لكم ألف كلمة..ولي كلمة واحدة فقط أيها المثقفون!

> «الأيام» عبدالرحمن إبراهيم:

> في حياتنا الأدبية والفنية والثقافية عامة، ثمة عادة لتكرارها غدت تقليدا راسخا منذ ما يربو على قرن تقريبا، حيث يحتفي المثقفون العرب بذكرى وفاة أو رحيل المبدعين - أقصد المبدعين الحقيقيين، لأن صفة الإبداع كادت لكثرة الاستخدام تصبح هامشية، بل مجانية غير ذات مدلول- في شتى تلوينات الممارسة الإبداعية، وكنا- بعض الزملاء وأنا- طرحنا رأينا في هذا الصدد على المؤسسات الإعلامية والثقافية، سواء كانت مؤسسات إعلامية أم منظمات جماهيرية، غير مرة في إشارات إلى أن تقليدا مثل هذا يعكس ضربا من ضروب الوفاء والتقدير للفقراء والراحلين من قبل الأحياء.

أجل، إنه تقليد جميل حقا، وسيكون أجمل وذا دلالة أكبر وأعمق إذا ما ازدوج هذا التقليد،أي أن لايكون الاحتفاء محصورا على ذكرى الوفاة والرحيل فقط، دون الاحتفاء لمناسبة ذكرى ميلاد المبدع.

من حقنا أن نمارس شكل الفرح والبهجة قليلا، وأن نفتح كوة مهما يكن حجمها، كما نفتح بوابة للطقس الحزين ومواسم للأسى.

من المؤكد أن الثقافة- في شقها الروحي- والمثقفين لن تخسر إلا قليلا من الابتسامة التي أصبحت غائبة، ولا أقول معدومة، حتى لا تصفوني بالمتشائم، لاسيما في هذا الزمن العربي المكرس للبكاء وأهوال الفجائع وتدفق سيول الآلام التي تكتسح الإنسان العربي- سواء كان عاديا أم مبدعا طليعيا- من الجهات الأربع، وليس من جهة واحدة فقط.

لا أشك البتة، أن مثقفا لايدرك مدى حساسية المثقف الفنان المفرطة، وتجلياتها على صعيد التعاطي الإنساني ومقدرته على التقاط تفاصيل الواقع الاجتماعي، وجزئياته الحياتية، وإعادة إنتاجها فنا وإبداعا بامتياز جم وسمو فائق، ولأن الشيء بالشيء يذكر، وددت في هذا السياق أن استرجع عبارة الشاعر الناقد (الأيرلندي/الإنجليزي) الشهير (ت. س إليوت): «إن الفنانين أكثر حساسية من الفئران»، وحينما قلتها في إحدى الندوات، تسأل أحد مثقفينا (الأفذاذ) بسخرية عنا- سامحه الله كثيرا- قائلا للجالس قربه (إيش صاحبنا بدى يخطرش)، ظاناً أن العبارة من بنات أفكاري. وضحكت ملء قلبي بصمت تتطاير منه شرارات السخرية.

عوداً على بدء، أقول إن عملية الاحتفاء ينبغي أن لا تظل محصورة في إطار ضيق، أي لا تكرس فقط للفقداء والراحلين، بل ينبغي أن تتوجه وتتسع لتشمل الذاهبين إلى عالم الخلود والبقاء، والقابعين على كرسي الحياة المحتشد بجمرات الأنين وأفاعي المعاناة اليومية، لكي نضمن لهم شيئا من الدعه، ونؤمِّن لهم جزءً من طمأنينة الروح قبل غيابهم عنا، مرددين قول العرب بعد فقدانهم (لات ساعة ندم..!)، أونكرر بيت الشاعر اليمني المخضرم الذي شهد الجاهلية وصدر الإسلام.

(ذهب الذين أحبهم

وبقيت مثل السيف فردا)

وبخاصة إذا كانوا قريبين منا.. كما هي حال الصديق عبدالقادر خضر الذي غادر الحياة إلى جوار ربه وهو مشحون بالأسى والمرارات والألم.

ولا أخفي تذمري من سلوكيات (البعض البائس) الذي أطلق حزنه المخشب البليد بعد وفاته، وكان أخي عبدالقادر، قبل وفاته بأربعة أيام قد شكا وبكى قهرا وكمدا من أفعال هؤلاء البائسين الذين تجاهلوه وهو يكابد احتراقات المرض وويلاته، وبكيت وضحكت في الآن نفسه من بكاء واستبكاء وندب هذا البعض المتخم بمرضي الزندقة والنفاق حين شاهدتهم يقيمون مراسيم العزاء في أحد المحافل التابعة لمؤسسة حكومية، ورددت في نفسي (تبا لكم) وكررت بيت المتنبي: «يقولون الزمان به فساد .. وهم فسدوا ومافسد الزمان».

آخر حرف من كلمتي يقول العنوني كما شئتم.. وصبوا جام غضبكم علي، لكم ألف كلمة، ولي كلمة واحدة فقط.. أيها (المتثاقـ......) عذرا، أيها المثقفون!!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى