«الأيام» تستطلع أوضاع مناطق ظمران بالقبيطة .. ظمران طبيعة قاسية وحياة مليئة بالمفارقات

> «الأيام» أنيس منصور:

>
منظر عام لنجد سلم ظمران
منظر عام لنجد سلم ظمران
فوق تلال جبلية ووسط صخور متصلبة وجبال شاهقة تكسوها المهابة والوحشة الطبيعية تتوزع مناطق ظمران بمديرية القبيطة.. منازل قديمة وحديثة وعمارات تلامس غيوم الربيع تفصلها مدرجات زراعية لكل مجموعة من البيوت اسم، وجميعها تسمى ظمران، كثافة سكانية ومساحة ضيقة ومواطنون يتوزعون بين الحضر والريف.. نقوش عمرانية جميلة والأهالي يشكون الظمأ تغلب على طبائعهم العاطفة والهدوء الفطري، يعانون الألم ويقاسون الهموم المتفرقة رغم أنهم أحسن حالاً من مناطق أخرى، لكن السؤال الذي يطرح نفسه إلى متى ستظل همومهم تلوكها الألسن ويغيب عنها التنفيذ.. «الأيام» نزلت إلى قلوب أبناء ظمران وخرجت بحصيلة من الآهات، فإلى التفاصيل:

الطريق إلى ظمران

ما إن تتجه إلى عزلة الهجر صوب ظمران حتى تحل عليك مناظر آليات ومعدات متنوعة، عمال وشاحنات وضجيج يملأ ما بين الجبلين، تقوم بشق طريق الراهدة ظمران، وذكر الأهالي مفارقات بين زمنين، زمن الفواجع ومشاهدة الموت أثناء سير المركبات في طريق جبلية ضيقة كانت تستهلك منهم وقتاً وجهداً وطاقات وخسائر وأعطاباً للسيارات، ولكن هذه المعاناة في الزمن الحاضر انتهت حيث تم تنفيذ شق الطريق وبعدها ستبدأ مرحلة السفلتة على يد المشاريع والأشغال العسكرية الذين بذلوا جهوداً مضنية متواصلة تقبلها الساكنون بالمدح والإطراء، ونشير إليها هنا من باب التزام المهنية الصحفية، وذكر المنفذون لشق الطريق أنهم سيعملون في الطريق بمواصفات دولية لأمن وسلامة السائر من حيث وضع الحواجز الحديدية وعبارات ومنافذ السيول وفق خطط ودراسات، وقد تفضل مدير المشروع المهندس علاء صاحب خلف بشرح صعوبات وعوائق التنفيذ قائلاً: «قسوة وتصلب الصخور تأخذ علينا جهداً مضاعفاً وتكاليف كثيرة، ووجود بعض الأعمدة الكهربائية على مخطط الطريق، وأهم الصعاب التي مازالت قيد المشاورات والمداولات هي موقع المحلات التجارية في نجد السلام وسط الطريق، ويستلزم إزالتها».

وعبر المهندس علاء خلف عن امتنانه لجهود النائب عبدالجليل حازم في تذليل الصعوبات، والصفات التي اتسم بها المواطنون المستفيدون من الطريق في تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية، وهذه الطريق هي (شريان الحياة).

وأضاف:«إن إدارة المشروع عملت على تقديم التعويضات الصغيرة للمتضررين من الطريق، وقد تم رفع تقرير لأحد المتضررين انهار عليه خزان الماء جراء شق الطريق إلى إدارة المشاريع العسكرية».

إذن الجميع في ظمران والأيفوع والكعبين فرحون مسرورون بعظمة الإنجاز بعد عذابات ومغامرات بين الجبال والمنحدرات الخطيرة، حيث كان سفرهم شاقاً ولا تستطيع السيارات السير إلا من ذات النوع المرتفع والقوي (لاندكرورز تيوتا) فقط.

وقال عبدالرحمن أحمد القباطي:«الأهالي في وادي ظمران ونجد السلام أوفياء صادقون تنازلوا عن مدرجاتهم الزراعية لتمر الطريق، لأن الطريق أهم خدمة لهم». وأشار الحاج حسن السيد إلى أهمية وضع منافذ السيول الجانبية للطريق بشكل جيد، حيث تستفيد منها الأراضي الزراعية أثناء تدفق السيول.

سد وادي ظمران
سد وادي ظمران
مشروع مياه فاشل وجفاف

يعتمد الساكنون في ظمران والمناطق المجاورة على مياه الأمطار التي تتجمع إلى خزانات تسمى (السقاية) وأصبح من الضروري لمن يريد بناء سكن أن تكون البداية عمل خزان لمياه الأمطار، فالناس يعيشون شهوراً في الجفاف وشح المياه بعد نفاد المخزون المائي.

يقول الحاج عبدالباقي عبدالقوي حازم ضاحكاً:«هذه المنطقة اسمها (ظمآن) وتصدق عليها أغنية أيوب طارش (مكانني ظمآن).. نشرب ونغتسل ونطهو الطعام من مياه السقاية، وهي في الحقيقة مياه غير صالحة للشرب حسب نصائح الأطباء والمختصين، وتسبب أمراضاً خطيرة، ولكن الضرورة أجبرتنا على ذلك».

هكذا هي المحن والمفارقات، ففي الوقت الذي يعيش فيه أبناء ظمران حالات الطوارئ وتقطع النساء مسافات الصعود للمرتفعات كرهاً في الأيام المشمسة بحثاً عن قطرات الماء، فإن أشياء كثيرة تبعث على التساؤل ما هو مصير مشروع المياه المدعوم من الحكومة اليابانية، وتعاقب عليه مقاولون، وفيه دراسات هندسية ومضخات تحويلية وإنفاق وأموال طائلة، مرت الأنابيب من وادي ورزان حتى نجد سلام ظمران ولم يستفد منها المواطنون سوى عمى العيون من تكرار النظر إلى خط الأنابيب، وغرف المشروع تنعى ذاتها الواهنة وأصبحت موقعاً مهماً لملصقات الدعاية الانتخابية، عليها خيول وشموس وسنابل ونجوم.

أجاب عن التساؤل الشيخ عبدالملك ياسين عبدالملك عضو المجلس المحلي، وله بصمات خيرية ومتابعات طويلة، يتأبط أوراقاً وملفات ودراسات خاصة بالمشروع قائلاً: «مشروع مياه ظمران له عشرون عاماً منذ تأسيسه وعلى مراحل.

ولكن لم يسر المشروع وفق دراسات هندسية ومواصفات تتناسب مع طبيعة المنطقة وارتفاعها عن مستوى الأرض، الأنابيب والخزانات أيضاً لم تتناسب وفق تصميم هندسي مع المضخات التحويلية، وكان المقاول الأخير أحد أسباب فشل المشروع، تعامل معه مجرد تحصيل حاصل، أجرينا جميع المحاولات لتوصيل الماء إلى نجد ظمران وإسعاف الناس مما هم فيه، وأخيراً قام عمال الأشغال العسكرية بفصل الأنابيب وتركت منفصلة ومعرضة للسرقة والتلف، وعبر صحيفة «الأيام» أناشد قيادة المحافظة والمديرية إعادة تأهيل المشروع وإنقاذه من الهلاك وإعادة النظر لتشغيله والنهوض به للاستفادة منه».

وأشار عضو المجلس المحلي لمناطق ظمران إلى أن موضوع مشروع المياه بحاجة إلى تحقيق منفصل ولا يمكن الإحاطة به من خلال جرة قلم.

موضحاً أنه سوف يزودنا بوثائق ومذكرات كدلائل دامغة لمشاريع فاشلة بذلت الدولة فيها أموالاً طائلة لتكون النتيجة (صفر).

وقد أضاف الحاج ياسين عبدالعليم قائلاً:«مشروع مياه ظمران يضرب به المثل في الشيء المستحيل، حيث يردد الأهالي أمثلة وعبارات وقصائد شعرية وفكاهات عن مشروعهم الفاشل في الدولة الفاشلة حتى في مشاريعها التنموية، ومن المفارقات التي تبعث على الحسرة والندم لكل من يمر مرور الكرام أو تستهويه الزيارة إلى ظمران ليس للنزهة ولكن للتفكر والمشاهدة لعبث السلطة وفسادها، إنه سد وادي ظمران الضخم لم ولن يستفيد منه الناس في تغذية الآبار أو سقي المحاصيل الزراعية.

بل أصبح وبالاً ومشكلة تتجمع فيه الحوادث والوفيات، وأضحى سد ظمران مأوى للثعابين والحيات والزواحف والحشرات الضارة وتكاثر البعوض، وموطناً لأمراض الملاريا والبلهارسيا».

وعلى مقربة من السد التقينا امرأة في الستين من عمرها خلف قطيع من الأغنام قالت كلاماً طويلاً وشتائم، اسمها نسيم عبده هزاع، أكدت أن سد وادي ظمران نموذج بسيط لعشوائية المشاريع وعشوائية النظام الحاكم، الذي لا يدري كيف يعمل وماذا يعمل! ودعت الحجة نسيم المجلس المحلي للمديرية إلى وضع آلية وخطة للاستفادة من سد ظمران في أسرع وقت ممكن.

ويؤكد الجامعي محمد محفوظ يسلم أن معاناة المواطنين من ناحية المياه لا توصف، ويقول:«المشروع كما ترى يتحدث عن نفسه، فرحة ما تمت، وأصبح الماء هو الهم الأساسي والقاسم المشترك بين جميع المناطق والقرى المحيطة بظمران، وتنجلي الفاجعة في أن كثيراً من الغادين والسائرين والمسئولين يشاهدون شريط الأنابيب المتصل، وفي ظنهم أننا في نعمة، بينما الأمر على العكس من ذلك تماماً، وأجدها فرصة لأناشد عبر «الأيام» جهات الاختصاص لمعالجة المشروع».

أعمال شق طريق ظمران
أعمال شق طريق ظمران
بشائر التعليم وبؤس الصحة

طلاب يتعلمون، ومعلمون منهمكون في التدريس، فصول دراسية نموذجية، تحدث المعلمون كثيرا والآباء وأولياء الأمور أحاديث الإطراء وعبارات الثناء على جملة من الإصلاحات التربوية التي شهدتها مدارس القبيطة، ومنها مدرسة السلام، ومنع الاستقطاعات المالية غير القانونية، وإعادة تأهيل المعلمين في دورات تدريبية لكسب مهارات حديثة متناسبة مع أنظمة العولمة، وتفعيل دور مجالس الآباء والأمهات في جميع المدارس، والتقليص من ظاهرة الغش والمتابعة المستمرة للأداء التربوي من قبل الموجهين والمفتشين، ومحو بعض المظاهر والممارسات المخلة بالتعليم التي تم القضاء عليها من تراكمات الماضي بجهود مدير مكتب التربية والتعليم بالمديرية عبدالكافي عبداللطيف، ولا يعني ذلك عدم وجود أخطاء لكن الحقيقة تعزز أن هناك نقلة نوعية إلى الأحسن والأفضل، ومبشرات تظهر كل يوم تقول إن التعليم في عافية، نتمنى أن يظل بهذا الأداء الجميل الواعد بمستقبل الخيرات، ليعود طلاب القبيطة مثل أيام زمان. في مناطق ظمران مستوصف صحي يفتقد الكثير من التجهيزات الطبية، وجهاز الكشف الذي تعطل، فرغم ضخامة المبنى والأقسام إلا أن هناك إهمالاً وتسيباً.

تحدث المواطنون عن أنهم يذهبون إلى عيادات خاصة في الراهدة للعلاج، وأن المستوصف ينقصه العامل المخبري والنظافة والعلاجات المجانية، حيث تنتشر أمراض الجهاز التنفسي والربو والتهابات المفاصل والإنفلونزا خصوصاً أيام الشتاء، ويتضح جلياً أن الوضع الصحي يسير في ظمران من سيئ إلى أسوأ، فالمستوصف بحاجة إلى معالجات تشفي جراحه المتقيحة، ولم يعرف المواطنون أن في ظمران مستوصفاً إلا أيام حملات التطعيم، ومن يريد الإحاطة بالأوضاع البائسة للجانب الصحي فعليه بزيارة مباغتة وبدون مقدمات ليكتشف حيثيات كل ما سبق ذكره، هناك مآس وقهر وهموم لم نستطع الإحاطة بها لأن استطلاعنا كان حصيلة ساحتين، وللتوضيح نؤكد أن في القبيطة مناطق أشد معاناة وجراحاً من مناطق ظمران، ولنا جولات أخرى لمناطق وقرى عيريم- الكعبين، وادي البير- دياش، جبل النبي شعيب، إيفوع.. فإلى أن نلتقي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى