علي محمد لقمان النقد الاجتماعي في ديوان (ياهوه الوراد)

> «الايام» نجمي عبدالمجيد:

> صدر ديوان (ياهوه الوراد) في عام 1958م عن دار «فتاة الجزيرة» بعدن وكان قبل ذلك قد نشرت قصائده في صحيفة «فتاة الجزيرة»، وبالرغم من مرور سنوات عديدة على صدوره يظل يحمل من قراءات الواقع والاحداث المستمرة الشيء الكثير.

والشاعر علي محمد لقمان تميز في هذه التجربة عن غيره من فرسان الشعر في مدينة عدن، حيث سعى للوصول إلى أكبر قدر من الناس عبر المفردة العامية - العدنية، وتلك رؤية تعتمد على النظرة السياسية للحياة وأحوال الناس وحديث الشارع وتقلب الحالات الاقتصادية، ويدل عنوان الديوان على الخصوصية العدنية، فكلمة «ياهوه» كلمة عدنية وتعني يا أهل البيت، و«الوراد» هو بائع الماء ذلك الشخص الذي ظل لسنوات طويلة من تاريخ هذه المدينة يطول في شوارعها حاملاً قربة الماء ويطرق أبواب المنازل ليبيع الماء، فكان صورة وهوية لعصرٍ وأناسه من حياة عدن.

وفي هذه المادة نعود إلى بعض من تاريخ علي محمد لقمان ونقف أمام شاعر ورؤية ومسافة من الزمن رغم بعدها، غير أنها لم تنقطع عن حدث اليوم وأهل عدن بين المعاناة والقدرة على مواجهة صروف الدهر.

أغنية الرز

في هذه القصيدة العامية يتحدث الشاعر الاستاذ علي محمد لقمان عن مشكلة ارتفاع اسعار الرز، الذي يعد من الوجبات الرئيسية عند أهل عدن، وفي هذه الصور لا يذهب الشاعر إلى النقد السياسي أو شرح الهم الاقتصادي، بل يهدف إلى تصوير حالة الانسان البسيط الذي أصبح سعر الرز بالنسبة له من المشاكل التي ترهق حاله ووضع الاسرة وماذا يأكل الانسان عندما يتحول السوق وسعر الحاجات إلى ساحة صراع لمن يبيع بسعر زائد ومن يكسب اكثر من خلال هذا الاستغلال لوضع الناس المالي غير المستقر.

وعلي محمد لقمان، الشاعر والصحفي وعضو المجلس التشريعي العدني والشخصية الاجتماعية التي خبرت العديد من مجريات الحياة في مدينة عدن، كان يدرك ماذا تعني لقمة العيش للناس البسطاء من سكان هذه المدينة، وكيف تتقلب الاحوال ودخل رب البيت عندما تتصاعد الاسعار، حيث يصبح لا هم للزوج والأب والأخ سوى توفير الحاجات القليلة من الطعام حتى تظل حياة الاسرة مستمرة وإن كانت في أدنى مستويات المعيشة، لذلك جاءت هذه القصيدة من رؤية تجاوز مستوى الأزمة التي يعاني منها الناس، وهي تعد شاهدة على مرحلة مرت بها عدن تأزمت فيها الاحوال الاقتصادية وعانى الناس منها الشيء الكثير.

تصبح المفردة العامية نظرة سياسية عندما تتحمل في معانيها اقصى حدود التحمل ودرجات الألم، وتصبح السخرية والنقد المباشر السكين الذي يشرخ الورم المتعفن الذي أصاب جسد المجتمع بالوجع والالتهاب من الداخل.

وفي هذه القصيدة الساخرة يجاور الشاعر علي محمد لقمان بين حالة الناس المتوترة من عدة أحداث وبين المفردة الشعبية القريبة إلى أدنى حدود الفهم عند أهل عدن حتى يصل إليهم القصد من رؤية الشاعر، فهذا الوراد الذي وصل به الحال إلى درجة الانفجار والتمرد على اليأس الذي أصاب العقول والنفوس ووقوف الوضع عند دائرة من السكوت وعندهم القدرة على تجاوز المفروض، كل هذا يجعل الشاعر يطالب بالرفض.. رفض الحال ورفض الاستسلام له ورفض أن تصبح حياة الانسان عند هذا المستوى من السقوط والحرمان الذي لا يخلق في ذات الفرد غير الاستكانة والخوف، لذلك لا بد من كلمات تخترق هذا الحاجز الواقف بين الارادة وحياة الانسان، فقد وجد الشاعر في الكلمة عاملا يساعد على البحث عن مخرج من هذا الانغلاق الذي يسد كل الطرق نحو الافراج من حصار يبدأ من لقمة العيش وينتهي عند حدود الموت النفسي، ليصبح الفرد مجرد حاجة دون قيمة مطرودا خارج مسار الحياة لا قيمة مادية أو معنوية له، يخرج من الدنيا كما جاء اليها أسير الشيء يستجدي من يملك ولا يحق له المطالبة بحقوقه، وذلك ما يرفضه الشاعر ويسعى إلى البديل.

في مقدمة الديوان يكتب الاستاذ محمد علي لقمان قائلا: «عزيزي القارئ.. كانت قصائد (الوراد) وأغانيه في بابه الخاص (ياهوه الوراد) تلاقي إقبالاً من جميع قراء صحيفة «فتاة الجزيرة» على اختلاف طبقاتهم وتباين ميولهم الادبية والسياسية على السواء..

وكانت «فتاة الجزيرة» تعتقد دائماً أن هذه القصائد والأغاني تصور المجتمع في عدن في فترة تعتبر نقطة تحول في تاريخ البلاد، فهي لا تمتاز بالكلمات والعبارات والصور الشعرية التي يكاد أن يلمسها كل قارئ نشأ وترعرع في عدن.. ولكنها إلى ذلك تمتاز بمعان فيها عما اختلج في عواطف المجتمع في مناسبات مختلفة. وهي ايضاً معان، بعضها خبيث، ولكن صورها الشعرية تبعث على الضحك، والضحك أحياناً تعبير عن الم شديد وشكوى مريرة.

وليس في الواقع في هذه القصائد والاغاني غير الألم والشكوى.. فقد حدث مرة أن أمطرت سماء عدن بغزارة.. واضطر الناس أن لا يطهوا الطعام في المنازل فأقبلوا على المطاعم وصدرت الفتاة في نفس اليوم تحمل أغنية الوراد (بساط البئر) وفيها البيت المعروف (على الخباز على الخباز) فلم يبق من صحيفة «فتاة الجزيرة» عدد واضطرت الإدارة أن تشتري عدداً لإكمال مجموعتها وبثمن أغلى من الثمن الذي باعته به.

ولم يخذل الوراد مجتمعه في كل حالة مرت به. فأنت تقرأ في الوراديات ما لا تقرؤه في الشعر الفصيح من تعبير عن شعور الشعب تجاه الاراضي والبقاع ومصافي BP وإدارة الكهرباء وإدارة الماء وإدارة الأشغال العامة والتقسيم السياسي لمناطق عدن والمجلس التشريعي والانتخابات.

ولازم التوفيق وراد «فتاة الجزيرة» في تصويره معيشة الأغلبية في هذه البلاد فقد استطاع أن يعيد إلى الاذهان صوراً ألفناها في صغرنا وعبارات كانت لغتنا في السنوات الخوالي.. فلا توشك أن تتم القصيدة أو الاغنية الورادية حتى تشعر أنك كنت تريدها أطول مما هي لأنها تجعلك تضحك في ألم، وشر المصائب ما يضحك.

ومن أجل هذا تقدم «فتاة الجزيرة» هذه (الوراديات) إلى قرائها ليقضوا وقتاً في مرح وقهقهة.

البقاع الاراضي بالمزاد

رحت الحراج شفت لك في كل مكان بقعة

بقعة ميادين، وبقعة تستوي رقعة

سمعت سعر الحراج حسيت كما الزلعة

تاجر يماري بهتي يقزعها قزعة

جالس مبهرر وفيبي في الحراج فجعة

****

واحد يقول ألف والثاني يقول ألفين

من فين أجيب نص شلن من فين أجيب من فين

مافيش معي بيت كيف أقدر أجيب بيتين

بيل الترك والقصب يقصم فؤادي اثنين

رحت الحراج شفت عيني تقتلب عينين

وشفت ناس يلعبوا فينا (يا بين يا بين)

****

يا ناس شوفو الفلوس ماهيش (عوض منضاح)

كم مجحجح وكم بايستوي الجحجاح

كم با أقول آح.. هل ينفع أقول آح

زمان كانت عدن بندر ولكن راح

من باولة نشتري بستان وعرفه فاح

واليوم من (لك) شلن.. قالوا لنا الارباح

****

حتى الاراضي استوت زي الذهب تلمع

اجزع أشوف خبت أقول هذا المكان يفجع

وأرجع أحصل عمارات في السحاب تردع

من كم كراها؟ يقولوا لك ما ينفع

سوف بانصحك يا مجحتت أنت لا تجزع

عندي الذي يقرع الصفرا جدع أجدع

****

لا عاد تشاور على بقعة ولا تسأل

وانفض قراعك خمير واشبع من المعبل

والفول جنبك عشا موعاد تشا يا أهبل

والصيد باغة غدا يسبح ويتقلقل

جنجه هنا غالية زي البقع تفعل

لا تشتريش البقع.. المشتري يحبل

****

يا أرض يا اللي يبيعونك وعيني دم

لو كان معي لقف باتمهجر وباتكلم

باقول حقي ولكن ما معانا فم

عاد في معانا زمان باينطق الاعجم

وبايجي يوم أكون فيبه بلا مردم

باهدر وباهدر ولا بابكي ولا باندم

في مرحلة الخمسينات من القرن الماضي شهدت مدينة عدن نهضة واسعة في مجال العمران، وكانت قضية البقع من المسائل التي شغلت الناس وهم يشاهدون عدن وهي تنتقل إلى مرحلة جديدة من الانشاءات، وفي هذا الجانب نشرت جريدة «مستعمرة عدن» بتاريخ 24ديسمبر 1959م مايلي:

إعلان عمومي رقم 628 لعان 1959

تصريف11 بقعة تجارية - سكنية

في منطقة المعلا المستصلحة

يعلن للمعلومة العامة بأن أحد عشر بقعة أرض معدل مساحة كل منها 135 ياردة مربعة في منطقة المعلا المستصلحة المواجهة لطريق المعلا الرئيسي ستعرض للبيع بواسطة المزاد العلني بثمن اساسي قدره 500 شلن للياردة المربعة.

2- ستؤجر الارض بموجب عقد ايجار مدته 99 عاماً وسيكون عقد الايجار عرضة لنصوص قانون اراضي التاج.

3- سيطلب إلى الشاري أن يشيد عمارة تجارية وسكنية على البقعة وفقاً لمشروع تخطيط المدينة والقواعد الواردة بمقتضاه.

4- يجب أن تتكون العمارة التي يزمع تشييدها من: إما خمسة أو ستة طوابق ويجب الا يقل علوها عن 60 قدماً وألا يزيد عن 70 قدماً.

5- يجب أن يتكون الطابق الاراضي من دكاكين أو معارض أو مكاتب والطوابق العليا كمكاتب أو نزل سكنية على الا تقل مساحة النزل السكنية التي ستشيد عن 1000 قدم مربع.

6- سيتطلب معاملة هندسية مماثلة بشأن هذه البقع، ويجب تقديم الرسوم التخطيطية الخاصة بالارتفاع التمهيدي إلى كبير المهندسين المعماريين، إدارة الاشغال العامة للمصادقة عليها خلال شهر واحد من تاريخ تأييد البيع.

7- يجب تقديم تصميمات مفصلة إلى سلطة بلدية عدن في خلال ثلاثة اشهر من تاريخ تأييد البيع ويجب أن تبدأ عملية التشييد في خلال شهر واحد من تاريخ المصادقة على مثل هذه التصميمات.

8- يتطلب أن يكون الجدار الأمامي الواقع تحت سطح الارض كجدار واق يجب أن يتم تصميمه تبعاً لذلك وأي موطئ لقدم أو جزء آخر من قاعدة البناء التي تبرز فيما وراء حدود البقعة إلى رصيف المشاة أو معبر نظام المجاري يجب الا يكون أقل من 5 اقدام تحت سطح الارض.

9- يخطر الشارون المنتظرون بأن الارض التي ستباع تعتبر أرضاً مستصلحة وربما يتحتم دراسة اساس البناية دراسة خاصة.

10- سيتطلب الفراغ من تشييد البناية في خلال سنتين من تاريخ التوقيع على عقد الايجار وسيؤدي العجز عن التمشي مع هذا أو أي شرط آخر إلى استعادة البقة دون أي تعويض.

11- لن يكون المزايد الاعلى بالضرورة الشاري ويجب أن يصادق على البيع صاحب السعادة الحاكم.

12- يجب أن يسدد المزايد الاعلى 10% من ثمن الشراء الاجمالي للبقع الخاصة به اثناء عملية المزاد وسيتحتم عليه أن يذكر ما اذا كان يرغب في تسديد عقد الايجار بمبلغ اجمالي أو بايجار سنوي بسعر 6% في العام من ثمن الشراء الاجمالي.

13- يمكن معاينة التصميمات التي تبين البقع التي ستباع وشروط عقد الايجار بين الساعة 9 و 11 صباحاً في أي يوم من أيام الاسبوع في مكتب إدارة الاشغال العامة، كريتر.

14- سيجري المزاد العلني في مكتب إدارة الاشغال العامة كريتر، في الساعة 10 صباحاً من يوم السبت 2 يناير 1960م

و. جاي ديل - كمشنر الاراضي

ادارة الاشغال العامة، عدن

21 ديسمبر 1959م»

المرجع

- علي محمد لقمان، الأعمال الشعرية الكاملة، الجزء الأول، جمع وإعداد ودراسة أ.د. أحمد علي الهمداني، الطبعة الأولى -2006م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى