الاحكام من السجن أشهراً للبعض ولمدة سنة لآخرين الا انه أطلق سراح الجميع بعد أقل من أربعة أشهر بعفو سلطاني بعد تصاعد الاحتجاجات وتخوفا من ثورة الشارع وحل الحزب بعد سنوات من نشأته وفي أوج نشاطه ونموه (1950م).

السلطان عوض القعيطي 66م
السلطان عوض القعيطي 66م
اقتسام أرباح البترول 55% لحضرموت و45% للشركة الاميركية

قبل الاشارة الى شفافية سلطات السلطنتين في الستينيات عما يجري من عمليات اتفاقيات ومباحثات مع شركات النفط يجب علينا اعطاء لمحة عن تاريخ بترول حضرموت الذي يعود الى بدايات القرن العشرين ففي 1919م استقدم السلطان القعيطي خبيرا جيولوجيا هو (أ.هـ) ليتولى إجراء مسوحات ودراسات في المكلا والمناطق الساحلية وحتى وادي حضرموت لمعرفة الكنوز المعدنية، وجاء في تقرير لتيل بعنوان (جيولوجيا المكلا) انه يوجد في حضرموت معادن ثمينة كالذهب والفحم، وفي مقال للاستاذ أحمد السنوسي بعنوان (البترول والشرق العربي) نشر في صحيفة مصرية في يونيو 1950م وضمنه د. محمد أبوبكر حميد ضمن مجموعة كتابات في كتاب (حضرموت فصول في التاريخ والثقافة والثروة) طـ 1420هـ ص 88 اذ يقول السنوسي عام 50م:«كما لا ننسى ان نذكر ان شركة شل قد حصلت منذ ما يربو على عشرة اعوام على امتياز للبحث والتنقيب في حضرموت واستطاع المنقبون ان يكشفوا آبارا للبترول في المنطقة الشرقية».

والاصح ان قصة بترول حضرموت بدأت في 1938م بالشركة العراقية البريطانية(IPC) لعدة سنوات امتدت الى الخمسينات وبفترات متقطعة ومن ثم شركة امريكية (بان امريكان) ثم في نهاية الستينات ومع استقلال الجنوب جاءت شركة (سونتراك) الجزائرية إلى حضرموت وعملت عامين ومن ثم بدأ السوفيت (شركات روسية) بمسوحات في حضرموت وايضا شركة (أجيب) الايطالية التي اكتشفت نفطا في ساحل حضرموت في شرمة 83م قيل حينها انها بكميات قليلة. وتفيد معلومات ايضا ان شركات روسية ومنها (تكنو اكسبورت) اكتشفت نفطا بحضرموت وشبوة، وعملت شركة البترول العربية (نمر بتروليم).. وهكذا فإنه وماقبل الاستقلال 67م ومابعده تفاوتت أعمال هذه الشركات منها استمرت ومنها انسحبت او توقفت فجأة خصوصا في حضرموت ولم تظهر بوادر انتاج تجاري ويبدو ذلك من جوانب سياسية دولية وتغييرات عالمية بل ان الشركات عملت منذ بداية القرن الماضي دون نتائج في ظل تقسيم غير معلن بين القوى الدولية وصفقات سياسية عالمية في دائرة الصراع على النفوذ وهو ما اشرت له في مقال نشرته في «الأيام» عدد 229 الاربعاء 1 نوفمبر 1990م ص 4 بعنوان (حقنا في المعلومات) عن النفط وحرية المعلومات في عهد الوحدة وقبل الاستقلال.. عموما فإنه وقبل الوحدة يذكر ايضا رياض نجيب الريس في كتابه (رياح الجنوب -اليمن ودوره في الجزيرة العربية 1997-90م) ص191:«أعطيت في جزء من المنطقة امتياز التنقيب لشركة كويتية تابعة لمجموعة سانتافيه في كاليفورنيا التي تملكها الكويت».

الآن نحاول الاقتراب من شفافية المعلومات خصوصا منذ ان بدأت شركة بان امريكان العمل وقد تغنى سكان حضرموت بالقادم وبدأت الهيئات الاهلية والمنظمات الاجتماعية والاندية تتداول الحديث عن النفط المنتظر وما سيحصلون عليه من فائدة واشراكهم في العمليات الادارية واللوجستية، وكتبت مقالات من شخصيات معروفة تدور في هذا الاتجاه وكانت السلطنتان تتفاوضان فيما بينهما وبمفاوضات موحدة ايضا مع شركة بان الامريكية، ولإبراز الحقائق لما وصلت له المفاوضات أصدرت السلطنتان القعيطية والكثيرية بلاغا مشتركا أعلن للرأي العام وتم الصاقه في الساحات العامة، وجاء في البلاغ المعلن:«بلاغ رسمي من حكومتي السلطنتين القعيطية والكثيرية بحضرموت: يسر حكومتي السلطنتين القعيطية والكثيرية بحضرموت ان تعلنا ان وفديهما قد توصلا الى اتفاق تام مع شركة بان امريكان للزيت وان الاتفاقية قد وقعت يوم الاحد السادس والعشرين من جماد اول 1381هـ الخامس من نوفمبر 1961م بعد ان أقرها مجلسا الدولة في السلطنتين ثم وقع على الاتفاقية عظمة السلطانين وممثل عن الشركة».

ويستطرد البلاغ الذي نشر على الناس: «وقد وقعت اتفاقية الامتياز على اقتسام الارباح بنسبة 55% للحكومتين، 45% للشركة ومدة الاستغلال 30 سنة بعد اكتشاف البترول بكميات تجارية، وأعطت الاتفاقية الحق للحكومتين في المساهمة الى 20% من رأسمال الشركة وجعلت للحكومتين الحق في الغاز الطبيعي الذي لا يدخل ضمن عمليات الشركة في حضرموت وإمنت الاتفاقية حقوق العمال والمقاولين الحضارم بصورة مرضية كما أمنت تدريب عمال الشركة من الحضارم تدريباً في جميع المستويات بما فيها الادارية والفنية بعد اكتشاف البترول بكميات كبيرة لاحتلال الوظائف المناسبة بالشركة وتأمل الحكومتان ان تبدأ الشركة عملياتها في وقت قريب والله الموفق الى سواء السبيل».

القوات المسلحة وقوات الأمن القعيطية في استعراض بلواء شبام أوائل عام 67م
القوات المسلحة وقوات الأمن القعيطية في استعراض بلواء شبام أوائل عام 67م
امضاء وختم سكرتير الدولة الكثيرية، امضاء وختم وزير السلطنة القعيطية المكلا 17 جماد اول 1381هـ 6 نوفمبر 1961م

ولعل هذا البيان يأتي إثر تساؤلات الحضارمة في السلطنتين عما يجري وجاء لطمأنة الناس بإشراكهم في أعمال الشركة كما ان شفافية ذلك الوقت ضمنت لمسؤولي السلطنتين ان يتحدثا لوسائل الاعلام والرد على التساؤلات اذ سألت «الأيام» أ. محمد عبدالقادر بامطرف (الذي تحمل حينها نائب وزير السلطنة القعيطية ثم مسئولا ومستشارا ووصل عدن في 62م ممثلا للسلطان لحضور اجتماع يتعلق بالتطور الاقتصادي للمحمية الشرقية) وردا على سؤال «الأيام» عدد 1141 في 1962/4/24م عن البترول أجاب:«شركة بان امريكان فقد ابتدأت فعلا حسب الاتفاق بينها وبين الحكومتين القعيطية والكثيرية في مباشرة العمل في الساحل بمنطقة المكلا وإن كانت أعمالها في الوقت الحاضر تمهيدية فقط» ويضيف بامطرف رحمه الله في اجاباته لـ«الأيام» ردا على السؤال بأن مبلغ 175 الف دولار دفعته الشركة للدولتين وأودع في البنك الشرقي بالمكلا وأنكم اتفقتم على توزيع الايراد بنسبة ثلثين للقعيطية والثلث للكثيرية فقال:«اتفاقية الثلثين والثلث شملت منطقة في شمال حضرموت معروفة المساحة وهذه المنطقة هي التي كانت شركة البترول السابقة بي سي ال تطالب بالامتياز فيها وسيطبق مبدأ توزيع ربح الزيت المستخرج من المنطقة امتيازا على اساس الثلثين والثلث أما بقية المناطق فما يوجد من بترول فيها سيكون خاصا بالدولة التي تمتلك هذه المناطق». وفي لقاء مع صحيفة «المدينة المنورة» السعودية مع السلطان حسين بن علي الكثيري سلطان الدولة الكثيرية الحضرمية اثناء زيارته للسعودية في نهاية 1964م ورداً على أحد الاسئلة قال السلطان حسين:«تنص اتفاقيتنا مع شركة بان امريكان على ان يحفروا بئرا الى عمق 5000 قدم في 64م وقد حفرت اول بئر منذ شهرين الى عمق 3500 قدم ولعدم وجود حفارة كبيرة للاسف لم يوجد بترول في هذه البئر والأمل كبير في العثور على البترول بحسب تقارير الخبراء».

هذا نزر يسير من الشفافية والكلام المباشر والردود المباشرة للمسئولين حينذاك لوسائل الاعلام عن عمليات بترول حضرموت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى