رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> أرض سر وحمير:أفاد أخي وزميلي د. علي صالح الخلاقي في كتابه المرجعي «شيخ الموسطة -نقيب يافع الشيخ أحمد أبوبكر النقيب- حياته واستشهاده في وثائق وأشعار (-1905 1963م) -ص 13:«يافع اسم ذو دلالتين فهو يدل على يافع المنطقة ويافع القبيلة أو القبائل وتنسب إلى يافع بن قاول بن زيد بن ناعتة بن شراحيل بن الحارث بن زيد بن يريم ذي رعين الأكبر. عرفت يافع قديما باسم «دهس» أو «دهسم»، ويستفاد من الهمداني في كتابه «الإكليل» و«صفة جزيرة العرب» أن أرض حمير الأصل هي سرو حمير وقلب سرو حمير هي بلاد يافع، وتعد المناطق المجاورة لها من أحلافها، كمنطقة ردفان وحالمين والضالع وغيرها، وقد عدد الهمداني كثيرا من مدنها وأوديتها وجبالها كالعر وتمر وحبة وعلة وحطيب ويهر وذو ناخب وذو ثاب وسلفة وشعب وعر ميحان وسلب والعرقة ومدور وتيم ومعظم هذه الأماكن مازالت تحمل الأسماء نفسها إلى اليوم..».

يمضي الدكتور الخلاقي في جهده البحثي (ص16 و17) بأن يافع كانت على رأس القبائل التي استقلت عن الدولة الطاهرية عند تفككها وتحديدا في العام 942هـ نشأ نظام السلطنة في يافع، حيث نشأت في ذلك العام «السلطنة العفيفية» نسبة إلى مؤسسها محمد عبدالله بن أسعد الملقب «عفيف الدين» وهي السلطنة الأقدم، وبعد قرابة نصف قرن وتحديداً في العام 990هـ ظهرت السلطنة الأخرى «سلطنة آل هرهرة» نسبة إلى الشيخ العلامة علي بن أحمد هرهرة في الجزء المسمى «يافع بني مالك» وعاصمتها «المحجبة» وتتبعها المكاتب التالية: البعسي والموسطة والضبي والحضرمي والمفلحي، ومنذ ظهور هذه السلطنة (آل هرهرة) اقتصر نفوذ السلطنة العفيفية على الجزء المسمى «يافع بني قاصد» وحاضرتها «القارة» وتتبعها المكاتب التالية: كلد ويهر والناخبي والسعدي واليزيدي.

آل النقيب والموسطة:

آل النقيب منهم شيوخ الموسطة ونقباء يافع ويلقبون بـ «آباء يافع» وإليهم ينتمي المترجم له الشيخ الشهيد أحمد بن أبوبكر بن علي بن عسكر النقيب شيخ مشايخ الموسطة- نقيب يافع (الخلاقي-مرجع سابق -ص 64).

الموسطة من أقدم مشيخات يافع المستقلة ومن أكثرها نفوذاً وتأثيراً في يافع وهي أحد مكاتب يافع بني مالك (يافع العليا) وتنقسم الموسطة كما ورد في كتاب حمزة علي لقمان «تاريخ القبائل اليمنية» (ص 208-206) إلى الأرباع التالية:

الربع الأول: يتكون من الخلاقي والعلسي والريوي والقعيطي.

الربع الثاني: يتكون من السعيدي والمسعدي والجرادي واليسلمي.

الربع الثالث: يتكون من الرشيدي والحوثري والعروي.

الربع الرابع: يتكون من العيسائي والحنشي والفلاحي والنجدي والقدحي.

الميلاد والنشأة:

الشيخ أحمد أبوبكر النقيب من مواليد عام 1323هـ/ 1905م في قرية «القدمة» حاضرة مشيخة الموسطة وكان ترتيبه الرابع بين أخوته الذكور وهم: حسين، محمد، محسن، أحمد، صلاح، قاسم وله ثلاث شقيقات.

تلقى الشيخ أحمد تعليمه في سن طفولته الأولى في كتاب القرية (المعلامة) على يد العلامة الشيخ حسين علي بن علي عسكر النقيب، الذي تلقى تعليمه في حضرموت ثم في الجامع الأزهر في مصر وتمكن الشيخ النقيب من حفظ القرآن الكريم وأتقن مبادئ القراءة والكتابة والتصق بوالده وأخذ عنه حنكته وتجاربه ومخالطته الناس ومعرفة أحوالهم ومنذ يفاعته كان يساعد والده، بل وينوبه في الإصلاح بين الناس من أفراد قبيلة الموسطة ولمع اسمه في الوسط الاجتماعي (الخلاقي -مرجع سابق -ص 52، 53).

الشيخ النقيب يقطع البحار وموعد مع القرار:

في العام 1928م ومع بلوغ ربيعه الثالث والعشرين أكمل الشيخ أحمد أبوبكر النقيب نصف دينه من أم أولاده الثمانية وشريكته في السراء والضراء، وبعد سبع سنوات عزم الشباب أحمد أبوبكر النقيب مع عدد من أقرانه من أبناء قريته «القدمة» على السفر بحراً إلى إندونيسيا واستقلوا سقينة شراعية (زعيمة) في مغامرة غير محسوبة وكان هناك بعض الأقارب في استقبالهم، وبعد مضي عامين من إقامته في إندونيسيا قرر الشاب النقيب العودة إلى أرض الوطن وقد خاب ظنه في بعض اليمنيين الذين كانوا يمارسون تجارة الربا خارج المدن الإندونيسية واكتفى بدخله المتواضع الذي كتبه له رازقه، سبحانه وتعالى.

في العام 1356هـ/ 1957م عاد الشاب أحمد أبوبكر النقيب إلى مسقط رأسه واستقبله أهله وخلانه، وكان الده الشيخ أبوبكر النقيب أكثرهم ابتهاجا بوصول قرة عينه أحمد، الأقرب الى قلبه لما تميز به من فطنة ودراية في قضايا الشريعة الإسلامية السمحاء والأعراف والتقاليد القبلية.

كان والده قد أصيب في ساقه أثناء مواجهاته مع الإنجليز في الشعيب وقد لازم فراش المرض مطمئناً لوصول ولده الذي سيغطي الفراغ الذي سيتركه بعد وفاته، وقد رست قناعة آل النقيب على اختيار أحمد أبوبكر خلفاً للشيخ الراحل أبوبكر بن علي عسكر النقيب وذلك لتوفر الشروط الستة لملء هذا المركز الرفيع.

الشيخ النقيب صاحب القرارات الصعبة:

مثلث مدينة البيضاء قاعدة إسناد ودعم للثوار المناهضين للاستعمار ومخططاته في يافع وغيرها من المناطق الحدودية المجاورة. وصل وفد الجامعة العربية برئاسة أمينها العام الأستاذ عبدالخالق حسونة رحمه الله عام 1957م بطلب من الإمام أحمد لتقصي الحقائق في مناطق الجنوب وكان السلطان الثائر محمد بن عيدروس قد وصل إلى البيضاء مع مجموعة من سلاطين ومشايخ الجنوب (الخلاقي-مرجع سابق -ص 83).

كان النقيب صالح بن ناجي الرويشان، عامل الإمام في البيضاء قد أعد مسودة إقرار «بأننا جزء لا يتجزأ من اليمن» وكان الجميع قد وقع على ذلك الإقرار. جاء الشيخ النقيب متأخراً فعرض النقيب الرويشان الإقرار عليه للتوقيع، إلا أنه رفض فاستغرب الرويشان الذي كان على علم بالعلاقة الطيبة التي كان تربط النقيب بالإمام وطلب منه تفسيراً وجاء الرد الحصيف الذي لا يتصوره أحد:«إننا كسلاطين ومشايخ نعد بعدد أصابع اليد ولا نملك تخويلاً من شعب الجنوب بمثل هذا التصرف وعند رحيل الاستعمار سيقول الشعب قراره في استفتاء عام».

ماذا قال وزراء الإمام للشيخ النقيب؟

حل الشيخ أحمد النقيب ضيفا على الإمام أحمد في قصره في حمام السخنة خارج الحديدة وتحدد له موعد مع جلالة الإمام، الذي تعمد تأخير اللقاء 16 يوماً وفي اليوم المحدد اختير له موقع في مواجهة الباب وضوء الشمس وبعد دخول الإمام وجلوسه على أريكته، التفت نحو النقيب وخاطبه: «هيا مه يا نقيب شمس؟ رد النقيب:«نعم يا مولانا شمس». قال الإمام:«تفضل اقرب هانا»! وسأله الإمام بعد ذلك:« ما يقولون أهل الجنوب يانقيب؟» قال النقيب: «أهل الجنوب يقولون متى ما تحسن اليمن فنحن من اليمن وإلى اليمن». طفحت علامات الغضب والامتعاض على وجه الإمام وتريث قليلا ثم انفجر قائلاً:« سيتحسن اليمن رغم أنف الاستعمار». قال النقيب:«بفضل الله وبفضل مولانا الإمام سيتحسن وضع اليمن بإذن الله». غادر الإمام الديوان بعد دقائق منهياً بقاءه في الديوان الذي لم يستمر أكثر من 20 دقيقة. قام الوزراء والحاضرون وأخذوا يصافحون النقيب وقالوا له:«نهنئك ياشيخ على هذه الشجاعة، لأن لو أحدنا تفوه بمثل هذا الكلام لا يمكن له أن يعيش أكثر من ساعة واحدة ولم نر أحداً من أبناء الجنوب يقول للإمام مثلما قلت أنت». رد عليهم النقيب:«أنا لم أقل إلا الصحيح ولا أستحق التهنئة» (الخلاقي- مرجع سابق- ص 84 و85).

موقف الشيخ النقيب من الإنجليز في شهادة الشيخ علي العيسائي:

في زيارة عملية، لعلها الأخيرة إلى تعز أراد الشيخ أحمد أبوبكر النقيب حسم أمره مع البريطانيين على الرغم من صعوبة موقفه مع الإمام أحمد الدي قطع عنه الدعم بعث السلطان فضل بن علي، سلطان لحج وزير الدفاع الاتحادي باقتراح إلى الشيخ النقيب بالنزول إلى عدن، حيث عرض السلطان عليه الوساطة بينه وبين البريطانين.

لم يمانع الشيخ النقيب في مسألة الوساطة شريطة نزوله أولاً إلى يافع ليتشاور مع مشايخ وأعيان الموسطة في الأمر، الذين فوضوا بدورهم الشيخ عبدالحافط بن حسين محسن بن شيهون لإبداء وجهة نظرهم نيابة عنهم باعتباره الأكبر سنا والذي تمنى على الشيخ النقيب النزول إلى عدن ليتصالح مع البريطانيين ومعالجة أمور الخلاف معهم باللين تارة والشد تارة أخرى.

عند مرور الشيخ النقيب بالقرين بعد اجتيازه حالمين وهو في طريقه إلى الضالع، أرسل الضابط السياسي البريطاني شخصاً يدعى البعسي، ضابط عولقي في جيش الليوي لاستدعاء الشيخ النقيب، فسأله عن صديقه محمد عيدروس وأساء إليه بصفة نابية (سارق) فرد عليه الشيخ: وماذا سرق محمد بن عيدروس؟ رد الضابط السياسي: سرق مالية أبين، فرد عليه الشيخ: من يسرق حقه ليس سارقاً، وقد توقعت أن تقول إنه سرق مالية بريطانيا من لندن.

احتد النقاش بينهما ومضى الشيخ في طريقه إلى لحج ورافق السلطان فضل بن علي إلى عدن للقاء المعتمد السياسي البريطاني، الذي سأل الشيخ: يا نقيب، هل عادك ناوي تحارب الحكومة؟ رد النقيب بالإيجاب «لأنكم تتخلون عن معاهدة الحماية وتريدون استعمارنا واستعبادنا ولن نرضى بذلك».

هنا ذكر المسؤول البريطاني الشيخ النقيب بأنه علي ما يبدو متأثر بإذاعة «صوت العرب» المصرية ونسي الشيخ- على حد زعم ذلك المسؤول- بأن الإنجليز- ولعلم الشيخ- سيدوسون نخاع عبدالناصر، فرد الشيخ الصاع صاعين، فتدخل المترجم بأن استفزاز الشيخ أوصل اللقاء إلى هذه النقطة الحرجة، فانصرف الشيخ من مقر الإدارة البريطانية برفقة سلطان لحج.

أدلى الشيخ الفاضل رجل الأعمال البارز على عبدالله العيسائي بشهادته للتاريخ عن الشيخ الشهيد أحمد أبوبكر النقيب وقال إنه استضافه في بيته عند نزوله الأخير إلى عدن وقال: «إن الشيخ ظل طيلة تواجده في عدن لمدة ستة أشهر على مواقفه العدائية من الإنجليز ولم يستجب لأي من شروطهم وكان حراً أبياً، ولولا توقف الدعم الذي كان يتلقاه من الحكم في صنعاء في عهد الإمام أحمد لما غير خطته، ومعروف أنه بعد علاجه من إصاباته في مستشفى صنعاء، انقطع عنه الدعم فاضطر لبيع سلاحه الشخصي، ثم نزل إلى عدن عن طريق يافع وكان ينزل ضيفا عندي، وكان ضد بريطانيا قلباً وقالبا وصحيح أنه حصل على بعض المبالغ غير المشروطة وعاد إلى يافع، ولكن الإنجليز كانوا يكنون له العداء، حتى أن والي عدن في كتاب له يعترف أنه قضى على النقيب ويصفه بالمتمرد» (الخلاقي- مرجع سابق- ص 118 و119 و120 و120).

الشيخ النقيب يسقط برصاص ضيوفه في البيت:

قدم المناضل محمد صالح المصلي شهادته للتاريخ عن الشهيد الشيخ أحمد أبوبكر النقيب ورد فيها:«حين قامت ثورة سبتمبر كنت في الشمال وعند عودتي إلى يافع بدأ التواصل بيني وبين الشيخ أحمد، الذي لا شك أن نزوله إلى عدن قد أساء إليه وأراد ان يصحح مواقفه، وقد بعث لي برسالة بواسطة محمد حسين صالح الرشيدي ومحمد صالح عثمان الحريبي يطلب فيها استعادة النشاط...». وتحدث المصلي عن تفاصيل رسالة الشيخ النقيب المرسلة إليه ورد عليها والتي حملها أحمد هيثم حنش وما حكاه رجل من قرية «الديوان» جاء من نايحة قرية «صائب» والذي صرخ:يا مصلي.. يا مصلي الشيخ أحمد النقيب قتل. قلت له ومن قتله؟ قال: أولاد عمه. حمل المصلي بندقيته وطلع إلى الحيد ووصل الخبر بأن القتلة هم آل البعالي. (الخلاقي- مرجع سابق -ص 123 و124).

ورد في صحيفة «صوت الجنوب» في عددها الصادر في 20 يناير 1963م ما يلي:«أفادت الأخبار الواردة من يافع العليا أن الشيخ أحمد أبوبكر النقيب الأول لمشيخة الموسطة قد قتل يوم الخميس 10يناير 1963م على يد أحمد عسكر وأربعة آخرين من أهل عياش، كما أن ولده سيف أحمد وشخصاً آخر من أصدقائه قد قتلا أيضاً»، وأضافت «صوت الجنوب»:«وكان الشيخ أحمد أبوبكر يستضيف أحمد عسكر وأصحابه في داره لمدة يومين ولكنهم غدروا به وقتلوه، وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ أحمد أبوبكر النقيب أحد رجال يافع العليا البارزين وهو معروف بشجاعته وقوة شكيمته وبمقتله فقدت يافع أحد رجالها البارزين». واقتصت «الموسطة» من الضالعين في الجريمة الخسيسة سواء المخططون أو المنفذون لها فرداً فرداً استناداً للقاعدة القرآنية ?{?ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون?}? (البقرة: 179).

الشيخ عبدالرب النقيب خير خلف لخير سلف:

ترك الشيخ أحمد أبوبكر النقيب وراءه إرثاً نضالياً واجتماعياً كبيراً ودائرة واسعة من المحبين وأحد عشر ولدا الذكور منهم ثمانية هم: 1) عيدروس من مواليد 1929 نصبه مشايخ وأعيان الواسطة شيخاً خلفاً لوالده وهو مقيم حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة، 2) سيف من مواليد 1933 استشهد مع والده، 3) فيصل من مواليد 1934، 4) عبدالرحمن من مواليد 1940، 5) عبدالرب من مواليد 1941 يشغل حالياً باقتدار موقع والده وشقيقه الأكبر كشيخ للموسطة ونقيب ليافع ويعد من الشخصيات الاجتماعية البارزة التي تحظى بتقدير واحترام كبيرين في يافع عامة، 6) محسن من مواليد 1943م، 7) فضل من مواليد 1944م، 8) علي من مواليد 1948م.

الشيخ النقيب شاعر ينعاه الشعراء:

الشيخ الشهيد أحمد أبوبكر النقيب شاعر مجيد ومن قصائده: «نداء الإصلاح» و«دجاج الحفش» و«ملعون من باع أرضه بالذهب» و«بأرض الشرق فتنة» و«سابق من سبق» و«قفا صوت العرب» و«شرع القبايل» وغيرها من القصائد ورثاه عدد كبير من شعراء يافع وفي مقدمتهم شايف محمد الخالدي وعلي عبدالعزيز المشوشي ومحمد عبدالرب العروي والشيخ عيدروس أحمد النقيب وغيرهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى