لمحة عن العمارة في عدن قبل الوجود البريطاني وبعده

> «الأيام» حسين محمد الدحيمي:

>
مجمع ثكنات في الخليج الأمامي (ثانوية لطفي حالياً) تظهر فيها الشرفات والغرف الواسعة التي تسمح بالتهوية الكاملة (نحو 1845م)
مجمع ثكنات في الخليج الأمامي (ثانوية لطفي حالياً) تظهر فيها الشرفات والغرف الواسعة التي تسمح بالتهوية الكاملة (نحو 1845م)
عدن لها طرازها المعماري، الذي يتجلى في قلاعها وأسوارها وقصورها منذ أقدم الأزمنة، لدرجة أن البعض أورد أساطير وشطحات بعيدة الاحتمال، وجعل من معالمها خوارق قامت بصنعها الجن وعباقرة البشر، كما ورد في تاريخ المستبصر لابن المجاور.

لقد كانت عدن في عهد الزريعيين عامرة وازدادت عمراناً في عهد الغسانيين، وأول من بنى سور عدن آل زريع من حصن جبل التعكر إلى جبل حقات وجعلوا له أبواباً وأسماؤها معروفة.

ومن القصور المشهورة دار السعادة بناه سيف الإسلام طقتكين بن أيوب من جهة حقات، والبعض نسب بناءه إلى المجاهد الغساني.

كذلك دار المنظر لراعي محمد بن الزريعي، وكانت على جبل حقات، ودار الطويلة ودار البندر أمام المرسى.

لن أتطرق كثيراً لما كان عليه الوضع في الأزمنة البعيدة، لأن معظم ذلك قد اندثر، لكن إذا عدنا إلى فترة قريبة بمقياس الزمن إلى الوقت الذي زار فيه لاروك عدن عام -1708 1710 ، وما رأى وروى عن قصور هذه المدينة ومعالمها، حيث تحدث عن ما شاهده بعينه في تلك الفترة من قصور وحمامات جميلة كانت محاطة بكاملها بصنوف من الرخام والمرمر وحجر الدم ومغطاة بقباب بديعة ذات فتحات ونوافذ تعلو فوق قممها وتتصدر أبراجها من أجل دخول النور، وكانت محلاة من الداخل بأروقة ومحاطة بقاعات ومسنودة بأعمدة رائعة (البهو المسنود) وكانت الأبنية مقسمة بطريقة متناسقة إلى قاعات وإلى غرف مجوفة وإلى مخادع أو حجرات صغيرة يخلو فيها المرء إلى نفسه، وكانت جميع الحجرات والسراديب الأخرى مقنطرة ومتصلة بالقاعات الرئيسية، كل هذا كان موجوداً بين -1708 1710م، وهذا يعتبر تاريخاً قريباً ومع ذلك لا أثر لأي مبنى اليوم.

هناك أبنية أثرية في مختلف بقاع الأرض من الصين شرقاً إلى الكاريبي غرباً، معالمها وأبنيتها أقدم من هذا التاريخ، ومع ذلك لا تزال قائمة حتى اليوم، إذا سلمنا بعوامل المناخ والزمن وكوارث الطبيعة، هذه العوامل تحصل في كل مكان.

هناك حقيقة تاريخية لعدن فهي تزدهر بشكل كبير لفترة من الزمن ثم تتدهور وتهمل فترة أخرى، وقد تطول هذه الفترات، كذلك البشر يتقاطرون من كل حدب وصوب عندما تكون في حالة ازدهار، ثم يتركونها حين يحصل العكس، وتبقى المدينة تداري معاناتها لنفسها.

عند احتلال الإنجليز لعدن عام 1839 جاء هذا الاحتلال بعد فترة إهمال ومعاناة طويلة تدهور كل شيء فيها واندثر كثير من معالمها التاريخية، الاحتلال فعل فعلته، بعض المواقع التي هو في أمسِّ الحاجة إليها قام بترميمها وإصلاحها مثل الأبواب والقلاع، لغرض دفاعي بحت، بينما بعض المواقع ساهم في ضياعها ومحو معالمها مثل سور عدن والمباني القديمة القريبة منه، حيث تم تسوية هذه المنطقة الأثرية المهمة، وذلك لإقامة معسكر لقواته، الذي سمي بالرزميت، بعض هذه المباني والقصور كانت مهجورة والبعض الآخر أعطي لأصحابها تعويضاً وتركوها.

دار في طريق العيدروس بكريتر (نحو 1945م)
دار في طريق العيدروس بكريتر (نحو 1945م)
أحد التقارير عام 1830 أشار إلى وجود نحو تسعين منزلاً مبنياً من الحجر في حالة مخربة بينما عاش السكان في قصب مشتركة أو أكواخ.

كان تصميم البيوت في عدن قبل الاحتلال يحكم بثلاثة متطلبات رئيسية:

أولاً: يجب أن تكون سهلة للدفاع متى تعرضت للهجوم.

ثانياً: أن تبتعد عن أشعة الشمس والرمل.

ثالثاً: أن يكون هناك غرف خاصة جداً لنساء العائلة.

في الطابق الأرضي مجرد مدخل يؤدي إلى مخزن ويخصص للحيوانات.

والغرف في الدور العلوي يصعد لها من سلم ضيق متعرج من دون نوافذ ومظلم جداً في أغلب الأحيان. في الطابق الأول عادة غرفة للضيوف وفي الطوابق العليا للبيت توجد غرف العائلة ومطبخ وفناء مفتوح.

إن الحيطان سميكة والنوافذ صغيرة أغطيتها مفتوحة وغير مزججة عموماً ومنخفضة جداً، بحيث يمكن رؤية خارج المنزل عندما يجلسون على الأرض وتساعد على إبعاد وهج الشمس المُعمي للبصر.

يعتمد حجم الغرف على طول الأخشاب، والأرضية تغطى بالحصيرة وطبقة سميكة من الطين، الطريقة الوحيدة لتوسيع تلك الغرف وجعلها أكبر هي استعمال الأعمدة المركزية.

البناء متوقف على ثروة المالك وعدد الزوجات والأقرباء ومفهوم هذا التصميم عموماً يبقى دون تغيير ضمن (كريتر).

بعد دخول الاحتلال البريطاني أثرت بنايات الجيش على الهندسة المعمارية المحلية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

كانت في بادئ الأمر طفيفة، لأن عدد السكان كان صغيراً وفقيراً، اعتمدت الحركة العمرانية في عدن بعد الاحتلال على الحركة التجارية في المدينة وعلى متطلبات الجيش البريطاني، ومع مرور الزمن توسعت هذه الحركة وخاصة في كريتر والتواهي وتنوعت حسب تنوع البشر القادمين إليها بعد أن خططت المدينة بشكل صحيح،بعد أن خططت المدينة بشكل صحيح (مكرر بتعمد). وبرزت أحياء جديدة وأسماء جديدة وكذلك الأسواق، وظهرت الأبنية مثل: العمارات السكنية متعددة الطوابق والفلل الخاصة. في معظم المستعمرات البريطانية وغير البريطانية جرى الحفاظ على الأبنية التي أقيمت في هذه البلدان، وخاصة القديمة من الطراز الفكتوري، حيث تم المحافظة على هذه المباني حتى بعد رحيل المستعمر وحولت إلى متاحف أو فنادق أو مقرات للبلدية أو المحافظة أو بيوت للثقافة.

منظر عام للخليج الأمامي  بكريتر عام 1905م
منظر عام للخليج الأمامي بكريتر عام 1905م
في عدن الوضع اختلف تماماً حيث أهملت هذه المباني وألحقت بتلك المباني والقصور التي قرأنا عنها في الكتب ولم نرها.

كثير من هذه المباني حولت إلى مقرات حزبية وإدارات حكومية لبعض المؤسسات والبعض الآخر صرف سكناً لأشخاص وفي جميع الحالات لم يتم المحافظة عليها، وجرى تعديل وتكسير وإضافة وبيع، وضاع تاريخ المدينة والباقي فقد جماله وبعده التاريخي والنمط المعماري له.

المراجع:

1)WINDOW AND VERANDA SCREENING IN ADEN by D.B.DOE

2) AJOURNEY THROUW THE YEMEN by WATE B NARRIS

3) ملوك شبه الجزيرة - ماكوبا.

4) صيرة - لعبدالله محيرز.

5) مجلة «العربي» العدد (355).

فنان تشكيلي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى