وداعة السلطة .. وطغيان الفساد

> عبدالكريم سالم السعدي:

> إن كان فيك /واحد .. كسرى/ لهان مصابك/ لكن فيك/ ألف كسرى/ أفقدوك صوابك/ ولكل كسرى حاشية/ تسلبك .. حتى ترابك/ فدعيهم يمرحون وقتاً/ بخضر شعابك/ ويدَّعون بك الغرام/ والهيام ببابك/ فلكل كسرى قاتل/ تخفيه سود هضابك

مضى عام 2007م ومعه انطوت صفحة من صفحات المعاناة، مضى بميزان مختل اختلالاً واضحاً مابين كم الوعود من القائمين على السلطة وبين مستوى تنفيذ تلك الوعود..

وتلاشت أحلام البسطاء الذين أقاموا تقديراتهم على العام المنصرم ليكون محطة نهائية على الأقل لبعض ما يعانونه .. وجاء عام 2008م بشرى لمن تبقى منهم ولم تطحنه رحى ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الخدمات وغياب العدل والمساواة وغبن ضياع الحق .. ومستبشرين فتحنا جميعاً سجلات جديدة لتدوين الوعود القائمة والمرحّلة منذ سنوات كثيرة، وكذلك للوعود التي من المؤكد أن جراب السلطة مليئة بها .. ولكي لا نختم هذه المقدمة متشائمين، فإننا نأمل أن يكون هذا العام الجديد عام الصدق مع الذات ومع قضايا المواطن المطحون ، فالصدق هو سفينة النجاة لنا جميعاً مما نحن فيه ، فما يشهده الوطن من اعتصامات وتظاهرات واضطرابات وفوضى عمت الريف والحضر في كثير من مناطق البلاد ماهو إلا نتاج لانعدام الثقة والمصداقية بين السلطة ومواطنيها، وحصاد مرّ لغياب العدل والمساواة بين أبناء الوطن الواحد .. وبالمناسبة فإن ما نشهده اليوم من حراك يكاد يوقف الحياة في بعض أجزاء البلاد ولا يعالج بكثرة الخطابات والتصريحات الصحفية ولا بالتشويش على الحقائق وقلبها رأساً على عقب، ولا بتوزيع التهم، وبشراء الذمم، تلك الطريقة المقيتة التي اعتادت أن تذهب إليها السلطة لتجاوز ما يعترضها من مشكلات، ولكن المعالجة تأتي بتشخيص الداء والبدء بالعلاج الحقيقي ..وفي اعتقادي إن تحرك السلطة لمواجهة هذا الوضع ومانتج عن هذا الحراك السلطوي من حلول حتى الآن لم يصل بعد إلى المستوى الذي بلغه الغليان الشعبي، وبالتالي ومع تقديرنا لكل الجهود التي تبذلها القيادة العليا في سبيل حل بعض من القضايا التي دفعت بالأمور إلى هذا الوضع إلا أننا نرى أن تلك الحلول بقلتها توحي بأن المسؤولين في السلطة لم يضعوا بعد أيديهم على مكمن الداء الذي كان السبب الرئيس في وصولنا ووصول البلاد والعباد إلى ماهي عليه اليوم !! فكل الحلول التي وضعت إلى الآن هي مجرد مسكنات تكاد تكون في كثير من الأحيان مناورات (تحوم) حول المشكلة الحقيقية وراء كل مايحدث .. فمن منا ينكر أو يجهل أن مجموعة الخفافيش الفاسدة المعششة في خرابات دهاليز السلطة والتي أصبحت بمرور الوقت تشكل مراكز قوى تؤثر بشكل كبير في توجيه خطط الحكومات وتوجيهاتها وتجر السلطة وراءها بفعل سيطرتها على كثير من الأدوات في بعض مواقع القرار هي وراء كل ما نعانيه من المشاكل التي استفحلت حتى جاءت على الشعور بالانتماء عند المواطن الذي أصبح يقتات من فتات موائدها، ولا يشرب إلا من حيث يغتسل أراذلها !! من منا يجهل أن هؤلاء الفاسدين هم من تجاوز بل وألغى القوانين والأنظمة، وهم من استباح الأرض والعرض وهم من حول البلد إلى وكر فساد بنشر براغيثهم في كل مرافق الدولة والسيطرة على أهم المواقع من قمم الوزارات حتى أبسط مفاصل الإدارات والمؤسسات .. والسؤال هو هل السلطة فعلا لا تعرف هؤلاء؟ أم أنها تريد إقناعنا بأن (مسرحية) الفساد الطاغي على كل شيء، التي لا تكاد تنتهي فصولها من حياتنا ليس وراءها (معدون ولا منتجون ولا مخرجون) !! .. لعمري إذا ما صدقت السلطة مع نفسها ولو للحظة فسوف تحل كثيراً من مشاكلها .. وإذا اقتنعت السلطة بأن الشعوب هي التي تقيم الأوطان وتحميها، فسيكون من السهل عليها جداً التضحية بمجموعة (مارقة) باعت آخرتها بدنياها وهان عليها أن يكون لها أخلاق ودين !!

كان بالإمكان العيش بسلام وطمأنينة إذا توفرت العدالة والمساواة في المعاملة بين أبناء الوطن الواحد من حيث المشاركة وتوزيع الثروات وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وإلغاء سياسة فرض الأمر الواقع، فلو طبقت هذه الخطوات فلن تضر بالوطن كما يدعي أرباب الفساد، بل على العكس ستكون لبنات مهمة في بناء صرح الوطن القوي والمجتمع السليم المتماسك .. لكن مشكلة الوطن الكبرى هذه التي فرضها علينا (نفر) استعبدتهم مصالحهم أبت أن تقف حاجزاً أمام طموحات وأحلام الملايين في العيش بسلام في وطن يسوده العدل والإخاء واحترام (آدمية) هذه الملايين .. وأصبحت السلطة وأجهزتها بحكم التعود تعمل شرطياً لهؤلاء النفر الذين يشكلون مكمن الداء الذي تتحاشاه السلطة وتتخوف من الاقتراب منه أو حتى التفكير في مواجهته !! ولأننا ندرك أن الترقيع والمسكنات لم تكن يوماً علاجاً نافعاً، فإنه يتوجب على أهل الحل والعقد في هذا البلد البدء فوراً في البحث الصادق عن حلول تخرجنا مما نحن فيه، وذلك بتحديد جغرافية مملكة الفساد المنتشرة في كل أشكال السلطات ومحاصرتها، وبالتالي ضرب رؤوس رموزها وحاكميها، فالوطن أغلى وأعلى من كل حزب أو جماعة أو قبيلة أو شلة أو فرد، وهذا طبعاً لن يأتي إلا إذا عاشت السلطة لحظة الصدق مع نفسها !!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى