«الأيام» في مديرية الأزارق بمحافظة الضالع ..عُباب من أوائل معاقل الإخوان وقبلة طلائع المعاهد العلمية

> «الأيام» محمد علي محسن:

>
دار نعمان
دار نعمان
عُباب اسم في الذاكرة نحت منذ حلت طلائع المعاهد العلمية في هذه البقعة المنسية بعد قيام دولة الوحدة، قبل معهد الفرقان كانت القرية الرابضة فوق هضبة في أقصى مديرية الأزارق بالكاد يذكر اسمها أما وقد أقبلت جنود الإخوان المسلمين مقتحمة أهم معاقل الاشتراكية في ذاك الوقت من عام 93م فذاك الخطر الداهم وحده يكفي لجعل عُباب قبلة لطلائع الإسلام واسماً يلوكه كل لسان حتى اللحظة التي ضمت فيها المعاهد العلمية للتربية والتعليم مازالت عُباب ربما الاستثناء الوحيد، فرغم كل ماحدث من ضم وإلحاق وطمس يبقى للاسم ذكرى ومدلول ورمزية.

لأول مرة ننزل فيها لمديرية الأزارق والعمل جار في مشروع الطريق بين عاصمة المحافظة الضالع وهذه المديرية النائية والأكثر فقراً على مستوى المحافظة كما إن حديث الناس هذه المرة بالذات غاب فيه الشكوى والمرارة من تعثر تنفيذ الطريق، حيث كان مقاول المشروع الحالي، والآتي من جهة والأخ عبدالقادر علي هلال وزير الإدارة المحلية عقب زيارته في يوليو الماضي للطريق ووعده لأبناء الأزارق باستئناف وإنجاز المشروع بمقاول آخر وتحت إشراف ومتابعة الوزارة، قد أزالت وبدرت تلك المخاوف والشكوك خاصة بعد إيفاء الوزير بوعده بشأن سحب المشروع وتكليف آخر لتنفيذه وكان لشروعه بسفلتة قرابة الثلاثة كيلومترات ومثلها أو يزيد تم شقها وبانتظار استكمال ردمها وعمل العبارات له بالغ الأثر لدى الأهالي الذين قابلناهم وجلسنا معهم أو قدر لنا رؤيتهم ومشاهدتهم وهم في طريق عودتهم من الضالع على متن سيارات الأجرة، ففي المرات السابقة كانت الوجوه المسالكة هنا مكفهرة ومحبطة ومستغيثة بكاميرا الصحيفة من أجل نقل معاناتهم المستديمة، أما اليوم فلم نلحظ ذلكم العبوس والتشاؤم المرسوم في وجوه أبناء المديرية فيما يتعلق بأهم المشروعات لمناطقهم القفرة والمحرومة ألا وهو مشروع الطريق البالغ كلفته نحو مليار وثلاثمائة مليون (2.300.000.000) وبطول 46كيلومترا للمرحلة الحالية.

وجهتنا كانت ناحية قرية عُباب الواقعة غرب مركز المديرية (ذي جلال) الذي يبعد عن مركز مديرية الضالع بـ12 كيلومترا، وتفصله قرابة خمسة كيلومترات إضافية تقطعها من عاصمة المديرية إلى القرية التي قصدناها صباح الخميس بمعية الزميلين عبدالرقيب الهدياني وعبدالرحمن المحمدي اللذين لم يترددا لحظة وقبلا الانضمام لرحلتنا الاستطلاعية لهذه البقعة المنسية والبعيدة عن وسائل الإعلام، وها نحن نلج قراها الـ508 المترامية والمتناثرة مثل عقد سبحة وعلى مساحة المديرية البالغة 400 كيلو متر مربع وللمرة الثالثة ندخلها بسلام وبحفاوة وترحاب أهلها البسطاء والتواقين لتغيير وجه هذه القرى المعزولة عن التنمية ردحا طويلا وهاهم سكانها البالغ عددهم وفق التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2004م 37.295نسمة موزعين على 5662 أسرة تقطن 5844مسكناً في 508 قرى يلجون الحداثة على مضض، وببطء شديد ودون الشعور بها في كثير من الأحيان بما تحقق لهم من أشياء مثل إيصال التيار الكهربائي العمومي لمعظم القرى، وكذلك خدمة الاتصالات النقالة أو الثابتة والتي عبرها بات المرء بمقدوره مهاتفة شخص آخر أينما وجد ومن هذه الحجرات المتواضعة بوسعه مشاهدة أخبار العالم من الفضائيات العابرة الحدود والقارات ومن يدري كيف سيكون حال هؤلاء مع ربط قراهم بخدمات ضرورية كما الطريق الرئيس أو إمدادها بحنفية ماء الشرب أو منشأة صحية لعلاج الحالات المرضية التي يتم نقل أبسطها لعاصمة المحافظة في ظل افتقار المديريات لخدمة طبية إذا لم نقل سيارة إسعاف واحدة لإنقاذ حياة امرأة تعاني مخاض الولادة المتعسرة مثلما حدث ويحدث في هذه القرى الشديدة المعاناة وفي مديرية تشكو دوماً عسر الولادة لمشروعاتها.

الأخ فضل الحنش العائد لأهله من المملكة العربية السعودية كان مرشدنا ودليلنا إلى مربع عثرته ومسقط رأسه قرية عُباب التي غادرها يافعاً قبل عقدين ونيف إلى المملكة، حيث القدر جمعه بشريكة الحياة هناك وبعد أن ظن لسنوات تالية أن لا تلاقيا مع ربعه وقريته هاهو الطائرالذي قصده شاعرنا الكبير د. عبدالعزيز المقالح في قصيدته الرائعة القائل آخر بيت فيها (عادت طيور الأرض صادحة.. فمتى يعود الطائر اليمني) يعود ليس بمفرده، ولكن بسرب من الطيور المهاجرة ليستقر بها في مدينة الضالع كمحطة ومكان دائم للسفر أو العيش، ونحن في طريقنا إلى قرية أبي أحمد (عُباب) كان صديقي المهاجر يشير إلى الأرض الجرداء التي كانت ذات حقبة يكسوها الاخضرار طوال الفصول الأربعة واليوم الفتيات الصغيرات تجدهن يجلبن الماء على ظهور الحمير ومن مسافة كيلومترات، مشاهد الأطفال الصغار ودباب الماء فوق الحمير كانت كافية لأن تعبر تلك الصورة التي حاولت التقاطها لطفلة تمتطي صهوة حمار مجهد عائد بلترات من المياه ومع ذلك أبت الطفلة الصغيرة أن تعطي وجهها لعدسة الكاميرا وكأنها وببراءة طفولية تدفعني للعن واقعنا المتخلف ونسيان مسألة إصلاحه وتغييره وهو بالفعل ما شعرت به وقتئذ فقط وبمجرد تنحية الطفلة وجهها بعيداً، فلقد صرخت من أعماقي وبحرقة وألم تجاه سحقنا وانتهاكنا الفاضح لحق هذه الأنثى منذ الصغر، ما أبشع وما أقبح ما نغرسه ونفعله في نفوس وعقول فلذات أكبادنا!

معهد الفرقان
معهد الفرقان
دار نعمان تقف منتصبة في السماء منذ قرن وثلاثة عقود بحسب محدثنا فضل الحنش الذي أشار إلى أن صاحب الدار عمره الآن يربو على التسعين فيما بناء الدار تم على يد أسلافه، نظرة من القرية الواقعة أسفله توحي بمهابة وشموخ لا يقاومان، وحتى تصويرها يصعب من دون السماء، خيل لي وأنا أتأمل هذا المعلم الفريد، أن صاحبه أراد مطاولة السحاب أو أناط بداره مهمة الحراسة والذود عن هذه القرى الوديعة بأمان الله، على مقربة من الدار تربض هذه القرى المتجاورة الثلاث عباب والقفلة ونعمان وجميعها تشكل مركزا انتخابيا بكثافة سكانية قدرها ألفا نسمة في الوقت الحالي وتشترك أيضاً بمشروع مياه تم تنفيذه في المنطقة إلا أنه لم يكتب له النجاح، فبعد الحفر لأربع آبار من جهة مياه الريف وبدأ الضخ التجريبي من بئر واحدة كانت كافية لمد سكان القرى الثلاث بحاجتهم من مياه الشرب، إضافة إلى القرى الأخرى الداخلة ضمن المشروع الذي نفذ لخدمة 5 مراكز انتخابية وبواقع 15 ألف نسمة إلا أن عملية الضخ لم تصل إلى الخزان التجميعي، حيث تم الضخ إلى السيلة بدلاً عن جبل الظاهرة، حيث الخزان ومنذ ذلكم الحين انتهى المشروع قبل أن يبدأ الماء يجري في أنابيبه التي ماتزال قائمة، وبعضها مكدس في أماكنها، فيما السبب تم إرجاعه لهبوط التربة في الآبار المحفورة جراء انعدام التغليف لها عقب الحفر.

في عُباب قدر لنا الاستماع للأهالي الذين طغى عليهم الهم العام أكثر من غيره، فحتى وهم في مثل هذه الطبيعة القاسية الطاردة للحياة كان هؤلاء منشغلين بحراك محافظات الجنوب ويعولون كثيراً على جمعية المتقاعدين التي يؤكدون تعاطفهم ومناصرتهم لها، فيما الأحزاب من وجهة نظر البعض لا فائدة ترجى منها، بل وهنالك من حملها وزر ما هم فيه من إقصاء وقسر على التقاعد وبمرتب 20 ألف ريال لأحد المقعدين من الجيش، مؤيدو الأحزاب بكل أطيافها لهم حضور وإن كان مدافعاً وعلى استحياء حتى أنني أشفقت لحال أحزاب المشترك الواقعة بين شقي رحى السلطة من جهة وأتباعها والمحسوبين عليها المغردين خارج سربها من جهة، ووسط ذلك حالة من التيه وفقدان البوصلة تعيشه هذه الأحزاب منذ مدة وكما يبدو بدأت تعي الآن معنى فقدان البوصلة الذي لن يؤدي سوى للمجهول، وما سمعناه هنا من تجاذب وتنافر يؤكد ويلخص قضية جمعية سمعناها أو قرأناها في كل المحافظات.

الأخ عبدالله مثنى أحمد، موجه في مدرسة عُباب الثانوية والأساسية قال لنا:«إن معهد الفرقان الذي أنشئ عام 93م كمعهد للفصول 9-1 وأحيل فيما بعد لمدرسة أساسية إلى جانب مدرسة حديثة نفذت من الصندوق الاجتماعي والمدرستان تضمان 500 طالب وطالبة من -1 11 ، فإلى جانب طلاب القرية هنالك طلاب من قرى نعمان وقصابه وبراط والقفلة والحقل وجمال الدين وشأن والحبلة المعزبة خاصة للسنوات الثانوية.

مواطن آخر فضل عدم ذكر اسمه تمنى علينا زيارة المدرسة في أثناء الدوام المدرسي والتي فيها عجب العجائب من تسيب إداري واللامبالاة من إدارة المدرسة والمعلمين، وحتى أولياء أمور الطلاب الذين لم يتكرم أحدهم بطرق أبواب المدرسة ولو للسؤال عن طبيعة التعليم في المدرسة التي لم تشهد قط حضور من يهمهم الأمر.

المناضل أحمد قائد مثنى تحدث عن معاناته كمناضل حرم من معاش شهري جدير بتضحياته ومعاناته التي لم تقتصر على التضحية بمنزله المكون من دورين وذهب من أجل الثورة بعد تحزيمه ونسفه بانفجار شديد من قبل الإنجليز أثناء الكفاح المسلح، بل ظل مشرداً ومتخفياً لسنوات بسبب انتمائه للجبهة المناوئة الأخرى، وإلى الوقت الحاضر لايزال بلا أبسط الحقوق وكل لجنة تأتي يسجل اسمه في قائمة مناضلين كثر يتم حصرهم دون فائدة حتى تسرب اليأس إليه.

ودعنا أهل عُباب مساء ذات اليوم وقبل أن تودعنا شمس الخميس كنا قد عرجنا على عاصمة المديرية التي قدر لنا التقاط صورة للمجمع الإداري الجديد فيها وكذا المنشآت التعليمية والصحية القديمة المجاورة للمجمع وغيرها، لنعود أدراجنا إلى مدينة الضالع وجميعنا غاية مناه استكمال مشروع الطريق وألا يتوقف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى