عبدالله هادي سبيت.. تكريم الرواد

> «الأيام» أبوبكر السقاف:

> 1- عندما حل اليوم الأربعون بعد وفاة عبدالله هادي سبيت قيل إن تأجيل إحياء ذكراه سيُعَوض بمهرجان في حوطة لحج، وأن كتاباً سيصدر في يوم المهرجان الموعود، وبعد أيام قيل إن اللمسات الأخيرة توضع على الكتاب.. ويوماً بعد يوم طوى موج النسيان الذي لا يتوقف عن التدفق المهرجان.

ترددت في كتابة هذه الكلمات، ولكن حزناً لازمني منذ التأجيل الأول، ثم الثاني جعلني أوقن بأن مجتمعنا يزداد انحداراً في مهاوي التفاهة والنفعية والتباهي الكاذب الفاجر، وهي جميعاً سمات تجعل من الموت مناسبة لصناعة وجاهة، وليس لحظة تأمل في مأساة وملهاة تدفق الزمن، وفي الموت الذي هو أكثر الأمور حظاً من اليقين ومع ذلك هو أقلها حظاً من التصديق.

كان الراحل من القلائل الذين يجمعون في أفق واحد وبانسجام مدهش بين قصيدة الغزل في العامية اللحجية ومدح في يوم ميلاد الرسول الكريم ونشيد بالفصحى أو العامية يستنهض همم الناس في الجنوب والجزائر وفلسطين. كان في وقت واحد معاصراً وتقليدياً دون مناقصة أو مفارقة. ولكنه قدم كل فيض شخصيته في هدوء وتواضع ونأي عن صخب ما ومن حوله، وكأنه معهم وليس منهم. لم يستغرقه الجمع والمجتمع من حوله، فاحتفظ بمسافة غير معبورة بينه ومايزال والتلهف على الظهور والأهمية الفارغة.

ولعل السكينة ومشروع الابتسامة الدائم على وجهه وحدهما يكشفان أنه في غنى عن كل البيارق والشارات والأعلام الكاذبة، حياً وميتاً. فمن يقيم على الصدق لا يقترب من عوالم المقيمين على الكذب. لا أقصد دولة الزمان الزائلة، بل المجتمع الذي يجتر هذيانه وتفاهاته وصغائره. أنت مستغن عنا جميعاً أكثر من أي وقت مضى. ونحن في حاجة إليك. وسلاماً ياعبدالله هادي سبيت.

2- قبل نحو عام تحدثت إلى بعض الزملاء مقترحاً تكريم رواد الشعر الجديد في هذه الديار التي يتحدث بعض أهلها عن ريادة أبنائها للشعر العربي مذ كان، بل وأن الجن من أهله كانوا سباقين في قول الشعر العربي.

الصديق الراحل: إبراهيم علي صادق. عبده عثمان محمد. محمد أنعم غالب. سعيد الشيباني

هذه الأسماء الجميلة كانت ولا تزال جزءاً من ما أسميه مدرسة القاهرة، حيث تفتحت مواهبهم بفعل اللقاء الصدفة والمعرفة في وقت واحد بعد أن كانت عدن الصدفة الأولى. الريادة في عالم الشعر جزء من حداثتهم، بينما بلادهم لم تعرف حتى اليوم الحديث ولا تزال تختنق «بالميت الذي يمسك بتلابيب الحي» كما كتب ماركس مستعيناً بأبيات من شعر الشاعر القومي الألماني العظيم غوته. في سياق أبعد ما يكون عن الشعر. وعلى تفاوت جهودهم وتنوع اهتماماتهم فهم جميعاً وكل على شاكلته من الذين صاغوا في الممارسة والحلم القادم وجهاً جديداً لهذه البلاد التي تعيش في ممانعة ثقافية عنيدة، تزداد ارتكاساً في أغوار جحيمها ومهاوي سقوطها. لا يزال هؤلاء يحضرون في الإحساس اليومي بالحياة، وإن بدا أحياناً أنهم جزء من الذاكرة أيضاً، لأن الزمان اتصال وانقطاع وصيرورة دائمة التدفق.

تنوع إنتاجهم من الشعر الغنائي، والتأمل الشعري والقصيدة الطويلة وشعر الأغنية، وكثير من هذا وذلك يختلج في الذاكرة الجمعية، كلما ادلهم حدث أو غامت الرؤية وطفا السديم أو خطرت صورة ما عن قريب في الخيال الجماعي.. «النجم السامر فوق المصلى»، «كان اسمه علي»، «في ليل مطموس الأنجم.. ضاعت صنعاء، وطواها يم مسود لا جزر فيه ولا مد»، «عمرت كل دار وموطني خراب»، «بكر من التربة غبش يلالي»، «أخي الصغير شاعدلك على أبي»، «الشمس الأخرى»، «زيف الزيف وأحدث ما تعلمناه من لاهوت». فلنكرمهم في صباح يوم جميل أو مساء يفيض بالتقدير والمحبة والبهجة.

25/1/2008

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى