ما أشبه الليلة بالبارحة!

> محمد علي محسن:

> أين كنَّا وكيف صرنا الآن؟ لاأدري مالخطب بالضبط، كل ما أعرفه هو أنني واحد من جملة هؤلاء القوم الذين لاحول لهم ولا قوة بما حدث من اندفاع وحماسة في سبيل الوحدة أوالحرب والانفصال.. واحد من ملايين ذهب نصف عمرها من أجل إزالة الحواجز والبراميل من الأرض، ويبدو أن عليها قضاء بقية السنين في انتزاع هذه البراميل من النفوس، أما في إعادتها لمواضعها قبل عملية التوحد بين النظامين السياسيين المتناقضين شكلا ومضمونا، من كان منا يتوقع هذه الانتكاسة والإخفاق، بل والهزيمة المدوية للدولة الواحدة، التي انتصرت لتوها على الدولتين المجزأتين جنوبا وشمالا؟ لعن الله الظلم والجهل والفقر والنظام الأتوقراطي، فلولا هذه الأشياء لما وصل المجتمع في الجنوب إلى هذه الحالة من التمترس خلف مساحة أرض وسلطة وثروة محدودة، هذا المجتمع الأصيل الذي تعلمنا منه قيم التعايش والتسامح والانفتاح والتوحد والمواطنة المتساوية والمدنية، كيف له اليوم أن يعلم الآخرين قيما ودروسا نضالية وديمقراطية جديرة بالتباهي والتضحية؟

قلنا في أكثر من تناولة أو حديث بأن المشكلات والأخطاء الفادحة يستوجب معالجتها بمشروع وحدوي نهضوي وعصري مستمد مشروعيته من حاجة البلد وأهله لدولة قوية وعادلة وجامعة لكل اليمنيين، بحيث تذوب وتندمج فيها مختلف الفئات الاجتماعية دونما فروقات أو تمايز بين قبيلة وأخرى طائفة ومعتقد، منطقة وجهة، وغير الكفاءة واحترام النظام والقانون من الجميع لاتوجد مبررات للانسلاخ والتجزئة ثانية. البعض لايستسيغ مثل هذا الكلام المثالي والمتفائل وربما غير الواقعي من وجهة نظر هؤلاء المفرطين باليأس والثورية والانفعالية، لكنه وبالنظر في عوامل وظروف محيطة ومؤثرة أفضل بكثير من المراهنة على المجهول، لذلك يستلزم من كافة أبناء الجنوب عدم المغامرة بقضيتهم وطموحهم ووجودهم في الدولة الواحدة أيا كان الخلاف حولها في الوقت الحاضر، نعم ثمة معضلة حقيقية تواجه عملية الإصلاح لنظامها السياسي والإداري والاقتصادي، ولكنها تبقى الخيار المتاح الأكثر واقعية إذا ماتم المقارنة لها بفكرة الدولة الشطرية المراد استعادتها بذات الجموح والاندفاع العاطفي والمثالي الذي ساقها للوحدة عام 90م.

التفكير الصائب هو ثروة العقل وفق مقولة لأرسطو، ولأن مانشكو منه الآن من جور وظلم ونفي نفسي ومعنوي كان نتاج ثقافة أحادية الفكر عدائية الخطاب مناطقية الوسيلة في الجنوب قبل الوحدة، وماحدث بعدئذ يعد حصيلة الأمزجة والأهواء والانفعالات، فلولا هذه الأشياء لكانت العقلانية والواقعية حاضرة عند تحقيق الوحدة، ومن ثم الأزمة والحرب. مانلمسه من خطاب أو فعل جهوي مناطقي لايستقيم أبداً مع ماننشده من دولة مدنية حداثية جامعة لكل الناس، كما أن مثل هذه الدعوات المشحونة بالعصبية والشوفينية هي وراء دمار وخراب الدولة المدنية في الجنوب، وبالتالي فإن الوحدة مثلت إنقاذا لها من السقوط في صراعات مناطقية جديدة.

أعجب من إصرار البعض على إعادة إنتاج الأزمات الراهنة، وبذات الشكل والطريقة التي كانت سببا مباشرا في صناعة هذه الأوضاع قبل الوحدة أو بعدها، لاشيء تبدل في هؤلاء غير الأسماء والزمان والمكان، لايوجد ثمة ما يشير للتغير والتحول، الخطاب هو ذاته الأحادي غير القابل لأحد، الفكر جامد ومحاصر بالوهم والشك والخوف من الآخر، هرولة لوحدة اندماجية فورية بلا أدنى اعتبارات للفروقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين النظامين بشعب واحد، والآن وبذات العقلية المأزومة يراد معالجة النظام الواحد المأزوم والمجاهر بمشكلات وتعقيدات أكبر من استعادة برميل أو رفع علم الدولة المفقودة، لم يهزم الجنوب سوى عند احتمائه بالعشيرة والمنطقة بدلا عن الشعب والدولة، وما أخشاه هو هزيمة قضيته في الوقت الراهن بنفس الأداة الجهوية والمناطقية التي كانت سببا مباشرا في تجزئته وضعفه قبل الوحدة أو في ظلها وحتى اللحظة هذه المراد فيها الاصطفاف الجنوبي الجهوي، اصطفاف مثل هذا قد ينجح ويدوم لبعض الوقت، لكنه في النهاية لن يؤدي لغير الكوارث والأزمات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى