«الأيام» تستطلع أوضاع مناطق القبيطة ..ثوجان بين منغصات الطرق والجفاف الموسمي ومستوصف يأكل بعضه بعضاً

> «الأيام» أنيس منصور

>
طرق جبلية متعرجة تربط ثوجان بالمناطق المجاورة
طرق جبلية متعرجة تربط ثوجان بالمناطق المجاورة
خلف جبال شاهقة تلامس الضباب تتوزع عشرات المنازل القابعة على مرتفعات تحكي حقيقة الألم وصبر المواطنين وجلافة العيش، لكل مجموعة من البيوت تسمية تدل على المسمى تجمعها اسم (ثوجان) يبلغ تعداد سكانها 4000 نسمة السواد الأعظم منهم هاجروا نحو المدن والبوادي للعمل والإقامة في السهل، بدلاً عن الجبل وطابور طويل من الناس هاجروا بحثاَ عن لقمة العيش، لم يبق في هويتهم سوى مكان الميلاد في (ثوجان)، تتنوع المآسي وتتلون في مناطق (ثوجان) تلون الحرباء بين طرق متعصية وجفاف موسمي ومماحكات السياسة، ومستوصف صحي تفتت جدرانه وتساقطت نوافذ وأبواب أقسامه بفعل دابة الأرض (الأرضة). ثمة أشياء تبعث على الغثيان وتصيب المشاهد بالزكام، ويتساءل الإنسان أين زعيق السلطة ومنجزاتها؟! أين ومتى وكيف؟؟؟. ولهذا نترككم مع التفاصيل.

الطريق إلى (ثوجان):

الطريق إلى (ثوجان) أصعب من الطريق إلى جبال (تورا بورا) سفر طويل وشاق يبدأ من وادي حدابة المليء بالالتواءات والصخور حتى نجر الوزف حيث يسكن ملك الموت لا تسير فيها إلا السيارات القوية والمرتفعة ويكون السير بسرعة السلحفاة، رويدا رويدا، يرتفع الإطار يلتصق بالصخور فلا حراك إلا بعد محاولات. يقول الأستاذ سمير سعيد نعمان:«لا تستطيع سيارتان المرور ذهابا وإيابا حتى تقف إحداهما في انتظار الخروج من نفق الطريق المروري، في طريق نجر الوزف الذي يؤدي إلى (ثوجان) و(الحنكة) و(شرار) طريق جبلي لا يصلح لسير الحمير»، وأضاف السائق ضياء الثوجاني: «المشي في هذا الطريق نوع من المغامرة والمخاطرة بالحياة ففي موسم الأمطار تسقط أحجار كبيرة وتسد الطريق ويعيش الناس معزولين عن العالم باستثناء قليل منهم يتغير مسيرهم إلى طرق أخرى بمسافات مضاعفة وهلاك محقق». وفي اتصال تلفوني وأثناء مرورنا بالطريق، قال صلاح الدين الجهوري:«إن جميع طرق القبيطة بما فيها طريق نجر الوزف ثوجان لم ولن تلقى أي اهتمام إلا أيام ما قبل الوحدة نظرا لحساسية مناطق الأطراف بين الشطرين سابقاً، فكل ما هو موجود عبارة عن مبادرات ذاتية شخصية ابتغاء الأجر فقط»، وقد وصف عدد من السائقين قلب المعاناة «إن الركاب عند مرورهم ترتفع أصواتهم بالأدعية النبوية والآيات القرآنية والمأثورات خوفاًَ من سوء المنقلب وكآبة المنظر، ووعثاء السفر صعوداً إلى أعلى شاهق وأحيانا يضطر سائقو السيارات إلى إنزال الركاب والحمولات للتخفيف على السيارة ويسير الناس على أقدامهم حتى يتم تجاوز مواقع ومنعطفات الخطر».

وقد عبر توفيق صالح أحمد عن مناشدته إلى جهات الاختصاص قائلاً:«قيمة إيجار نقل الدقيق واسطوانات الغاز كثيرة جدا والسبب الطريق، فنناشد الدولة بتوفير وحدة شق وسفلتة الطريق تخفيفا لعذابات البشر». وأثناء الزحف إلى أسفل عقبة الوزف لفت انتباهنا قطع حديدة صدئة لبقايا سيارات هوت متدحرجة في حوادث قديمة، تلك هي منغصات الطريق إلى ثوجان وما حواليها.

جفاف موسمي ورحلات شاقة:

قضية الجفاف وشحة المياه، هي القاسم المشترك لكل مناطق وقرى القبيطة، ما يحدث في (ثوجان) يعد مثلاً بسيطاً في طرق الحصول على مياه الشرب، تمر السنوات والشهور متتابعة، وهموم الساكنين يمكن اختصارها في شربة ما نقية، تمر عليهم أيام وهم- كما قالت الحجة نور عبدالله:«تمر أيام ونحن بحمد الله وتمر علينا مواسم ونحن في تعب ونكد وسط الشمس وفي الليالي المظلمة بحثا عن الماء» وذكرت الحجة نور حالات الطوارئ بين مئات النساء والفتيات والعجائز اللاتي يتوزعن منذ ما قبل الفجر حتى منتصف الليل حتى تنفد مياه الخزانات (السقاية) وتجف الآبار، وتوقفت الحجة نور عن الحديث وأجهشت باكية رفضت التقاط صورة لها وهي تبكي تحت ذريعة «عيب التصوير ياولدي».

الأستاذ طاهر الصالحي روى قصص وحكايات أسفار النساء في طلب المياه وكذلك تخصيص جدول في تقسيم نسب المياه لكل منزل خمس (دبب مياه) فقط ،وأن الدولة لم تقدم سوى الوعود الانتخابية التي تنتهي بعد فوز المرشحين، وعبر طاهر عن شكره لجهود وبصمات مؤسسة هائل سعيد الخيرية في بناء خزان حصاد مياه الأمطار لأهالي (ثوجان) تنفيذ المقاول سعيد عبدالحافظ الحيكيمي، وتطرق الصالحي إلى مجموعات من النساء «اللاتي يذهبن إلى مناطق عنفات، فتشرب المرأة نصف الدبة وتعود بالنصف الآخر، وهناك قليل من الميسورين يشترون صهاريج المياه من أماكن بعيدة».هكذا هي الحياة القاسية والعذابات المتكررة بحثاً عن مياه الشرب إضافة إلى منازل بدت للعيان خاوية على عروشها مهجورة منذ زمن رغم جمالالطابع المعماري القديم والميز إلا أنها مهجورة والسبب جفاف المياه لم يجد أبناء ثوجان السرور والأفراح في تزويج الشباب،ولا بمواليدهم وصغارهم الجدد، لم يجد الثوجانييون البسطاء طعم الفرح في الأعياد الوطنية وعيد الوحدة، وإنما يفرحون ويبتسمون ويرقصون عندما يسقط عليهم غيث السماء فترتوي الأرض وتسفح خزانات المياه إلى أعلى، فإن فرحهم الحقيقي هنا صحيحاً حقيقياً كما قال تعالى:?{?وجعلنا من الماء كل شيء حي?}?.

خزان بني على نفقة مؤسسة السعيد
خزان بني على نفقة مؤسسة السعيد
هموم وقضايا التعليم في ثوجان:

نستطيع أن نقول إن التعليم في جميع مدارس القبيطة ومدارس ثوجان يسير بوتيرة عالية واهتمام بالغ ومتابعات جيدة أفضل من الأعوام السابقة بشهادة التربويين وأولياء الأمور وبجهود الإدارة الناجحة الكفؤة واليد النظيفة لمدير التربية عبدالكافي عبداللطيف، وقد حاولنا الجلوس مع بعض المعلمين والمعلمات والطلاب للبحث عن هموم وقضايا التعليم في ثوجان، فتناول الأستاذان توفيق صالح ونعمان عبدالله موضوع المجمع التربوي المغلق منذ سنتين، وأصبح مأوى للثعابين والحشرات والوطاويط، ظهر على جدرانه الخارجية أثر الملوحة، وأشار الأستاذ عبداللطيف غالب حسن إلى نقص معلمي المواد العلمية مشيراً بيده نحو معلم يعمل متنقلاً بين مدرستين إحداهما في الحنكة والثانية في ثوجان، وذكرت خمس طالبات من مدرسة أسماء للبنات المؤامرات الداخلية والخارجية التي تستهدف مديرة المدرسة لا لشي مخالف بل لحاجة في نفوس البعض لم يستطيعوا قضاءها حتى الآن فالدم سلم سلم.

مستوصف يأكل بعضه

في مناطق ثوجان مستوصف صحي يقدم خدمات جيدة متواصلة لكن المبنى ينذر بكوارث مستقبلية؛ تصدعات وأخاديد صغيرة توحي بسقوط السطح وتهالكه عما قريب، أبواب ونوافذ خشبية تسقط وتتفتت تراباً، تنتشر الأرضة بشكل سريع ومخيف فرغم ارتفاع أعداد السكان والفئات المستهدفة المستفيديين من خدمات المستوصف لكن المستوصف يأكل بعضه وبحاجة إلى إعادة تأهيل وترميم وتجهيزات طبية. عرض علينا مدير المستوصف هاشم منصر الجحيلي قصاصة ورقية تحتوي على متطلبات ونواقص أهمها الأثاث والترميم والسور وخزان المياه ونقص السرر والفرش وجهاز الأشعة. وعن أهم الأمراض المنشرة قال هاشم «الالتهابات بأنواعها والمغص الكلوي وحالات الإسهالات وتنتشر الإصابات بالكسور العظمية والجروح الخارجية نظرا لطبيعة المنطقة الصعبة» وأضاف مدير المستوصف «لدينا حارس المستوصف محمد نعمان هاشم منذ سبع سنوات ولم يتم توظيفه تقدم بطلبات وشرحنا وضعه الاجتماعي لجهات الاختصاص لكنه لم يجد أي تجاوب». كانت تلك هي محطتنا الأخيرة لم نستطيع الدخول إلى كل تفاصيل المطالب التي تحتاج إلى فريق صحفي يدرس أوضاع مناطق ثوجان يقدمها للملأ من ساحة المأساة. لكلمات الأخيرة التي ودعنا بها ثوجان هي مناشدة بالإسراع بربط المساكن بالتيار الكهربائي بعد أن مضت شهور من تركيب أعمدة الكهرباء والتوقف بدون معرفة الأسباب لأن الفوانيس والقماقم لاتزال وسيلة أساسية للإضاءة وفي ثوجان ملفات ووثائق تتحدث عن مظالم ليس لها نهاية نكتفي فقط بالإشارة لها بخطوط عريضة ولنا معها وقفات قادمة إن شاء الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى