الشيخ أمين باوزير وأعلام عدن

> «الأيام» د. سمير عبدالرحمن الشميري:

> عدن مدينة منفتحة، مضادة للتزمت والانفلات، مفعمة بنقاء السريرة، تقطر عذوبة وفي وجهها البراءة والشفقة، وطنت نفسها على الحلم والبساطة، وحررت فؤادها من النرجسية والخبائث، فأصبحت قلعة من قلاع التنوير والمحبة والتسامح والأمان الروحي.

ففي كل بيت من بيوت الله في هذه المدينة الأنيسة تذكرك بعالم جليل، فما أن تدخل إلى مسجد العسقلاني تذكر الشيخ محمد بن سالم البيحاني، وإذا قادتك خطاك إلى مسجد العيدروس تسطع قامة الشيخ علي محمد باحميش بهيبته ووقاره ونبرات صوته الفخمة.

وما أن تدلف حارات وأزقة وشوارع الشيخ عثمان تذكر الشيخ أحمد العبادي الذي التصق اسمه بمسجد زكو، تذكر الشيخ محمد عبدالله حاتم ومسجد النور الذي ملأ الأسماع فصاحة وبلاغة وشجاعة وإقداما.

ومسجد جوهر يذكرك بالشيخ هائل الشميري (والد الشيخ عبدالرحمن هائل)، ومسجد بانصير يذكرك بالشيخ محمد بن داؤود البطاح، ومسجد الشيخ عبدالله يذكرك بالشيخ كامل عبدالله صلاح والشيخ أحمد بن أحمد مهيوب.

على واجب الاعتراف أني شعرت بالسعادة والهناء، وأنا أتصفح كتاب الأستاذ أمين سعيد باوزير (من أبرز أعلام الدعاة والتنوير في عدن خلال مئة عام 1900 - 2000)، فهذا الكتاب يقع في دائرة اهتمامي ويشعل فتيل الأسئلة الصغيرة والكبيرة ويطلق شرارات الجدل المفيد.

ولست بحاجة للقول إني نشرت بحثا في مجلة المستقبل العربي (بيروت) سبتمبر 2000 أكدت على الدور الريادي والتنويري لمدينة عدن، مع إشارات واضحة للقامات الثقافية والتنويرية التي تركت بصمة حميدة في الثقافة الوطنية، وفي نشر قيم الاستنارة والتمدن.

عند الولوج إلى متن الكتاب سيتعرف القارئ على الشيخ أحمد العبادي الذي قاوم المغريات، ورفض الجاه والمال والسلطة، وتفرغ كلية للعلم، حيث قال: «أنا لا أصلح لشيء غير التعليم والوعظ والإرشاد»، وستصافح أعين القراء شذرات من حياة العلامة محمد بن سالم البيحاني، وعلي محمد باحميش وأبوبكر المشهور، وسالم الشاطري ومطهر الغرباني وكامل صلاح ومحمد الصائغ وعبدالله باوزير وعبدالرحمن الشميري وعمر عرفان ومحمد عبدالرب جابر وعبدالرحمن أحمد وهائل الشميري ومحمد باعوضان ومحمد بن داؤود البطاح وسعيد باوزير وزين العيدروس وأحمد بن أحمد مهيوب.

في هذا الكتاب نقرأ بشغف عن أهل الورع والعلم، ونتعرف على شيوخ أجلاء، وعلى حياتهم الزاخرة بالأصالة والنضج، تميزوا بالزهد والسماحة، والنفوس العامرة بالإيمان والرحمة والمحبة والرضوان.

فهؤلاء الأفاضل يعتبرون جزءا من تراثنا وهويتنا، وأناروا حياتنا كمصابيح الليل، والعلامة البارزة في حياتهم هو أنهم لايقزمون بعضهم البعض، فبرغم ما حدث من تباينات في الرأي بين الشيخين الجليلين محمد بن سالم البيحاني وعلي محمد باحميش إلا أن الأخير كان يقول صراحة: «إن الشيخ البيحاني على ما بيننا من خلاف إلا أنه أجل وأعظم مني علما».

شكرا للأستاذ أمين سعيد عوض باوزير الذي أضاف فصلا جديدا من فصول المعرفة في حياتنا، وكسر أجنحة الصمت، وأنار مضائق الأذهان.

لقد أنصف العلماء في هذه المدينة الطيبة، وأعاد البسمة لعدن وأهلها، فـ «أهل عدن أهل دين وتواضع وصلاح ومكارم أخلاق، يحسنون إلى الغريب، ويؤثرون الفقير، ويعطون حق الله من الزكاة على ما يجب». (ابن بطوطة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى