نساء في ذاكرة الأيام:الأستاذه الفاضلة شفيقة خليل وحديث في ذكرى الاستقلال ..حب تلميذاتي هو رصيدي الذي أفتخر به

> «الأيام» كفى الهاشلي:

> من أول المعلمات اليمنيات المنتدبات للدراسة خارج عدن 1947م في كلية أم درمان بالسودان وبصحبة السيدة فوزية جعفر حرم المرحوم عبدالرحمن جرجرة وحاصلة على دبلوم دار المعلمات بعدن.

كسبت حب قاعدة كبيرة من أوساط الشباب ومازالت هي الرصيد الحقيقي الذي تعتز به حتى اليوم وهي الشهادة التي كرمها بها الوطن كل يوم.

ما دون ذلك لم يعترف به وطن ما بعد الاستقلال حينها سوء ممارسة بطش الحقوق وتأميمها .

كما ربت الأجيال ربت طفليها اللذين تميزا بفضل تربيتها الفاضلة ابنها عبدالرحيم عثمان الحاصل على الماجستير من لندن والدكتورة مها الحاصلة على الماجستير من القاهرة، غير أن الأول ذهب للكمبيوتر والاتصالات والأخرى توجهت للطب والمختبرات .

تنقلت من مدرسة ومديرة في مدارس البنات وبعد خبرة تحولت للتوجيه الفني ثم للتفتيش الإداري وقدمت استقالتها بحجة التقرير الطبي لتخرج من سوء الأوضاع بعد الاستقلال ليبقى سجل عطائها نظيفاً يرفع الرأس لواحدة من أبرز النساء في عدن ومن قائمة اللواتي أخضعنا لهن صفحة من الأيام وهي أقل شيء نقدمه لهن ، إنها معلمة الأجيال المربية الفاضلة الأستاذة شفيقة محمد خليل اليناعي .

منذ مطلع القرن العشرين وعدن بدأت تتحرك نحو التحديث وبرزت فكرة التعليم تتوطن فيها فظهرت المدارس النظامية الحديثة لتخرج عدن من حلقة التعليم التقليدي (المعلامات) التي استمرت حتى منتصف الثلاثينات حيث لعبت معلامة الحاجة سعيدة دوراً بارزاً كمؤسسة تعليمية وحيدة للبنات في عدن.

في تلك الفترة دفعت بعض الأسر(1934م) بناتهم للالتحاق بالمدارس الخاصة بالبنين في المعلا.

وعندما بدأت الخطوات نحو وجود مدارس خاصة بالبنات كانت مدرسة الشهيدة فاطمة بالمعلا بعدن أول تلك المنجزات وتألقت بها مدرستنا الفاضلة الأستاذة شفيقة خليل التي عملت في الأول من يناير 1949م والتي بدأت كمعلمة في مادتي اللغة العربية والرياضيات في مدرسة من أربعة فصول لا غير واشتهرت في الوسط التعليمي بمربية فاضلة ومديرة متميزة .

مسيرة من الحياة التعليمية كانت حافلة بالعطاء والتألق استطاعت أن تنشئ فيها جيلاً لعلنا اليوم نفاخر بهم كثيراً أينما حلوا ووجدوا أمثال المحامية القديرة راقية حميدان.

مسيرة دفعت بها الأستاذه شفيقة أجمل سنوات عمرها لدرجة أنها لم تنسَ حتى يومنا ولم تمحَ صورتها وقوام شخصيتها وسلامة فطرتها ومصداقية عملها من ذاكرة كل من يراها ويسمع عنها بل ويقترب منها.

تلازمك صورة عدن الحضارة والتاريخ والعلم لأنك ببساطة تفتح معها صفحات أجمل سنوات التعليم حين كان صوت القلم ونور العقل هما المقياسان الحقيقيان لتحديد درجات النجاح والتفوق وتفتح معها صفحات بيضاء من سلك التعليم حين كان المعلم الأب والصديق والمرشد والمعين والمحمس لتلقي مزيد من التحصيل العلمي وترحل بك الذكريات بل والأحلام لمعانقة ذلك الماضي الجميل الذي خلت صفحاته من الرشوة والغش والمحسوبية وكأنك ترحل لتعيش لحظات حرمنا منها كجيل حاضر .

عدنا معها لسنوات العطاء حين كانت معلمة في المدارس الابتدائية للفتيات قبل الاستقلال ومديرة لها وقالت لنا عنها:«لقد عشنا أجمل اللحظات ابتداء من دراستنا وحتى أصبحت مدرسة فمديرة وكنا نتعاون مع طالبتنا بلا استثناء لا تمييز لا تفريط بالعمل منحنا معلمات المدرسة الثقة في أداء الواجب لطالبتنا وأجمل ما في ذلك الزمن ونحمد الله عليها الآن أن تلميذاتنا أينما وجدن يقدرننا ويحترمننا كثيراً وأتفاجأ عندما أعرف أنهن يتذكرنني ويكنن لي التقدير، إنه شعور لا تساويه كنوز الدنيا، أما النظام والسلطة التي حلت بعد الاستقلال فقد كانت من أبشع ذكريات الماضي فمنذ خروج الاستعمار الذي من المفترض أن يكون هو المجحف تفاجأنا بنظام أبشع وأجحف وهضم حقوقنا كثيراً، يا ابنتي كنا نعمل ولا أحد يملي علينا عملنا لأننا متحملون مسؤولية ما نؤديه ونقدمه ولم يتجرأ أحد أن يملي التعليمات علينا بعكس حكومة ما بعد الاستقلال باستثناء الرئيس الأسبق علي ناصر محمد فهذا الرجل هو الوحيد الذي قدر دورنا والوحيد الذي كرمني وأختي بعد الاستقلال فما حظينا به من تكريم كان من اتحاد الجنوب العربي قبله أما بعده حظينا بتكريم من محافظ محافظة عدن طه غانم لكن الحق يقال إن علي ناصر هو من كانت مكرمته لها وقع في نفسي لأنها تشعرنا بأننا فعلاً نكرم لأنها لا بوصاية ولا بمظاهر ومازلت أتذكر هدية إلى جانب الشهادة وهي مجموعة أقلام باركر وساعة رائعة وسته ألف شلن».

وعندما عدنا معها لسنوات ما بعد الاستقلال واللحظات الأولى قطبت جبينها وتنهدت وقلت في نفسي حينها ياااااااه ألهذا الحد كان الإجحاف بحقها مؤلماً؟! لكنها لم تجرح أحداً قط في حديثها على الرغم من المعاناة التي لقيتها حين كان الطلاب يقتحمون مدارس الفتيات لإخراجهن في المسيرات والتظاهرات للمشاركة في الصراع الدائر آنذاك بين فصائل العمل الوطني، صمدت رغم كل تلك الفوضى ولم تجعل الفتيات ضحايا التيارات السياسية المختلفة.

الحديث عن المدرسة ودورها قبل الاستقلال وبعده وحالياً جرفنا لسيل من الذكريات نستعرض القليل منها وخاصة ما تقدمه الإدارة لتلميذاتها، فمع بداية كل عام دراسي كانت الطالبات يحظين بكراريس وأقلام ومساطر وكتب يتم توزيعها لهن من إدارة المدرسة التي تستلم الدعم من الوزارة لتسهل التعليم للفتيات وتشجعهن عليه، وكن يجدن أنفسهن قد أعفين من الرسوم حين لا تستطع أسرهن دفع مبالغ الرسوم. بل وتتفاعل أستاذتنا القديرة في عمل المعارض المساعدة على إبراز مهارات الفتيات في المدرسة وبيع المشغولات للحضور وكسب المدرسة مبالغ تفيدها عند الحاجة للقيام بعمل إنساني مع طالبة من الطالبات.

ويعود بنا الحديث لجهود الدولة حين كانت تفكر بالتعليم لدرجة توفير إفطار لكل طالب، ماض مبتسم بكل معنى الكلمة لتلك الأجيال التي تفردت الآن وتميزت عن جيل اليوم الذي ما عادت المناهج تغذيه ولا أصبح التعليم يهمه ولا المستقبل أساسه غير تمرير أمور التحصيل العلمي كما تمر ظروف الحياة الصعبة للناس في ظل الفقر وغياب الاستراتيجيات الحقيقية.

ولأن التاريخ لا يغفر لمن يخطئ بحق أبنائه كانت صفحات حياتها في مضمار التدريس والإدارة المدرسية، نزيهة نظيفة خالية من مستنقعات الحياة ودليل ذلك أنه بعد اختلاط الأمور والفوضى التي حلت بعد الاستقلال فضلت الاستقالة وما كان ذلك ليكون إلا بفضل تقرير طبي أخرجته لتقول وداعاً لزمن الفوضي ليس مكاننا ها هنا وقررت أن تبقى بعيدة عن ساحة المحسوبيات والمصالح الشخصية فهي من علم الأجيال كيف يكون حضارياً محارباً بعلمه لا بالبذاءات والخروقات القانونية والحياة العشوائية وسجل لها التاريخ في السادس عشر من أغسطس 1972م يوم الوداع من مزاولة العمل في التربية والتعليم .

ما قدمته العملية التعليمية

وعن الوضع اليوم قالت أستاذتنا :

«العملية التعليمية في الماضي رغم بساطتها ومحدوديتها إلا أنها رسخت في الأذهان رسوخ الجبال وطبقت المثل القائل: العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وما تعلمناه في الماضي لايزال في الأذهان نظراً للقدارت والكفاءات التي كان يتمتع بها معلمونا بعكس أبنائنا اليوم فكل ما درسوه بالأمس لا يتذكرونه في اليوم التالي لسببين؛ الأول: أن الغرف الدراسية اليوم أصبحت مكتظة بالطلبة مما يعيق المدرس عن أداء رسالته على الوجه الصحيح للعملية التعليمية.. الأمر الثاني: هو أن المبتكرات والاختراعات والأجهزة الالكترونية أصبحت تشغل الطالب وتلهيه عن دروسه».

أما عن المعلم وتعامله مع تلامذته فتقول:

«المعلم هو سيد الموقف وحجر الزاوية (كما يقولون) وهو أقدر الناس على إدراك الظروف المحيطة بالتلميذ لذلك لابد أن يهتم بمادة الدرس وأساليب التدريس مع استخدام الوسائل التعليمية المناسبة لكل درس ومعرفة الفروق الفردية بين أوساط تلاميذه والاجتهاد في تطوير مهاراتهم من أجل اكتساب المعرفة .

ولابد من الاهتمام بتربية الجسد والوجدان والخلق لتحقيق النمو المتكامل في شخصية التلميذ لاسيما وأن تقدم المجتمعات مرهون بتفتح شخصيات أفرادها».

وترى الحلول التي يجب أن تفرض لسير العملية التعليمية سيراً حسسناً بضرورة مواكبة عملية التطور العلمي والتقني في العالم وما يرافقه من تحسين في الأوضاع الاجتماعية والتنموية وما يحتويه من تغيير مستمر وما يتضمنه من علم وتكنولوجيا.

وبمناسبة عيد الاستقلال نقول لأجيال المستقبل طلبة وطالبات شباناً وشابات نقول لهم جميعا : المثل القائل : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك .

فالعالم من حولنا يتقدم وينمو والعلم يتطور باستمرار وعقل الإنسان لا يكف عن التفكير والابتكار وفي ظل الوحدة المباركة توفرت كل الوسائل المؤدية إلى النجاح فعلينا أن نغتنم هذه الفرصة ونجعل من بلدنا بلد الحضارات والتقدم والرقي .

أما عن واقع المرأة اليوم فقالت عنه:«المرأة اليوم أفضل منها بالأمس ثقافة ومكانة ودراية كون المدارس اليوم مفتوحة للمرأة على مصاريعها في جميع أنحاء الوطن والثقافة بدأت تنتشر بين أوساط النساء فأصبح منهن الصحفية والمعلمة والمذيعة والسكرتيرة والوزيرة كما أصبحت التكنولوجيا منتشرة وفي متناول الجميع ولا فرق بين المرأة والرجل» ورصيد العدنيات في النضال كما ترى:

وأما رصيد العدنيات في النضال فتقول عنه:« المرأة العدنية أسهمت في جميع ميادين النضال سواء منه الثقافي أو التربوي أو الاجتماعي أو السياسي وأبرزها نضالها كان ضد الاستعمار البريطاني حيث أسهمت في كل ميادين النضال آنذاك.

والمطلوب الآن وفي ظل عصر التكنولوجيا علينا أن نهيئ للمراة طريقها ونفسح لها المجال مع أخيها الرجل في جميع النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية».

كلمات اللقاء الأخيرة تقدمت بها الاستاذة الفاضلة لكل طالباتها اللواتي مازلن يقدرنها ويحترمنها ويسألن عنها طيلة السنوات الماضية بحب وصدق ولـ«الأيام» ممثلة بالناشرين هشام وتمام باشرحيل ولعائلتهما الطيبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى