المشاريع الثقافية والعوامل السياسية (3)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> لقد ذهبنا إلى أن هناك فرقا بين السياسة الإسلامية كما وصفناها وبين الإسلام السياسي، فالأخير يخدم مصالح سياسية آنية ضيقة ويجعل من بعض مبادئ الإسلام وسيلة إلى غايات سياسية صرفة، بعد أن يخرجها من سياقها الفكري والتاريخي، ويسكت عن مبادئ أخرى لا تخدمه في سياق أهدافه السياسية، كما يحصل اليوم في كثير من البلدان العربية والإسلامية، فهو إذن يجعل من الغاية الشريفة وسيلة ممتهنة إلى هدف ضيق، فشتان إذا بين السياسة الإسلامية التي تتوخى روح الإسلام ومبادئه العامة والخاصة من غير تشدد أو تطرف أو سوء تأويل أو جمود، وبين تسييس الإسلام وامتهانة وتطويعه والتمترس خلفه واحتكاره لخدمة مصالح دنيوية ضيقة ما أنزل الله بها من سلطان. إن كثيرا من رجال الدين وعلمائهم وأئمة المساجد يقعون في هذا الفخ من غير قصد فيروِّجون للحاكم ويحملون حملة شعواء على خصومه إلى حد التكفير، وهم لايشعرون، ولكن السياسة استدرجتهم ليقولوا في مواقف معينة مهمة ما يمكن توظيفه لصالح السلطة، وقد تكون أقوالهم صحيحة من حيث المبدأ العام، ولكن الخطأ يكمن في توظيفها في ظرف معين ومقام محدد، وحملها على غير الوجه الذي وجدت من أجله، كما قال الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سمع الخوارج يقولون: (لا حكم إلا لله)، إذ قال: «إنها كلمة حق أريد بها باطل».

ومن هنا يظهر الفرق ويتبين الخلط واللبس بين السياسة الإسلامية والإسلام السياسي، فالأولى تعني توخي الإسلام في السياسة، أما الثاني فيعني تطويع الإسلام ولَي أعناق النصوص الإسلامية المختلفة لخدمة مذاهب سياسية لا تتخذ من الإسلام مشروعا حضاريا وثقافيا ودينيا شاملا.

وإنما تأخذ ما طاب لها منه وفقا لمصالحها وأهدافها، ولعل هذا الاتجاه هو الذي جعل البعض ينادي إلى فصل الدين الإسلامي عن الدولة، وهي دعوة خطيرة منكرة، لأن المشكلة ليست في الإسلام ذاته، وإنما هي في تسخيره وتطويعه للأحوال السياسية المختلفة، أو في سوء التأويل أو التشدد والتطرف، ومع هذا كله فالدولة الإسلامية دولة مدنية إذ ليست دينية ولا قبلية ولا عسكرية.

لقد أشار الكاتب أحمد المقري في مقالته التي فجرت أفكارا كثيرة إلى ضربين من الثقافة يسودان في حالة وجود نظام سياسي لا يحمل مشروعا ثقافيا، ولم يصل إلى السلطة انطلاقا من تبنيه مشروعا ثقافيا حضاريا شاملا، بل كانت السلطة غايته الرئيسة، هذان اللونان من الثقافة هما: ثقافة مهزومة متقوقعة مقموعة من النظام المستبد تعمل على النأي بنفسها من ميدان السياسة - على أهميته- وتهرب من واقعها بدلا عن المواجهة، وثقافة أخرى هي ثقافة الحاكم نفسه، وهي ثقافة مواجهة سلطوية تمهد الطريق للحاكم وتبرر سياسته وتسبح بحمده، وهذه الثقافة تترك مضارا كثيرة في الحياة الاجتماعية وغيرها، ومع هذا قد تظهر ثقافة ثالثة تزاحم هاتين الثقافتين، فهي ترفض الهروب والانطواء والترف وتربأ بنفسها أن تكون ثقافة سلطوية، وقد تكون مجرد أصوات فردية هنا أو هناك.

كلمات وآفاق:

1) قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك!.

(الإمام علي بن أبي طالب).

2) أظمتني الدنيا فلما جئتها

مستسقيا مطرت علي مصائبا (المتنبي).

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى