أحداث الضالع وزنجبار: درسان ينبغي التأمل فيهما!

> علي هيثم الغريب:

> فتحت أحداث أبين (زنجبار) والضالع بين الحراك الجنوبي وأحزاب اللقاء المشترك باباً لفهم القضية الجنوبية.. ورغم أنه كان لتلك الأعمال أثرها في نفوس من سمعوها أو قرأوها إلا أن المشترك قد أخطأ كثيراً عندما أراد أن يوجه خطابه ضد السلطة من الجنوب.. خاصة وأن قيادات المشترك في صنعاء تعرف جيداً كيف ظلت أصوات الأعضاء الجنوبيين ترتفع عالياً داخل تلك الأحزاب لأكثر من 13 عاماً.. وكم أخفق الجنوبيون بطرح آرائهم داخل هيئات المشترك بسبب الأغلبية.. وواجهوا الشتم والتنكيل من قبل كل من هو شمالي وأسقطت علينا نعوت وأسماء واتهامات كم أسفنا لأنها أتت من زملاء لنا.. وتبنت هيئات المشترك العليا شعارات تلك السنوات الحزينة، وعارضوا كل شيء حتى أقروا أن حرب 94م الظالمة كانت لها إيجابيات.. ونظراً لعداء أحزاب المشترك في صنعاء لكل الأعضاء الجنوبيين، فقد أصبحت الابن المدلل للصحافة المستقلة في صنعاء والأسوأ من كل ذلك أن الأغلبية داخل الحزب الاشتراكي وضعت خنجراً ساماً في قلب النضال المشترك الذي استمر ثلاثين عاماً بين اليسار الجنوبي واليسار الشمالي.. حتى أنهم للأسف وجدوا في الأحزاب الشمالية خليفة مستقبلياً لأنهم وجدوا فيها انعكاساً لعدائهم لآراء الجنوبيين وتأييداً لسياستهم الخاصة بالمواقف السياسية المنفصلة لأحزاب المشترك.. ولذا فقد تعمدت تلك الأحزاب - وهي تلوح بالأغلبية - إلى التهويل من حجم الطرح الجنوبي المعقول جداً وخطورته بما يحقق أغراضها الخاصة.

هكذا ظلت هيئات المشترك العليا - خلافاً لفروعها في الجنوب - تمارس في أغلب الأحيان تقريباً دور المخرب للقضية الجنوبية ولحقوق الجنوبيين، نعم فقد شقت هيئات المشترك العليا الصف الحزبي الداخلي في لحظة حرجة كان يمر بها الجنوب، وتحاول فروعها في الجنوب أن تفهمها القضية لكن بدون أية جدوى،.. ولم يكن من السهل نسيان ذلك، وكانوا يردون على كل آرائنا بآراء مضللة.. ومع ذلك، فقد راود فروع المشترك في الجنوب الأمل في إمكانية إقناع الأغلبية في صنعاء بعدالة مطالبها اعتقاداً منها بأنه عندما يتحرك الجنوب- وهذا ما كان يعيّرونا به - فإن الأرضية المشتركة للمعارضة ستجمع شملنا من جديد.

وبناءً على هذا الإحساس أولينا اهتماماً لتضويح مطالبنا بحثاً عن مواطن الاتفاق بيننا.. لكن ظل الوضع أذناً من طين وأخرى من عجين.

وكما تقول الحكمة: طواحين القدر تدور ببطء شديد. ولكنها عندما دارت في الجنوب بحكمة الجنوبيين وصبرهم ومهاراتهم وقدراتهم القيادية وتسامحهم و تصالحهم.. وعندما انخرطت شخصيات قيادية لتلك الأحزاب في الجنوب في الحراك الجنوبي وكانت لها مكانتها اللائقة في العمل الجنوبي المشترك، بدأت هيئات المشترك العليا في صنعاء تفكر بتوجيه الحراك الجنوبي بناءً على ما تؤمن به من سياسات، وأقرت في اجتماعها التنسيقي الأخير أنه لابد أن تأخذ بزمام الحراك الجنوبي كي تحمي به الوحدة الآن، وإلا فسوف تجد نفسها في الصفوف الخلفية تلهث وراء حركة سلمية ناجحة لا سيطرة لها عليها.. أي أن موقفها من القضية الجنوبية مجرد تكتيك.. فكيف يمكن الوقوف إلى جانب القضية الجنوبية وهم أصلاً لم يناقشوها إطلاقاً داخل أحزابهم؟!.. ولماذا لا تترك قيادات المشترك في صنعاء فروعها في الجنوب تعمل فعالياتها لأن هذا العمل قد احتل الأولوية في نشاطاتها، حتى وإن نفذ عن طريق الأفراد؟!

ولكن للأسف، لقد فضلت هيئات المشترك أن تنقل نشاطها إلى الجنوب لكي تستحوذ على نضال شعب عظيم يعيش مطارداً من قبل قانون الغاب.. بعد أن التزمنا الصمت والحياد في القضية الجنوبية، التي هي بالنسبة للجنوبيين قضية حياة أو موت؟! لذا فإن قيادة المشترك ترتكب غلطة مميتة إن هي جربت أسلحة فقدت مفعولها تماماً في الجنوب.. وعلى قيادات المشترك في صنعاء أن لا تضيع الوقت في البحث عن أدلة عن من كان السبب في حوادث الضالع الأبية وأبين قلب الجنوب النابض.. فهذه الطريقة تهدف إلى إشعال نار الفتنة بيننا نحن الجنوبيين لنختلف بدلاً من أن نتوحد لصد الطغيان. وإذا كان النظام توصل إلى زرع ثقافة جديدة في الجنوب، فعلى المشترك أن يعمل عكس ذلك، حتى لا تصبح السلطة والمشترك وجهين لعملة واحدة.. وأنه ليس من مصلحة المشترك الذي لاتزال له قواعد عاقلة ومتنورة وأغلبها من رموز الحراك الجنوبي السلمي الدفع بهذا المفهوم لأن ذلك سوف يعطي الانطباع بأنه يسعى إلى احتواء القضية الجنوبية، وهو ما من شأنه أن يشوه صورته هو، وصورة فروعه في الجنوب في نظر أبناء الجنوب في الداخل والخارج.. وربط القضية الجنوبية بأي شعارات أخرى يوحي بمحاولة تقديم بدائل جديدة من الباب الخلفي. وقد وضحت في مقالي السابق أن أبناء الجنوب لم يناضلوا منذ 13 عاماً من أجل القضية الجنوبية لكي يقبلها اليوم وهي مقنعة، وإذا كانت نية قيادة المشترك في صنعاء استعمال القضية الجنوبية حصان طروادة للمحافظة على «الوحدة المعمدة بدم الجنوبيين» فهي إذاً غير صادقة في حماية الوحدة بين الشمال والجنوب. وما حدث في الضالع وأبين هو تلخيص لذلك.. ومشكلة قيادة المشترك في صنعاء لاتزال كما كانت بعد حرب 94م، فهي لم تتعرف على منطقة وسطى حقيقية - وتتسع يومياً - وهي المنطقة الموجودة بين مخاوفها على مصالحها ومصالح وآمال الجنوبيين.. أما الجنوبيون فقد حددوا تلك المنطقة تماماً.. وإلا لما ساروا بهذه السرعة التي يعجز الإعلام أحياناً أن يلاحقهم بها. ويمكن القول إن بقاء الأستاذ فيصل بن شملان رهن قرارات قيادة المشترك لا يخدم الوحدة، وبإمكانه المساهمة وهو خارج قيادة المشترك بشكل أكبر من مساهمته وهو داخلها.. ومن منطلق ديني بحت هو ملزم باستيعاب القضية الجنوبية.. فالإسلام لا حدود له من ناحية نشر العدل وليس من أجل نشر الظلم والاستعباد.. يقول الخالق سبحانه:(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً)وحين تتقطع روابط الأخوة، وتنهار العدالة، ويسيطر الظلم، فهل هذه هي رسالة الإسلام للوحدة؟!

إذن ما العمل أمام هذه الأزمة التي تمر بها قيادة المشترك؟!

أن يصدر قرار من قيادة أحزاب اللقاء المشترك يعترف بالقضية الجنوبية ويعتبرها المدخل الوحيد لإصلاح النظام السياسي وليس التعديلات الدستورية الأخيرة.. أن تحث النظام على الاعتراف بالقضية الجنوبية، وأنه لا حوار معه إلا بعد الاعتراف بهذه القضية العادلة والشريفة.. وأن رموز الحراك الجنوبي وفروع الأحزاب فيه، هم الممثلون الشرعيون لقضيتهم.. وأن على النظام أن يستعد للتوجه إلى طاولة الحوار بعيداً عن العنف والقوة.. وعلى قيادة المشترك أن تلعب دور الوسيط لا الساعد الأيمن للسلطة.. ثم تصدر قراراً آخر توضح فيه أن الإعلان عن الوحدة الذي حصل يوم 22 مايو 1990م - دون استفتاء- يعتبر عقداً بين دولتين، ولم يحصل من أبناء الجنوب مثل هذا العقد أصلاً. وإذا كانت حرب 94م قد ألغت العقد فإن أبناء الجنوب لم يحصل معهم عقد حتى تلغيه الحرب. وأن ممارسة المظالم على الجنوبيين هي باطلة ولا وجود لها قانوناً وشرعاً.. وأنا لنعتمد على حكمة قيادة المشترك وحرصها على مصلحتها في أن تهيء للحراك الجنوبي السلمي جواً صالحاً ليسهل علينا فهمها.. وعليها كذلك أن توضح مفهومها للوحدة.. لنعرف- نحن أبناء الجنوب - مدى اتفاقنا مع معنى الوحدة التي تنشدها.. فإن كانت عقداً بين الجنوب والشمال يتم الاتفاق حوله قبلناه، وإن كانت تنافيه فلن نتردد في رفضه. علاوة على أن أحداث الضالع وأبين مهما يكن من الحكم عليها، ومن تهويل بعض الصحف لها، واضطراب البعض بسببها، فقد بينا وجه السبب فيها، وأظهرنا أنها لم تنشأ عن تعصب أو كراهية، وأنها لم تكن لتحدث في غير الموقف السياسي الذي حدثت فيه.. ونرجو أن تقتنع قيادة المشترك بأن التعددية الحزبية في الجنوب لن تكون يوماً ما مهددة، ولكن احتمال أن تكون لها قواعدها في محافظات الجنوب نتيجة موقف قيادة المشترك في صنعاء من القضية الجنوبية.

وهي - أي قيادة المشترك - تعتمد في تعاملها مع الحراك الجنوبي في ضوء استراتيجية السلطة القائمة على مزيد من قمع الجنوبيين، وأقل ما تتوقعه أن تأتي موجة جديدة من القمع والقتل والاعتقالات التي قد تكبح جماح الحراك السلمي في الجنوب.. وهذه الوسيلة لا تقل عن العنف خطورة في مواجهة القضية الجنوبية.. خاصة وأن التاريخ يؤكد لنا أنه ما من حركة سلمية أطيح بها باستعمال العنف على مدى العمر البشري.. ولكن هدف قيادة المشترك من هذا الطرح هو أن سيف السلطة ضد الحراك الجنوبي السلمي سيجعلنا نبحث عن طريق آخر أكثر ملاءمة، والطريق سيكون إلى المشترك.. ولا أعتقد أن تاريخ الجنوب يختزل بهذه البساطة.. ولكن هذا هو طرح قيادة المشترك، وهو مثل الذي يعبر النهر ليملأ الجرة من الشاطئ الآخر.. ومعنى ذلك، أن المشترك كقيادة في العاصمة تؤمن بأن الحوار مع السلطة حول التعديلات الدستورية هو أقصر الطرق للوصول إلى الحكم، بدلاً من عبور النهر، أي تبني قضية كبرى بحجم القضية الجنوبية.. وهذا هو الذي أصاب الجنوبيين بخيبة الأمل.. ومعارضة قيادة المشترك هذه تبدو غريبة وشاذة، فهم في الشورى والبرلمان والحكومة ولم يعترضوا على أعمال العنف وجرائم القتل التي يتعرض لها أعضاء أحزابهم من الجنوبيين؟!

ولابد هنا أن نلاحظ أنه لم يعد هناك نضال مشترك ولا معارضة مشتركة حتى داخل الأحزاب نفسها.. فبدلاً من أن تكون القضية الجنوبية هي الطريق إلى الوحدة الحقيقية، جعلها المشترك شيئاً ثانوياً، وأصبح يعارض النظام بالشمال فقط.. بل بربع أعضائه في الشمال.. والسلطة هي الأخرى تمتص مطالب قيادة المشترك بإعطائها فرصة الحوار معها حول تعديلات دستورية شكلية.. بحيث تسحب من تحتها جمهورها الذي لا يطالب إلا بالخبز والدواء والأمان.. وفي الجنوب أصابت قيادة المشترك الخيبة مرة ثانية- بعد أن تبني الحزب الحاكم التعديلات الدستورية الشكلية- عندما أرادت أن تلحق بالحراك وفق عقليتها القديمة.. وهذا ما جعل الناس في الشمال والجنوب يقتنعون أن هناك مفهومين لقيادة المشترك، وهما التعديلات الدستورية الشكلية في الشمال، وهي تراها كوسيلة لإصلاح النظام السياسي، وتبني القضية الجنوبية إلى جانب شعارات أخرى لدرء خطرها على القوى الحاكمة. وقد كان من حصاد هذه الهزائم ما جرى في الضالع وأبين.

ختاماً أنصح المشترك أن يرفع القضية الجنوبية إلى خطابه بصدق وأمانة وبدون مراوغة لكي يفهم (فقط) من هو مهندس الانفصال هل هم الجنوبيون أم من استولى على أملاك الجنوبيين؟! خاصة وأن الجنوب يعد نفسه لمخاض سلمي حاسم.. فإما أن تكون قيادة المشترك متأثرة به وفاعلة فيه وإما متخبطة ومبهورة تبحث عن طريق ثالث. ومن حقها أن تختار الطريق الثالث بين صنعاء وعدن .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى