ترانيم حضرمية على أوتار عيدية

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> من العايدين ..للعيد في أحضان الوطن مذاق خاص، يمتزج بصباحات فرح الطفولة، وارتياحات الكبار، للعيد خصوصية متفردة عن باقي الأيام، يغشى الإنسان فيه جو من الهدوء النفسي والسكينة القلبية، وينتاب المرء فيه راحة وطمأنينة نادرة وفريدة، إذ يستعد كل منا على طريقته الخاصة عامداً إلى استقباله بما يتلاءم وروعته وجماله، فتكتسي الأرض حلة الجمال والزينة الأخاذة، وتتصافح قلوب الكبار، وترفرف جوانح الصغار وهم يمرون- مسرعين- على منازل الأقارب والجيران متدثرين بثيابهم الجديدة، كقلوبهم البيضاء التي تنتقل بهم من بيت إلى آخر مرددين عبارتهم الأثيرة (من العايدين) ويردد الكبار همسهم الشجي (يا راد يا عوّاد).

عيد الوطن

قد يرتحل الإنسان- مجبراً- عن أرضه ووطنه، ولكنه يظل حاملاً له ساكناً ذكرياته للقاءات الأهل مداعباً في خياله أصحابه أينما رحل وحيثما حل، ألم يقل أمير الشعراء أحمد شوقي:

وطني لو شغلت بالخلد عنه

نازعتني إليه في الخلد نفسي

وقد قال في ذلك الشاعر الراحل الكبير حسين أبوبكر المحضار:

وطني وفيه الساس والآثار

به نسعد ونتأثر بتأثيره

دايم ونا فوقه محلق فار

حاشا تهجر الوادي عصافيره

تردني الغيرة

ونتشوق إلى شمسه وظل الغار

دار الفلك دار

وعزمت السفر

في حين قال الشاعر الغنائي الرقيق الراحل صالح عبدالرحمن المفلحي:

بلادي يا بلادي ولو جارت علي بلادي

ومهما طالت الغربة

بلادي خير لي من بلاد الناس

ففي هذه الأيام تزداد لوعة المفارق حرقة، ولهفة المنتظر المشتاق حسرة، وتختلط في النفس الكثير من المشاعر النبيلة، فيرجع الصدى في كل أرجاء الاغتراب قول الراحل الكبير المحضار:

لك بها أصحاب ** يذكرونك إذا شع القمر أو غاب

عيشهم ما طاب ** شملهم ما تجمع صفوهم ما زان

حب في القلب راسخ ** للجبال الشوامخ

لي تربيت فيها وانقضى لك بها شان

حان الوفاء حان

فالإنسان في غربته يظل متشبثاً بالأمل في اللقاء والعودة إلى الديار، ويناجي روحه ألا تيأس وتقنط فالأمل مازال فيه فسحة من رجاء، ولكن العين تأبى إلا أن تغسل بعضاً مما علق بها من حسرة، إذا أيقنت صعوبة الوصال والتماهي في العيد مع الأهل والخلان فيأتيها همس الشاعر المحضار:

يا عين لا تذرفي الدمعة ** مادام لك في الأمل شمعة

انسي همومك جمعة ** واستبشري بالرجعة

رجعت حبيبك إلى ربعه ** للأهل والدار

ويبقى الوصل هاجساً وحلماً يتسع ويكبر كالأمل المرتجى، فكل يوم يمر هو اقتراب من لحظة اللقاء ونشوة العودة القادمة، فالرجوع إلى الوطن حلم لا ينتهي، حتى وإن طالت المدة، فالعيد هو الهاجس الذي يعيد الروح إلى التفكير بعمق في العودة إلى الديار، ففيه تعود أيام الصفاء، إذ قال الشاعر المفلحي:

كم مننا قد أضاع العمر في غربة ** وذاك من حسرة الأبعاد في كربة

ويطرق الشوق لأهله في ليالي العيد

عيد عوّدي صفاء الأيام يا عيد

الشعراء والعيد

عانق شعراؤنا ليالي وصباحات العيد بحساسية رقيقة، ومشاعر مفرطة، فكم من قصائد قيلت في مثل هذه اللحظات الإنسانية، وكم عواطف انسابت كلمات، وانهمرت راسمة على الورق لوحات حب مطرزة بشغاف القلب وأنات الصدور.. ومن بديع ما قيل في تاريخ الأغنية الحضرمية قصيدة (أقبل العيد) للشاعر الغنائي غالب عوض باعكابة، وهو شاعر مقل مجيد داهمه صباح العيد، ولم يجد لديه ما يقدمه لمن يهوى ويعشق، ولكنه بعد أن أفصح بما في دواخله من مشاعر رقيقة، كان قد أهدى من يحب تحفة غنائية خالدة، سنظل نرددها غداة كل عيد، فقد سكب الشاعر باعكابة لواعج قلبه صوراً جمالية ترسم حكاية، أهدى لمن يحب أجمل وأغلى وأعذب وأرق ما يملك، ألم يقل:

أقبل العيد حبيبي وشدا الطير وكبّر

واستجاب الروض من فرحتنا الكبرى وأزهر

أي شيء في غداة العيد أهديه وأفخر

أي شيء غير حبي لك يزداد ويكبر

أما شاعرنا الراحل الكبير حداد بن حسن الكاف فقد كانت مجالس الأنس والطرب ورقيق الشعر شاغله الذي يعيد إليه مباهج العيد والفرح، ومن ذلك قوله:

ردده رده برده ** مغناك يا باسعيدة

من يوم جيته زمان البسط عندي عاد

بك أنسنا عاد عيده

والليالي عادت لنا عيد

وكثيراً ما يفتتح الشاعر حداد قصائده بمثل المقطع الشعري السابق، كقوله في قصيدته (العيد عيدك)

شل صوت الغناء ما الليلة العيد عيدك

شل صوتك وقل ياعيدنا الله يعيدك

شل صوتك وزدني منه فالله يزيدك

لين الله لك كل قاسي وقرب بعيدك

أما قصدته (عيد الصفاء عاد) ففيها نراه يلتمس الوصل بمن يحب تأسياً بأجواء العيد إذ يقول:

شل بالغناء ما اليوم يوم سعيد

إن الصفاء قد عاد عيده

العيد قد وافى بطالع سعيد

وعيشته عيشه رغيده

الله يقرب وصل ذاك البعيد

لي شب في قلبي وقيده

العذب لي في الزين أمسى فريد

وباقي الخرّد عبيده

أما الشاعر والملحن الكبير محمد محفوظ سكران (الكالف) فلقاء أحبته يعده عيده الحقيقي، فقربهم (يطفي) وقيد قلبه وروحه:

يا حبايب لقلبي والفؤاد

قلن أهلاً بكم بعد البعاد

قربكم عند المحب يطفي الوقيد

عندي العيد

حين ما واجهتكم وأغلى من العيد

همسة عيدية

في مثل هذه الأيام العيدية المباركة تبلغ المشاعر الإنسانية ذروة الرقة، وتنزع إلى الترقب لطي صفحة قطيعة بين ابن وأبيه، بين أم وابنتها، بين أخ وأخيه، بين جار وجاره، فيظل قلبك وصدرك مفتوحين للحظة ود وصفاء، وإن لم تأت، فبعد وفرقة كل هؤلاء- لاشك- تدمي القلوب والقطيعة تجري الدموع، فالفراق مذموم مذموم، واللقاء محمود ومرغوب فيه، وهو البشرى التي نبحث عنها في سويداء الأرواح وإشراقات العيون، فكن ممن يرسمها في هذا العيد.. وكل عام وأنتم في خير وأكثر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى