«الأيام» تستطلع أوضاع مناطق زيق كرش.. مشاهد مؤلمة من واقع مرير.. ومدرسة على نفقة المحسنين

> «الأيام» أنيس منصور:

>
المدرسة التي تبرع بها توفيق عبدالرحيم
المدرسة التي تبرع بها توفيق عبدالرحيم
على بعد مسافة عشرة كليو مترات من مديرية كرش خلف سلسلة جبلية عبر طريق شاق جبلي ملتوي كالأفعى الأفريقية عند حالة الافتراس تقع مناطق وقرى زيق على مساحة متوازية في كرش، يبلغ تعداد السكان في زيق أكثر من 1300 نسمة في مساكن متناثرة على شرفات الجبال والتلال.. مناطق زيق تحتوي على ملف من القصص والأحزان والهموم والحرمان والفاقة والفقر المدقع والأجسام المريضة الهزيلة والطفولة المحرومة من أبسط مقومات الحياة ونساء مسافرات بأقدامهن يوميا بحثا عن الماء والحطب وأمية وجهل يستحكم عقول الكثير، وفي المقابل سلطة محلية ضائعة لا يعرفونها ولا تعرفهم إلا أيام القيد والتسجيل وفرز أصوات الانتخابات.. «الأيام» شدت رحالها لساعات لتسلط الضوء على مشاهد مؤلمة إليكم تفاصيلها باختصار:

فقراء على الرصيف:

الفقر هو العنوان العريض الممتد على مساحة زيق، ويعتمد الأهالي في مصدر عيشهم حسب رواية الحاج سيف مقبل أحمد الذي يملك رصيدا نضاليا وذكريات الثورات والمنعطفات التاريخية بقوله:«نعتمد على رعي الأغنام، والعمل بالأجر اليومي، واستخراج الفحم الحجري والاحتطاب، والزراعة الموسمية، وتربية النحل، ونسبة قليلة جدا موظفون في السلك العسكري والتربوي فقط».. ولوح الحاج مقبل بأنامله إلى المنازل والناس الذين يقتاتون آلامهم بالصمت والاحتساب وبيع الفحم، وهي عملية من العمليات الشاقة التي تكلف جهدا بتجميع الحطب وتركها أياما حتى تجف وتحويلها إلى قطع صغيرة ودفنها في محافر أرضية أياما، ثم استخراجها وبيعها في أكياس.. واستعرض أحد العاطلين عن العمل يدعى فؤاد شائف مدهش الوضع المزري والحياة القاسية التي تجشم من أجلها بحثا عن الوظيفة منذ عشر سنوات، وتحدث عن مصطلحات الشقاء والتعاسة ومصائب الفقر، صابا جام غضبه على المتلاعبين بحقوق المساكين، وإقصاء أبناء زيق من معاشات واستحقاقات الرعاية الاجتماعية مع سبق الإصرار والترصد.. وقال:«لقد خدعنا كثيرا أعضاء المجالس المحلية، وأوهمونا بخطابات عن اهتمامهم بحقوق المساكين والعاطلين عن العمل، لكنها غثاء وفقاعات صابونية سرعان ما ضاعت!!».

عملية استخراج الفحم الحجري والفقر المدقع
عملية استخراج الفحم الحجري والفقر المدقع
أمراض مزمنة.. ووحدة صحية بالاسم فقط:

استوطنت بعض الأمراض في زيق كالملاريا والبلهارسيا والسل الرئوي والحميات، وظهرت أمراض غريبة بسبب مياه وادي ورزان، ولوحظ على الأطفال والشباب هزالة أجسامهم والتقزم والإصابة بحالات نفسية، إضافة إلى معاناتهم الصحية وتكاليف الإسعافات إلى كرش والراهدة والحوطة، وعدم وجود خدمات صحية بالحد الأدنى.. وتحدث عضو المجلس المحلي علي حسن محمد عن الوحدة الصحية، وهي عبارة عن غرفة صغيرة ذات بناء شعبي قديم لا يوجد بها مقومات الوحدة الصحية من حيث التجهيزات والأدوية، وهي على وشك الانهيار، قائلا:«مناطق زيق بحاجة إلى بناء وحدة صحية بكل محتوياتها».. فيما شكا الأهالي إغلاق هذة الوحدة الصحية، وقالوا: «إن نشاطها فقط أيام اللقاحات، وهي وحدة صحية بالاسم فقط!!».

الأراضي الزراعية ومخاطر السيول:

هناك ارتباط وثيق بين الأرض والإنسان في زيق لأنها تعيل وتكفل أسرا حاصرها الفقر من الوريد إلى الوريد.. يؤكد أبناء زيق عنهم علي صالح محمد الذي تحدث قائلا:«إن الأراضي الزراعية هي سبيلهم الوحيد في ظل أوضاع اقتصادية متردية، وأزمات تثقل كاهل المواطنين.. فمن المشاهد المؤلمة صورة الأضرار التي تخلفها كوارث السيول من جرف للأراضي والمزروعات، وإتلاف للمحاصيل الزراعية، وطمس للآبار، وهناك كشف وجدول عريض يحتوي على قائمة المنكوبين الذين جرفت أراضيهم ومزارعهم، وتقدموا ببلاغات واستغاثات تدعو لإنقاذهم وتعويضهم بعمل مسدادت ودفاعات، لكن لا حياة لمن تنادي!».. وتنهد علي صالح بزفرات وحسرة وحرقة مضيفا:«أين الدولة؟.. أين وزارة الزراعة أين أين؟! سقى الله أيام زمان عندما كانت تنزل لجان زراعية لتقصي الأضرار وتعويض المتضريين!».. وقال محمد صالح أبوهشام:«أتمنى ولو مرة واحدة أن يشعر أبناء زيق أن هناك دولة وسلطة تتلمس هموم وأحوال الناس وتساعدهم وتخفف عنهم المعاناة التي يتجرعونها».

مبنى شعبي يسمى الوحدة الصحية
مبنى شعبي يسمى الوحدة الصحية
فوانيس ولو طال الزمن:

الزائر لقرى زيق ليلا يرى أضواء ضعيفة خافتة في زوايا المنازل، وتبدو من بعيد مناطق الفوانيس المنزلية والعالقة فوق الرؤوس يتصاعد منها دخان أسود، وأصبح الظلام أحد فصول ومرتكزات المعاناة التي يقاسيها أبناء زيق أبد الدهر.. قرى ومنازل وعشش دخلت موسوعة (جينس) وحطمت الرقم القياسي من حيث عدد الفوانيس والقماقم القديمة المحفوظة لديهم كابرا عن كابر!! وأصبحت مناطق زيق تلقب بقرى الفوانيس!.. لا كهرباء ولا مولدات ولا حتى مخططات أو إشارات تدل على أن الكهرباء ستصل إليهم، ومن بين ثنايا الليل الدامس والظلام الرسمي والفوانيس المتصدئة ترتفع الأصوات والآهات والأكف المرتفعة إلى السماء مطالبة فقط برفع الظلم والظلام الحسي والمعنوي.. وبصوت مرتفع وزحام شديد حول أداة التسجيل وعدسة الكاميرا تحدث بشير مقبل سيف قائلا: «ستظل وستصبح زيق على الفوانيس ولو طال الزمن».. هكذا وجدناهم يشكون ويبكون الحال التي وصلت إليها مناطق زيق كرش في ظل الحديث عن الطاقة النووية والسعة الحرارية وبرامج وخطط التوسعة لخطوط التيار الكهربائي!!.. وتلفظ محمد الحداد بسخرية قائلا:«مناطقنا لا تصلح إلا لإقامة بروفات أفلام ومسلسلات عن العصر الحجري والجاهلي!!.. لم نجد شيئا يدل على وجود الدولة!".

مدرسة على نفقة المحسن توفيق عبدالرحيم:

لم يصدق القاطنون في زيق أن لديهم مدرسة جديدة على نفقة رجل الإحسان توفيق عبدالرحيم مطهر بعد أن كان أولادهم يقضون ساعات تعليمهم تحت الأشحار في العراء الطلق، فهم يتعلمون إلى الصف السادس فقط، ثم يغادرون الفصول بحثا عن الأعمال وبيع القات.. وقصة بناء مدرسة الشهيد عبدالصمد مطهر طويلة بدأت أولى حلقاتها من صحيفة «الأيام» التي نزلت إلى مناطق زيق واستعرضت صورا ومشاهد مؤلمة لواقع تعليمي مرير بمرارة العلقم تهز المشاعر وتوقف الإحساس، وأشفق لحالها قلب رجل الأعمال والإحسان وأعلن استعداده بقلب طاهر ونفس يملؤها حب الخير، وتواصل هاتفيا مع الشيخ والنائب البرلماني عبدالجليل جازم، وما هي إلا أيام معدودة بعد صدور «الأيام» بداخلها مانشت عريض عن قصة الطلاب في العراء والبرد عزم توفيق عبدالرحيم على إنشاء مدرسة ضخمة بكل ملحقاتها ومحتوياتها، وهي حاليا كما في الصورة على وشك التشطيبات الأخيرة ليدخل طلاب وطالبات زيق العام الدراسي القادم في المدرسة الجديدة.. وهاهي مدرسة الشهيد عبدالصمد مطهر مبنية باتقان عملي جيد وإشراف هندسي ومتابعة توفيق عبدالرحيم، حيث وجدنا المئات من أبناء ومشايخ زيق مسرورين فرحين سعداء بهذا المنجز، وكلمات الشكر والثناء على ثلاثي الأساس: «الأيام» ورجل الخير توفيق عبدالرحيم ودور الوسيط عبدالجليل جازم، الذين علموا لمناطق زيق ما لم تعلمه الجهات المسئولة بالمديرية.. ووضح أبناء زيق أنهم بحاجة إلى تسوير المدرسة للحافظ عليها وبناء خزان حصاد لمياه الأمطار من سطح المدرسة وأملهم كبير جدا في استكمال ما تبقى.. وبهذه الفرحة والشكر والبيان فإن أبناء زيق معهودون بالوفاء والحفاظ على المبنى المدرسي لتعلم الأجيال ولينقشع غبار الجهل والتخلف والأمية.

مياه وادي ورزان وهي مصدر الامراض المزمنة
مياه وادي ورزان وهي مصدر الامراض المزمنة
مسك الختام:

مناطق زيق كرش مجرد أنموذج بسيط للأوضاع الخدمية غير الموجودة في كرش، وهي بحاجة إلى اهتمام حكومي ورفدها بالمشاريع والتحية معطرة نرسلها إلى المناضلين في زيق وفي مقدمتهم عبد سركال محمد وهشام محمد صالح وإلى كل الذين يبحثون عن الحرية والمواطنة المتساوية والعيش الكريم في ظل مؤسسات الفساد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى