قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي(7): اتحاد الطلبة الحضارم فكرة من طلبة بكلية عدن إلى سلطنتي حضرموت ..بعثات دراسية إلى الكويت والعراق ومصر وسوريا أوائل القرن الماضي

> «الأيام» علوي بن سميط:

> كما أشرنا في الحلقة الثالثة 10/8 إلى إننا سنقترب من اتحاد الطلبة الحضارم الذي يعد كياناً موحداً لطلبة حضرموت، تتضمن الأسطر التالية عناوين أو خطوطا عريضة لتأسيس هذا الاتحاد، إذ جاءت فكرة تأسيس (اتحاد الطلبة الحضارم) من قبل طلاب يدرسون في كلية عدن 1959م، وضعوا بداية الأمر وثائق ورسم سياسة هذا الشكل الطلابي، وسموا أنفسهم (اللجنة المؤقتة لنادي اتحاد الطلبة الحضارم)، وفي مارس 1960م قدم طلب رسمي للسلطنتين الكثيرية والقعيطية للسماح لهم كطلبة بإنشاء الاتحاد، فسمحت سلطات الدولة في سيئون في نفس العام لهذا الكيان، فيما تأخرت سلطات الدولة القعيطية في السماح للاتحاد بافتتاح مقر له في المكلا، وجاءت الموافقة في 1961م بعد قرابة عام من موافقة السلطنة الكثيرية.

فكرة الاتحاد وإنشاؤه جاءت في وقت شهدت فيه حضرموت حراكاً في الواقع السياسي الداخلي في أراضي السلطنتين، ونمو الأشكال التعبيرية للرأي، إلى جانب ما يعتمل في المحميات الغربية المجاورة حتى عدن، كما أن اتحاد الطلبة الحضارم جاء أيضاً على رؤية توحيد جهود وإمكانات الطلاب في حضرموت وتسخيرها للعمل السياسي ورؤيتهم لكل الأمور، ولوضع رأيهم المستقل كقطاع طلابي موحد بالاستفادة من تجارب سبق لطلبة حضرموت أن شكلوا من خلالها جمعيات أو منظمات تخصهم كجمعية اتحاد التلاميذ في الأربعينات بالمكلا وغيرها.

وكل هذه الأشكال لسبب أو لآخر توقفت أو حُلت بعد فترة قصيرة من ظهورها، وعلى إثر هذا التراكم في الحركة الطلابية بزغ (اتحاد الطلبة الحضارم) وافتتح المركز الرئيسي له في سيئون بداية الأمر 1960م، ليصبح بعدئذ المركز الأساسي لقيادته في المكلا مع فروع في كل من الغيل وسيئون والشحر وشبام والقطن وكل مناطق السلطنتين، ومثل عموم الطلبة الحضارم، وضم مختلف التوجهات الفكرية لدى أعضائه الذين غلب على معظمهم الفكر القومي، وحاولت الأحزاب والتنظيمات الاستئثار بهذا الكيان لما له من تأثير في أوساط الطلبة كشريحة واسعة من خلال تصعيد قيادات في الفروع موالية لهذا التنظيم أو ذاك إلا أن السيطرة شبه الكاملة على هذا الاتحاد كانت من نصيب الجبهة القومية.

نشط اتحاد الطلبة الحضارم في إقامة الفعاليات السياسية للتعبير عن مواقفه داخل الوطن وكذا مساندة القضايا القومية العربية من خلال إصدار البيانات وتفعيل الإضرابات والاحتجاجات الميدانية كالمسيرات والاعتصامات، وكان للاتحاد نشاط سياسي وفكري ثقافي داخل المدارس وخصوصاً المدارس المتوسطة ومن ثم الثانويات قبل استقلال الجنوب للمطالبة بحقوق الطلبة وتحسين أوضاعهم والسعي لإيجاد منح دراسية للطلبة المتفوقين سواء عبر الاتحادات المماثلة في الدول العربية أم عبر الأحزاب السياسية، ونشط الاتحاد بين أوساط الطلبة الحضارم الدارسين في الخارج، وأنشأ مكتبات لتوسعة مدارك الطلاب في مختلف العلوم والمسابقات الفكرية داخل المدارس، وظل يمارس أنشطته العامة حتى استقلال الجنوب ليذوب في الاتحاد الوطني العام لطلبة اليمن الذي توحدت فيه الكيانات والاتحادات الطلابية التي كانت قبل 67م في عدن واتحاد الجنوب العربي وسلطنتي حضرموت.

بيت الطالب الحضرمي في الكويت

كما كان لاتحاد الطلبة الحضارم نشاط في إيجاد منح مباشرة في ستينات القرن الماضي أو عبر الأحزاب أو حكومتي السلطنتين لابتعاث طلاب حضارم للدراسة في الخارج، فإن توجه الكثير من الطلبة للدراسة في أشهر مدرسة حينذاك المدرسة الوسطى بالغيل ومدرسة المعلمين ومعهد بخت الرضا بالسودان إلى جانب المنح المقدمة من الحكومتين خلال الخمسينات والستينات، أثرى مستوى المعرفة والعلوم بين طلاب حضرموت، ورفد عموم حضرموت بالكوادر المحلية المختلفة، كما كان لاتحاد الطلبة الحضارم نشاط وتأثر بما يجري على الساحة الداخلية ليس فقط داخل حدود السلطنتين، فإن الطلبة من حضرموت الدارسين بالمملكة المتحدة (بريطانيا) كان لهم دور وتفاعل مع ما يجري بعيداً عنهم في وطنهم الأم من خلال تجمع (الطلبة الحضارم في المملكة المتحدة) ومتابعة الأحداث أولاً بأول بواسطة الصحف بما فيها الصحف الصادرة في عدن أو المكلا التي كانت تصل إليهم، والتلاقي عبر الندوات والنشرات التي يصدرونها هناك، وكثيراً ما عبروا عن آرائهم في بيانات صادرة تجاه قضايا عديدة منها منع دخول أساتذة مصريين إلى حضرموت من قبل المستشارية، وعن الاتحاد الفيدرالي وعن مؤتمر لندن وغيره وعن الحريات السياسية والعامة، ونقتطف من بيان موقّع باسم (طلبة حضرموت بالمملكة المتحدة) عن صحيفة «الطليعة» عدد (267) 1964م، ما يلي:

«ونحسب أن الأوضاع في حضرموت قد بلغت من السوء والجور مبلغاً لا تجدي معه نسائم التغيير بل يتطلب هبوب رياحه العاتية ولا سيما إذا أدركنا معنى الانفجار الهائل» ويستطرد البيان ليقف أمام ما يعتمل في الوطن الأم حضرموت، وينتقد تصرفات السلطات هناك بالقول: «فمن أوضاعنا أن لدينا سلطات ولكن ليست لنا حكومة نعرفها، لدينا سلطات أبرز ما نعرفه عنها هو بوليسها» ويصل بيان طلبة حضرموت ببريطانيا إلى لغة الوعيد لسلطات حضرموت في الداخل محذراً إياها بالقول: «إن إدراك الوضع على هذه الصورة سيفتح باب التكاتف الواسع مع بقية أجزاء المنطقة، وتلك ضرورة لازمة لإحراز النصر النهائي والحاسم، ولقد امتدت الثورة من ردفان فشملت كل أجزاء الجنوب الأخرى، ولا نستطيع أن نقف بمعزل عنها».

ومن نموذج لنشاط من أنشطة طلاب حضرموت في بريطانيا، إلى نشاط ونموذج ننقله للقارئ الكريم عن طلبة حضرموت في دولة الكويت الشقيقة (ليس بالضرورة أن الطلبة في هذين البلدين يتبعان تنظيم اتحاد الطلبة الحضارم) فتجربة الطلبة بالكويت شملت التكافل والتعاون وإيجاد الاستقرار النفسي للطلبة الحضارم وتوفير مناخات تعليمية، فقد تشكلت الهيئة لهذا الغرض بعد ازدياد أعداد الطلبة في الكويت القادمين من حضرموت وسميت (الهيئة الإدارية لبيت الطالب الحضرمي بالكويت).

تقول هذه الهيئة في بيان لها من الكويت عن دوافع إنشاء هذا الشكل المساعد للطلبة ودعمهم ما يلي:

«حضرموت الجزء العربي من جنوب اليمن لها من ظروفها وضعف إمكانياتها الاقتصادية ما يجعلها متأخرة ودون مستوى حاجة أبنائها وإقبالهم على طلب العلم، فلا يوجد بها مدارس عالية بما فيها الثانويات، وقد أحس بهذا الواقع كثير من أبناء حضرموت المقيمين بالكويت فتدارسوا الأمر بينهم وأدركوا أن الواجب يدعوهم للمساهمة في خدمة بلادهم بالقدر الذي يستطيعون وضمن حدود إمكانيات الواقع، ورأوا البدء بإنشاء بيت الطالب الحضرمي كمشروع خيري يحقق خدمة عامة بعيده عن كل غرض» (صحيفة «الرائد« العدد 36 - 1961م).

وبدأ الطلبة والمقيمون الحضارم في الكويت بإجراء اتصالات بأشقائهم من رجال الخير والمحسنين في الداخل والخارج، وحصلوا على تجاوب واستحسان الفكرة، وكانت الهيئة على مستوى عال من الإدارة بل وشفافية خطواتها، وقدم المقيمون بالكويت تبرعاتهم ونشرت قيمة التبرعات في الصحف ومنها صحف حضرموت، وتحرك مندوبون من الهيئة بالكويت إلى المملكة العربية السعودية في أغسطس 61م للحصول على التبرعات وعقد اجتماع للجان الخاصة بجمع التبرعات في المملكة العربية السعودية حيث سلمت حينها مبلغ (3541) ريالا سعوديا وأُعطي به استلام (رصيد رسمي) للمتبرعين، وشكلت لجنة ثابتة بجدة لمتابعة بقية التبرعات، وكان أعضاؤها من المقيمين في السعودية وهم: أحمد عمر باوزير، عبدالله أحمد باوزير، محسن علوي السقاف، محمد عبدالله البيض، خميس حمدان، عوض سعيد نصير، فيصل باصهي، سالم الخلاقي، حسين بامزروع، وعبدالله محمد بامطرف. وفي شهر سبتمبر 61م التقى مندوبو الطالب الحضرمي بالكويت بالشيخ محمد بن لادن في منطقة الهدا بالسعودية، حيث كان الشيخ محمد يشرف بنفسه على أعمال شق الطريق الجبلية بين مكة والطائف، واستجاب بن لادن للفكرة وأكد دعمه مباشرة بمبلغ ألفي ريال حينها، كما وعد بأنه سيقدم نفس المبلغ كدعم شهري أو سنوي («الرائد» عدد 1962/67م). كما جاء في تقرير الهيئة الإدارية لبيت الطالب الحضرمي بالكويت في أوائل عام 62م، أن الهيئة تلقت دعما من المشايخ: أحمد بقشان، سعيد باقادر العمودي، مدير البنك الأهلي بالطائف، ويذكر التقرير أنه تم إعلان لجنة أخرى بالسعودية لجمع التبرعات لما لقيه الحضارم من مصداقية لأنشطة الهيئة، وهي لجنة إضافة للجنة السابقة بجدة تكونت من: عمر أحمد باصرة، سالم بلعمش، أحمد بازيد، سالم أحمد بقشان، عبدالرحمن باشيخ، وفي الرياض بالسعودية أبدى السادة والأعيان من أبناء حضرموت هناك التعاون والمساعدة مع الهيئة ومنهم: عمر محمد باراسين، محمد عمر باصقر، سالم القثمي، محمد سالم السري، سالم عبدالله الفردي، وفي الظهران والخبر منهم: علي أحمد باصليب، صالح باطوق، أحمد علي وسالم وعبيد بادغيش، أحمد عبدالرحمن العمودي (من التقرير الختامي للهيئة الإدارية لبيت الطالب الكويتي 62م).. وهكذا تجمعت التبرعات والدعم المادي والمعنوي للبيت من المواطنين بحضرموت ومن المقيمين والمغتربين.

الاهتمام بالتحصيل العلمي للطلبة الحضارم جاء من بداية القرن الماضي، ولا يعني ذلك عدم وجود شكل من أشكال التعليم في حضرموت، فالكتاتيب والمعاهد الدينية موجودة إلا أن الرغبة في تدريس أبناء حضرموت وفق مناهج عصرية في الخارج كانت هماً لدى الجميع، فابتعثت جمعية الحق بتريم طلابا على نفقتها للدراسة في الأزهر الشريف.. وفي الثلاثينات 1938-1937 بعث السلطان علي بن المنصور الكثيري خطابين لكل من الملك فاروق، ملك مصر، والملك غازي، ملك العراق يلتمس من كل منهما أن يقبل بمدارس العراق ومصر طلابا حضرميين، وبالفعل تمت الاستجابة فبُعثت الأولى إلى مصر، كما أن البعثة للعراق توجهت إلى عدن أولا ثم إلى العراق في شوال 1357هـ (ديسمبر 1938) وتضم الطلبة (موسى الكاظم بن يحيى، عبدالرحمن طاهر أبوبكر بن طاهر، حسن عبدالرحمن باجابر)، وتحمل نفقاتها ملك العراق كما ذكر المؤرخ محمد بن هاشم (مجلة «الإخاء» تريم 39م - ص12)، كما بُعثت إلى سوريا بعثتان واحدة أوفدتها جمعية الاخوة والمعاونة بتريم، والثانية من قبل حكومة السلطنة القعيطية - إجمالي البعثتين عشرة طلاب- وبعثة طلاب جمعية الاخوة والمعاونة تكونت من: علي بن عقيل، محمد عمر الكاف، كرامة سليمان، عقيل محمد، عبدالرحمن بن يحيى (كتاب حضرموت لعلي عقيل، ط 1949، دمشق).

وفي الخمسينات والستينات استمر ابتعاث الطلاب بمنح من حكومة السلطنتين إلى مصر والعراق وكذا من أندية وأحزاب كالنادي الثقافي بالمكلا وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي وعدد من المحسنين.. وأشهر الشخصيات التي أنفقت في الثلاثينات على عدد من الطلاب للدراسة في الخارج السيد أبوبكر شيخ الكاف، وفي الستينات منحت الجمهورية العربية المتحدة للسلطنتين القعيطية والكثيرية (46) منحة دراسية، كما بيّن حزب الشعب الاشتراكي بأنه تحصل على 58 منحة دراسية إلى العراق ومصر وروسيا ويوغسلافيا للعام الدراسي 65-64 وقد أعطيت هذه المنح لأبناء حضرموت الموجودين بعدن، وقد تحصل الحزب على 10 منح إضافية إلى العراق لدراسة المرحلة الثانوية، وقررت الهيئة العليا للحزب أن يكون من هذه العشر أيضا نصيب لحضرموت (ثلاث منح) وأن يتقدم الطلبة الراغبون في الحصول على منحة إلى مكتب صحيفة «الطليعة» بالمكلا («الطليعة» عدد 64/8/13م).

كما ابتُعث عدد من الطلبة إلى بريطانيا من مختلف مدن حضرموت للدراسة على نفقة أهاليهم ونذكر من شبام كلا من: أ.عبدالله سعيد عبّدن، محمد أبوبكر سعيد لعجم، عمر سالم بن محمد باعبيد، وأرسلت الحكومة القعيطية أيضا من مختلف ألويتها طلابا إلى المملكة المتحدة.

تلكم شذرات من أنشطة اتحاد الطلبة الحضارم وأنشطة الأهالي ومؤسساتهم في ابتعاث طلبة من حضرموت للدراسة في الخارج، وكذا الاهتمام بهم من خلال إنشاء مواقع كمناخات للدفع بمستوى تحصيلهم العلمي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى