المـعـــــــلا ..حافة (الريل) وحكاية سكة الحديد لأول قطار دخل الجزيرة العربية

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
مرسى المعلا وسكة الحديد القريب من ضريح الشاطري الموجود إلى يومنا هذا في الشارع الرئيسي في العشرينيات من القرن الماضي
مرسى المعلا وسكة الحديد القريب من ضريح الشاطري الموجود إلى يومنا هذا في الشارع الرئيسي في العشرينيات من القرن الماضي
رصدنا في حلقتنا الثانية أهم معالم عدن المطلة على المدخل الشرقي لمدينة المعلا التي تعرف بـ (بوابة عدن - العقبة) وأهميتها التاريخية.. وتطرقنا حول الجدل بشأن هدم جسر العقبة بغرض توسعة ممره، ومررنا بالسلسلة الجبلية المحيطة بها، وعن (باب السلب)، الذي يعتبر أهم مداخل المدينة المعروف بجبل حديد، وسلطنا الضوء على مدرسة جبل حديد التي كانت تعرف بـ (كلية أبناء السلاطين).

وفي حلقة اليوم نسرد ما تحمله ذاكرتنا لنرويه لأجيالنا القادمة عن قطار عدن ونقطة انطلاقه في المعلا، وبريده الملازم، وملعب المعلا القديم، ونطوف في بعض أماكنها المندثرة.

قطار عدن 1919 - 1929

تؤكد المعلومات المتوفرة أن بداية تنفيذ سكة الحديد كان في العام 1915، وبدأ تشغيله في العام 1919، حيث أوكل الأمر في ذلك إلى شركة سكك الحديد (البنجاب الشمالية الهندية)، وتحملت تكاليف إنشائه حكومة محمية عدن من واردات الرسوم الداخلية، نظرا لعدم توصل الحكومة البريطانية إلى اتفاق بشأنه مع شركة سكة الحديد والقطار البريطانية، إلا أن فكرة تنفيذ مشروع مد خط سكة حديد تربط عدن بمنطقة لحج نشأت في عام 1910، عندما تقدم بها الحاكم السياسي (الجنرال دي بريت)، وفي العام 1913 أرسل الحاكم السياسي (هارولد جاكوب) خطابا إلى حكومة بومباي بالهند جدد فيها هذا الاقتراح لأغراض عدة، أهمها تسهيل تحركات القوات العسكرية البريطانية، والتقليل من نزوح العاملين لدى الإدارة البريطانية إلى منطقة الشيخ عثمان التي كانت قريبة من مصادر المياه، بالإضافة إلى الحد من الأعداد الكبيرة للحيوانات كالجمال والبغال التي تنقل الأمراض، وتؤدي إلى نوع من الزحام.

وقد تكوَّن القطار من عشر عربات للركاب، سعة كل عربة ستون شخصا، إضافة إلى أربعين عربة نقل، وتصل إلى ستين عربة تلحق بها عند الضرورة، وقد كانت مدينة المعلا هي المحطة الأولى لانطلاق القطار، وعلى وجه التحديد البقعة التي يقع فيها مركز الشرطة (الشوكي) والدفاع المدني (المطافي) حاليا، ومن حارة معروفة في المعلا حتى الآن تحمل اسم حافة (الريل) Real way، تعني سكة الحديد، ثم يمر بالشارع الرئيسي ومعلا دكة مارا بالطريق الحالية المؤدية إلى مدينة خورمكسر، وبموقع مدرج مطار عدن الدولي حاليا حتى الشيخ عثمان، ويواصل سيره إلى مناطق دار سعد وبئر ناصر ثم منطقة صبر حتى الخداد بلحج فالحبيلين آخر موقف له، وقد كانت أجرة ركوب القطار من المعلا إلى الشيخ عثمان 3 آنات أو عانات، وهي جمع آنة أو عانة، ومن المعلا إلى لحج نصف روبية، أي ثمان عانات.

وبعد نحو عشر سنوات من تشغيله وبالتحديد في عام 1929، توقفت حركة القطار نهائيا بعد أن تجاوزت تكاليف تشغيله أكثر من إيراداته.

قطار عدن
قطار عدن
اليوم لم يعد لقضبان الحديد أي أثر، وفي حين تبنت عدن في فترة مبكرة قطارا للركاب وللأغراض للأخرى، تنعدم اليوم حتى إمكانية إصلاح طرق في عدن موجودة منذ الستينات، ناهيك أن أعمالا كثيرة للطرق بدون مواصفات مطلوبة، الأمر الذي يؤدي إلى انهيارها.

بريد عدن

كان وجود القطار ملازما لمكتب بريد المعلا خلال فترة سيره، حيث كان من مهامه نقل الرسائل، ونشير أن موقع البريد كان على الخط الرئيسي من سكة الحديد في الشارع الرئيسي، وهدم وبقيت أرضيته موقفا للسيارات حتى بداية التسعينيات، وتحديدا كان على أرضية فندق تاج كينيا بلازا (حاليا) القريب من بوابة الميناء .

ملعب المعلا

يقال إن ملعب المعلا من أقدم الملاعب في عدن، بُني في أواخر القرن التاسع عشر، وقيل في عام 1892، وعلى بوابته توجد لوحة مرسوم عليها صورة الحاكم البريطاني الملك جورج الـ 16، وكانت باقية حتى يوم الاستقلال، ويحيط بالملعب سور منخفض (لاتزال آثاره باقية)، وفيه منصة، وعرف الملعب من قبل الأهالي بـ (ميدان الكبة - الأحمر) أي (ground)، وكانت تقام فيه بطولات رياضية، ويعتبر المتنفس الوحيد للرياضيين، حيث يمارسون فيه لعبتهم المفضلة (كرة القدم)، وقد أهمل الملعب لفترة من الزمن، حتى أصبح مرتعا للجمال (زريبة) محاطة بالأشجار من الخلف.

يذكر أن في عام 1963 شرعت بلدية عدن بإصلاح الملعب وردمه بالتربة الحمراء وتزويده بالمراجيح (الدراهين)، وكانت تقام بساحته عروض سينمائية، وتوجد أندية رياضية بمنطقة المعلا، هي: شباب الجزيرة، المجر، والمستقبل، وكذا أندية مدينة الروضة (القلوعة)، وهي: شباب الروضة، والانتصار.

وفي بداية الثمانينيات شرعت الحكومة بإعادة بنائه وتسويره، وعمل مدرجات، وأطلق عليه ملعب (المعلا) ومن ثم (سالم علي)، وفي 1994، أطلق عليه اسم (الفقيد حسين باوزير)، وتقع سينما (راديو) أمامه، وفي الجهة الشرقية منه يقع سوق المعلا المركزي الذي بني في العشرينيات، وعرف بـ (سوق الكيلو - ناصر) لبيع الخضار واللحم والسمك، أما في جهته الغربية فتقع مدرسة متوسطة للبنين بنيت في الأربعينيات، وبعد الاستقلال أصبحت مدرسة موحدة عرفت بـ (الشهيدة فاطمة)، وبعد 1994، سميت بـ (فاطمة الزهراء).

مكتب بريد المعلا الذي كان يلازم قطار عدن
مكتب بريد المعلا الذي كان يلازم قطار عدن
أماكن كانت هنا

شكلت المعلا مركزا للعديد من الشركات والبيوتات التجارية والمستودعات على الرغم من اندثارها نتيجة قرار التأميم، إلا أنها ظلت شواهد على عراقة مرحلة من التوهج الاقتصادي والتجاري تميزت بها المعلا حينها.

عند مرورنا على طول الشارع الخلفي (الصعيدي) الممتد حتى نواحي شارع السواعي، نجد أماكن وأحياء لحارات (حوافي) قديمة بنيت في أوائل العشرينيات من القرن العشرين. تلك المساكن مبنية من دور مكون من غرفتين (دارة ومخزن)، إضافة إلى حمام ومطبخ، وبعض من بيوتها بنيت من دورين ولم يطرأ عليها منذ تلك الفترة أي تغيير عدا بعض من قام بإزالتها خلال العقدين الماضيين ليبني مسكنه من ثلاثة أدوار، وعلى طول شارع الصعيدي يوجد مسجدان هما الصومال وهائل، يرجع تاريخ مسجد الصومال إلى بداية القرن التاسع عشر، بناه رجل صومالي ينتسب إلى قبيلة (سعد يونس)، ويشير إمام وخطيب المسجد م.باسل السيد عبدالله أن المسجد كان مكونا من مصلى صغير ومرافق طهارة ومدرسة (كتاتيب لتحفيظ القران) (معلامة)، أما مسجد هائل فقد بناه الحاج هائل سعيد أنعم قبل قيام الثورة، وتم إعادة بنائه في بداية التسعينيات، وخلف المسجدين وما بين الشارعين (الصعيدي والسواعي) توجد مقاهٍ شعبية ومخابز منها قديمة على الرغم أن بعضا منها قد أغلق، كمقهى حميد الذي كان يعتبر الأقدم، يجاوره مقهى الحاج سيف (ردفان) الذي لايزال قائما منذ الأربعينيات، إلى جانب مقهيي طه وعبدالولي الواقعين خلف ملعب المعلا، وهناك أيضا مقهى عبدالله إسماعيل الواقع على الخط الرئيس لشارع مدرم المجاور لمسجد الغفار، وكان مرتادوه يستمعون لأغاني زمان عبر جهاز (جرامافون - بيك أب)، وأيضا مقهى الصوفي كان هو الآخر يقدم لمرتاديه من مذياعه بصوت عال ما تذيعه إذاعة لندن من أخبار عالمية.

أما أفران (مخابز) المعلا توجد منها ما هو منذ العشرينيات من القرن العشرين، كفرن عبيد عمر سويد إلى يومنا هذا المشهور بفرن (السويدي) الكائن في حافة النادي المتفرع من شارع الصعيدي، وأيضا فرن قائد نعمان المسمى بفرن (الجماهير) منذ الأربعينيات، القريب من مسجد الصومال حاليا يقع عليه أستديو الأشواق للتصوير، ويقع الفرن خلف بنايته مباشرة، ولايزال قائما إلى يومنا، وهناك عدة مخابز وأفران قديمة منها الهوبي ومخبازة ردمان، وفرني الأجرب والتيسير منذ الخمسينيات.

ويقع في شارع شعبان مدرسة للمنتسبين يعرف بـ (معهد 14 أكتوبر) للتعليم الأساسي والثانوي الذي أسس في عام 1963، ولايزال قائما، كان المبنى قديما لمعبد شهير لطائفة البينيان بعدها أصبح كتاتيب (معلامة) يقابله مكتبة الشيباني منذ الخمسينيات، ومايزال قائما، ويجاوره مقهى الصوفي وكشك الحاج علي إسماعيل حسن منذ بداية الستينيات.

وفي شارع الصعيدي القريب من عمارة (البس) كانت توجد مستودعات لشركة (مستر كوتش) الخاصة بمعارض سيارات (لاند روفر)، بعد الاستقلال أصبحت مستودعات تابعة لشركة التجارة لخزن الحبوب والسكر والشاي والمواد الغذائية المختلفة. عند نهاية شارع الصعيدي الذي يرتبط بمنطقة حافون توجد عمارة خاصة لخزن السجائر مسماة بـ (بنجلة السجائر) التابعة لإحدى شركات السجائرالبريطانية، حيث كانت توجد مستودعات لمؤن غذائية وأفران تابعة للجيش البريطاني، أنشئت منذ الأربعينيات، وتقع عند مفترق شارعي الصعيدي والسواعي المقابلة لعمارة (بنجلة السجائر) أصبحت فيما بعد مقرا لصحيفة «14 أكتوبر» سابقا، وحلت محل تلك المستودعات بعد الاستقلال (دار الهمداني للطباعة - حاليا مبنى صحيفة «14 أكتوبر» الجديد ومطابع الكتاب المدرسي والأجزاء الحالية من أرضية نادي شمسان).

ملعب المعلا  في بداية الستينيات من القرن الماضي وتبدو سينما راديو أمامه
ملعب المعلا في بداية الستينيات من القرن الماضي وتبدو سينما راديو أمامه
وفي بداية شارع السواعي كانت هناك بقعة قريبة حاليا من نادي شمسان، يقع عليها مقر المجلس العمالي الذي تأسس في عام 1956، بعدها انتقل المجلس العمالي في يوليو 1964 لمبنى جديد يقع إلى الخلف من مدخل الشارع الرئيسي من جهته اليمنى، ومبناه (الدائري) مكون من ثلاثة طوابق يشمل أجنحة ومكاتب وقاعات للاجتماعات والتعليم، إلى جانب منصة ومدرجات مفتوحة تتسع لأكثر من ألفي فرد، وكان يقابل مبنى المجلس العمالي السابق ورشة نجارة لرجل يوناني عرفت بـ (ورشة الجريكي للنجارة)، يلاصقه مبنى إدارة الهاتف البريطاني المعروف بـ (بيت الطار) تديره شركة (جي.آي. سي) البريطانية التي تعرف بـ (أتلمنيكيشن)، وبقربه مخازن (باتا) للأحذية، وظل بيت الطار (إدارة الهاتف البريطانية) بعد الاستقلال تابعا لإدارة الهاتف الحكومية، وشيد بدلا من مخازن (باتا) في منتصف الثمانينيات مبنى جديد لمؤسسة هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية اليمنية، يقابله واحد من ثلاثة مصانع للألمنيوم المتواجدة في المعلا، وعلى الشارع نفسه توجد مساكن على شكل براقات مخصصة لعمال الشحن، وأصبحت في بداية الستينيات مدرسة متوسطة للبنين، وبعدها عرفت باسم (مدرسة 22 يونيو الموحدة) وغير اسمها فيما بعد إلى مدرسة (الصدّيق) بعد حرب 1994، يجاورها مسجد الخير الذي بني في بداية الخمسينيات.

وتشكل مقبرة المسلمين المعروفة بـ (مجنة المعلا) مساحة واسعة ممتدة من شارع السواعي جنوبا بدءا من سينما المعلا حتى نهاية الشارع المجاور للمحراق، قضمت مساحتها في الخمسينيات، وفي بداية الثمانينيات بني ملعب للأطفال لم يبق منه حاليا سوى الأطلال، وبجانب هذه الأطلال مجمع صحي وورش ومعامل للنجارة ومصنع للألمنيوم ومعصرة ومصبغة وفرنان للأجرب والتيسير، وعلى الشارع نفسه تقع (شركة إكي) لإعادة وتصليح الإطارات (التايرات) ثم أصبحت مخازن للسجائر، وبعد الاستقلال حولت إلى مبنى لديوان وزارة الإسكان، وفي التسعينيات أصبح مكتبا للإسكان في عدن، وحاليا مكتب لهيئة مصلحة الأراضي في عدن، وفي آخر شارع السواعي كانت توجد أكوام من الحديد والسيارات الخردة تسمى بـ (المجدلة)، بنيت على أرضيتها في أواخر الثمانينيات وحدة سكنية مكونة من عدة عمارات عرفت بحي (الرياض) مقدمة من المملكة العربية السعودية، ويقابله أحد مستودعات الجيش البريطاني، وفي حلقة الوصل ما بين شارعي السواعي والصعيدي تتوسط مدرسة تبشيرية تعرف بـ (الإرسالية الدنماركية) كانت تدعى بـ (المغوي)، من التضليل والغواية، وأصبحت في السبعينيات مقرا للمليشيا، وفي بداية الثمانينيات أصبحت سكنا داخليا للفلسطينيين، وحاليا مدرسة أهلية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى