على خلفية انتخاب المحافظين لسنا بحاجة إلى دون كيشوت في حضرموت

> د. خالد يسلم بلخشر :

> قبل أكثر من 400 عام صدرت رواية المؤلف الإسباني ميغيل دي سيرفانتس سافيدرا (دون كيشوت)، وقد عدت من روائع الأدب العالمي، بل عدها بعض النقاد الأفضل على الإطلاق.

بإيجــاز شديد تــدور أحــداث القصة حول شخصية دون كيشوت (أو دون كيخوته حسب بعض الترجمات)، وهـو رجـل ناهــز الخمسين، هزيــل الجسـم أدمـن قـراءة كتــب الفروسيــة التي تتحــدث عن عصــور غابــرة وعن قيم أسطورية تحاكي الميثولوجيــا، حتى تلاشــت لديــه المسافة بين الواقع والخيال.

مأساة دون كيشوت تكمن في أنه لم يتكيف مع التحولات التي جرت حوله وظل يعيش في عزلة فكريـــة لكــون عقلــه لا ينتمي إلى واقعه، بل يعيش عصراً لم يعد موجوداً، ولهذا فإنه ظل متكيفاً مع عزلته ومتناقضاً مع الظروف المحيطة به، فنراه في أحد الأيام - بعد أن صدق كل ما قرأه- ينطلق على ظهر حصان هزيل مع سيف صدئ مقلداً - وبرفقة سانشو صديقه - مغامرات الفرســان الذيــن عششوا في مخيلته. وهنا نجده يتخيــل أعــداء غير موجودين ويوجه ضربات سيفه إلى أوهام خيلت له بأنهم أعداء، وكانت مغامراته تثير الضحك والإشفاق معاً، لأنه لم يستوعب التغيير الذي حصل ، وظــل يصـارع كــل شيء حتى طواحين الهواء لم تسلم من سيفه، وهنا تكمن المفارقة في مغامرات دون كيشوت، فالفساد والفاسدون والمجرمون ظلوا بعيداً عن ضربات الفارس (النبيل)، الذي توهم أنه سيقضي على الشرور في مجتمعه.

المحافظ الجديد المنتخب لن يكون إلا دون كيشوت أعاد صياغته التاريخ، فسوف يأتي إلى مواقع العمل مشرباً ومشبعاً بأفكار بالية أو أيديولوجيات لم تعد تتواكب مع متغيرات القرن الحالي، فهو بالتأكيد لن يأتي لمواجهة العدو الحقيقي المتجسد في أشكال وشخوص متعددة، بل سيحاول أن ينفذ ما قد مُلئ به رأسه، وهنا علينا ألا ننتظر ونتأمل أي تغيير في واقع المحافظات، فالمشكلة لا تكمن في أفراد سواء أتوا على حصان أم حمار أعرج، كالذي يمتطيه سانشو السمين (رفيق كيشوت)، المشكلة الأساس تتلخص في نمط التفكير والتعامل مع الواقع الذي يتغير كل ثانية حولنا وعقلية متحجرة جامدة لم ولن تتماهى وتتماشى مع تطورات العصر.

دعونا نعود للواقع المعيش بعد التنظير الدون كيشوتي ولنا أن نقرر سلفاً من سيأتي إلى حضرموت (وسائر المحافظات الأخرى)، ولكني سوف أحصر الأمثلة في حضرموت (فأهل مكة أدرى بشعابها)، هذه المحافظة ينظر إليها من منظور خاص لأسباب لسنا بصدد ذكرها، فهي معروفة للصغير قبل الكبير. فهل يستطيع القادم إلينا مهما كان اسمه وأصله وفصله وانتماؤه أن يملأ هذا المنصب بكفاءة وقوة وحزم وأمانة؟! وهل يستطيع أن يستأصل الأمراض والأورام المزمنة التي تعاني منها المحافظة؟! أو أنه - مثل دون كيشوت - سيضرب يمنة بينما العدو يقف على اليسار!!!.. فأكبر التحديات التي ستحدد سلفاً نجاحه من عدمه نوجزها في الآتي:

-1 المحافظة تعاني من مشكلة كبيرة في الأراضي بعد ما تعرضت لنهب منظم بدأ مع الوحدة وتفاقم وتصاعد بشكل مخيف بعد 7 يوليو 1994م، الآلاف من أبناء حضرموت يحملون وثائق تعود إلى التسعينيات دون أن يستلموا مواقعهم التي قد صرف ونهب أكثرها!!! بل أن المتنفذين امتلكوا كيلو مترات مربعة وهي ماثلة للعيان دون أن ينبس مسؤول بكلمة واحدة.

-2 سواحل المحافظة تتعرض لنوعين من القرصنة، الأول: تقوم بها سفن اصطياد تقوم بجرف شباك الصيادين والمراعي والأحياء البحرية، وبعضها- إذا لم يكن كلها - تعمل تحت تراخيص لمتنفذين وقيادات كبيرة في الدولة، والنوع الآخر من القرصنة ينفذ من قبل سفن يقال بأنها لصوماليين تنهب القوارب وممتلكات الصيادين.

-3 بعض الشركات الأجنبية - حسب العديد من التقارير- تنفث سموماً تأثر بها أبناء العديد من أماكن حضرموت (الضليعة كمثال وليس للحصر)، بل أن بعض الشركات لم تلتزم بشروط الحفاظ على البيئة ومخزون المياه في الربوة الوسطى.

-4 التراجع الكبير في مستوى الخدمات الصحية بالمحافظة وعجز المستشفى الحكومي الوحيد (الذي بنته الكويت الشقيقة) عن تقديم خدمات تليق بآدمية الإنسان.

-5 التراجع الملحوظ في قطاعات عديدة: التربية والتعليم بمستوياتها، الثقافة والسياحة ومجالات أخرى يطول ذكرها.

-6 عدم انسيابية الإجراءات في كل المرافق، وتفشي الفساد والرشوة، واستعلاء الكثير من المسؤولين في دوائر عديدة وعدم تجاوبهم مع مشكلات المواطنين.

-7 انتشار أحزمة الفقر والشحاذين القادمين من خارج المحافظة ومن خارج الدولة والمشكلات التي تصاحب وجودهم العشوائي (منطقة الحرشيات مثالاً).

إلى المحافظ المنتظر:

إذا أردت أن تعرف المزيد أبعد البطانة الزائفة الفاسدة التي تحيط بمواقع القرار في المحافظة، فهؤلاء لا همَّ لهم سوى بطونهم وأرصدتهم، وهم يسوقون أوهام:«كله تمام» وعليك أن تتخطاهم وتتفقد الأمور بنفسك، فشتان بين التقارير والواقع.

اهلاً وسهلاً بك أيها المحافظ الجديد، ولكن اعتبر من تاريخ ومغامرات الدون كيشوت وإلا ستظل تدور في حلقه مفرغة ولن تستطيع أن تحرك ساكناً أو تسكن متحركاً!!!

ولكن ربما يبقى الحال كما هو عليه بعد تزكية (بعض) المحافظين الحاليين وإعطائهم صبغة (ديمقراطية) باعتبارهم قد حصلوا على ثقة الناخبين ، وهذا الاحتمال وارد جداً، عندها سنترحم على الدون كيشوت، كونه- في الأقل- سعى لتغيير واقع حال!!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى