نساء في ذاكرة الأيام:ماهية نجيب المرأة التى وضعت أول مولودة في الصحافة النسائية المتخصصة في اليمن وشبه الجزيرة العربية والخليج العربي والمغرب العربي

> «الأيام» كفى الهاشلي:

>
ماهية نجيب باللباس الشعبي والى يسارها د. سهير القلماوي من مصر وعقيلة الرئيس السوري خالد العظم في القاهرة بداية الستينات
ماهية نجيب باللباس الشعبي والى يسارها د. سهير القلماوي من مصر وعقيلة الرئيس السوري خالد العظم في القاهرة بداية الستينات
فرضت المرأة العربية وجودها في كل المحافل والمشاركات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية رغم كل العادات والتقاليد المفروضة من الأسرة والمجتمع عامة ففي عام 1789م خرجت النساء في مصر مشاركات في مقاومة الاحتلال الفرنسي آنذاك، وعرفت النساء أهمية الحراك النقابي للمطالبة بالحقوق وكانت الصحافة هي المنبر الذي تستطع من خلاله الشعوب أن تعبر عن آرائها ومواقفها ، غير أنها كانت حكراً على الرجال فبدأت النساء بحراك ثقافي وحاولن أن يجدن لهن مكاناً في الصحف للتعبير عن مواقفهن وكانت البداية بظهور الصفحات المبوبة في صحف ترأسها الذكور وكانت الرائدة الأولى هي السورية مريانا المراش التي بدأت الكتابة في الصحف منذ عام 1870م وحصلت على إذن من الباب العالي الذي حولها لإصدار صحيفة وترأس تحريرها موقعة باسمها الصريح وكانت تكتب مقالاتها «بالجنان» و«لسان الحال» الا أن هند نوفل اللبنانية الجنسية هي من ترجم أفكار النساء بإصدارها أول مطبوعة في العالم العربي «الفتاة» عام 1892م لتمثل التاريخ الحقيقي لميلاد الصحافة النسائية المتخصصة.

فيما فجرت ماهية نجيب في عدن ميلاد أول مجلة نسائية متخصصة على مستوى اليمن والجزيرة العربية والخليج والمغرب العربي وترأست تحريرها وكانت صاحبة الامتياز ولم تخضع لأي تيار سياسي أو جمعية وانفردت بهذه التجربة وبقيت شهادة نعتز بها حتى يومنا هذا.

إنها ماهية نجيب التى كانت وماتزال في ذاكره الجميع. راودتني أفكار عديدة وشرعت أحاول ترتيبها لإعداد الحلقة الرابعة من هذه الصفحة بعد إتمام الثالثة وعندما بدأ خطيب المسجد يتحدث بصوت مرتفع وبحرقة حدثت نفسي عن سر ذلك!؟ وأنصت له جيداً وقلت في نفسي ما أشبه الليلة بالبارحة ووجدتني أمام معاناة الرائدة التي أكتب عنها عندما وقف الشيخ علي باحميش خطيباً على منبر مسجد العيدروس ليستنكر وبشدة أن تمنح الإدارة البريطانية تصريحاً للسيدة ماهية نجيب بإدارة أول مجلة نسوية على مستوى اليمن وشبه الجزيرة والخليج والمغرب العربي.

تعجبت أن هذا الخطيب الذي أسمعه وبعض خطباء مساجد اليمن شنوا اليوم حرباً خطابية على ما أسموه منكراً لمجرد إحياء الفنانة أصالة حفلاً في مدينة عدن مع العلم أن البسطاء الذين خطب بهم الخطيب وهم الفئة الأوسع بين الناس لم يتمكنوا من الحضور بسبب ارتفاع أسعار التذاكر مع العلم أيضاً أن البلد يعتصر في هذه الأيام سخونة بفعل الحراك الشعبي الكبير الذي فجره الشعب عندما تخلت عنه الأحزاب وعندما فضلت هذه المنابر الحديث عن المرأة والغناء والمنكر بقوة وأحنت رؤوسها وكممت أفواهها عندما كوى الشعب الغلاء وعم الفساد وقتلت السلطة المواطنين لمجرد رفضهم الظلم ولمجرد أن عبروا بحرية عن الواقع .

تركته يتحدث وعدت لأكمل فصولاً تحدثت عن إرادة امرأة وقفت كما يقف الشعب اليوم لأجل المستقبل معبرة عن واقع المرأة بلسان حالها وأطلقت حرية التعبير النسوية كحاضر لا تجاهل له وهكذا فجرت عدن أول قنبلة في تاريخ الصحافة النسائية المتخصصة عندما أنجبت أول مجلة تعنى بشؤون المرأة وتناقش قضاياها بكل جرأة في 1960م وعندما قالت ماهية نجيب كلمتها بإصدار مجلة «فتاة شمسان» لتخرج المرأة من قوقعتها وليسطر التاريخ لها مكاناً بين الرائدات في وطننا العربي جنباً إلى جنب شقيقاتها من دول مختلفة.

فمن أسرة كان ترتيب السيدة ماهية التي ولدت في الحادي والعشرين من نوفمبر سنة 1926م الثالثة بين ستة من الأخوة نشأت ماهية محمد عمر جرجرة التي عرفت بماهية نجيب نسبة لزوجها نجيب أحمد علي سعد حيث كان يطلق على النساء في عدن آنذاك اسم الزوج كنوع من مواكبة العصر بحكم أن عدن كانت تحت الاستعمار البريطاني وتأثرت بالثقافة الغربية التي كانت سمة زرعها المستعمر أينما حل واستوطن.

لم تحظ السيدة ماهية بالتعليم الوافر شأنها شأن كل الفتيات اللواتي اكتفين بدروس الكتاتيب ثم الزواج وتربية الصغار.

بيد أنها اختلفت عنهن لعوامل متعددة ساعدتها كثيراً وأهمها انحدارها من أسرة جرى العمل الصحفي في دمها وأحاطها ذلك من كل الجوانب فأخوها الأكبر هو عبدالرحمن جرجرة وهو بعينه الذي شغل مدير المعارف في الستينات ورئيس تحرير صحيفة «النهضة» الأسبوعية وأحاطها في صغرها بالاهتمام وعلمها اللغة والبلاغة وقدم لها الكثير من الكتب والمنشورات لتقرأها ولاح له بريق الموهبة بتلك الطفلة التي تفننت بالتعليم وأرهفت السمع للموسيقى وعشقتها إلى جانب القراءة والرسم.

وهكذا أمضت خمسة عشر عاماً تتغدى على العلم والمعرفة وتقرأ كل ما يقع بيدها وحين نضجت وأصبحت عروساً زفت لنجيب أحمد علي سعد، الذي كان يعمل في شركة «كول يراد رز» لتمويل البواخر بالفحم.

وبعد ثلاثة عشر عاماً من الحب والسعادة انتهت هذه الزيجة بفاجعة مؤلمة لماهية عندما تلقت نبأ وفاة زوجها في حادث مرور عام 1954م لتنتهي الحياة السعيدة بمسؤولية كبيرة تحملتها ماهية وهي تحتضن ابنين وأربع بنات هم ثمار زواجها من السيد نجيب. في ذلك الوقت كان النشاط النسوي قد بدأ ملحوظاً في عدن واتخذ الطابع الاجتماعي وأشهر عدد من الجمعيات ومن بينها جمعية المرأة العدنية (جمعية أم صلاح) لتتولى بعدها عدة تمويلات إلى حد رغبة بعض النساء بالاستقلال بالنشاط النسوي بعيداً عن وصاية الجمعيات في التسعينيات.

وبدأت الكتابات النسوية وبأسماء مذكرة ومستعارة في بعض صفحات الجرائد التي كانت موجودة على الساحة وكانت ماهية تكتب حينها تحت اسم «بنت البلد» في صحيفة «اليقظة» التي كان أخوها عبدالرحمن قد عهد لها إدارتها كونها تختص بالنساء وكان ذلك إدراكاً منه لموهبة ماهية وقدرتها عن إدارتها.

ولم تكن من جمعية أو مجلة نسوية متخصصة حينها، وبعد سبع سنوات من وفاة زوجها استطاعت ماهية الخروج من رتابة الحياة التى لم تشأ أن تظل بها دون أن تقدم شيئاً لعدن ولنسائها وهنا اقتنعت ماهية بمقترح زوج ابنتها نجوى (حامد لقمان) الذي اقترح عليها إصدار مجلة نسوية بحكم ما تملكه من امكانيات فكرية وقدرة على المسئولية.

لم ترفض حينها ماهية هذه الفكرة وفعلاً كانت لها وأصبحت ماهية المرأة الأولى التى استطعاعت أن تتحدى الصعاب وتكسر حواجز التقاليد ومخاوف المجتمع من خوضها تجربة العمل الصحفي وممارسته بين الرجال، لكنها فعلتها بعد أن حصلت على الترخيص من الإدارة البريطانية بعد عام من تقديم الطلب ولاقت من النقد والرفض نصيباً وافراً إلا أنها أصرت على السير قدماً إيماناً بأن لكل نجاح عقبات لابد من تجاوزها.

ماهية نجيب تتوسط وفدا من الصحفيين الأجانب في مدرسة  تدريب وتأهيل في العاصمة البريطانية لندن 1961
ماهية نجيب تتوسط وفدا من الصحفيين الأجانب في مدرسة تدريب وتأهيل في العاصمة البريطانية لندن 1961
وفي مطلع يناير 1960م ولدت «فتاة شمسان» وكانت أول مجلة نسوية شهرية متخصصة في شؤون النساء وطرحت قضاياهن، وبهذا المولود أصبحت ماهية نجيب أول رئيس تحرير لمطبوع نسوي في اليمن والجزيرة العربية والخليج والمغرب العربي.

ثم توالت الأحداث في اليمن والوطن العربي عامة وظهرت الصفحات المتنوعة والمبوبة على صفحات المطبوعات النسوية.

حتى أن صحيفة «سبأ» التي في العام نفسه خصصت ركناً سمته «المرأة» أشرفت على تحريره حفيضة الجيلاني وهي المرأة الأولى في شمال اليمن آنذاك التي تصرح باسمها ثم جاءت بعدها أمة الرزاق الوزير أما من حيث التأهيل الأكاديمي فكانت رؤوفة حسن الشرفي هي الصحفية الأولى الحاصلة على ذلك التأهيل الأكاديمي واليوم ظهر الكثير من الأسماء النسوية فهناك المذيعة التلفزيونية والصحفية والمخرجة والمحررة، فيما تعتبر المراسلات التلفزيونيات في الفضائيات والمحطات العالمية هي الحلقة الناقصة في العمل الصحفي الميداني للنساء اليمنيات.

ماهية نجيب في عيون الآخرين

عندما قالت ماهية عن لحظات ترقب ردة فعل الشارع لمولودتها «فتاة شمسان»: «شعرت كأنني المحمولة في أيدي الناس وليست المجلة». كانت الأعداد التي طبعت قد بيعت ونجحت المجلة منذ أول ميلاد لها لكن اليوم وبعد 84 عاماً مازالت صحافتنا تفتقر إلى وجود أمثال ماهية نجيب التي وضعت مولودتها «فتاة شمسان» وغدتها بما تحتاج له المرأة مواكبة الحراك النسوي ومازلنا نحن نأمل في مولودة مثلها تحمل على عاتقها القضايا الموجودة على الساحة بكل جرأة طرح يتواكب وحجم التحول في حياة المرأة اليمنية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً بدءاً من خروجها الى العالم كأنثى وانتهاءً بكفاحها للمشاركة السياسية، فهل نرى ماهية نجيب في فتاة من جيلنا؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى