تحية لـ «الأيام» في ذكراها الخمسين

> فاروق لقمان:

> ستحتل جريدة «الأيام» الغراء فصلاً بارزاً في تاريخ الصحافة اليمنية في القرن العشرين والقرن الحالي بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بجهود المؤسس الطيب الذكر الأستاذ محمد علي باشراحيل رحمه الله وبعزيمة وكفاءات ولديه الناشرين هشام وتمام ومعهما الجيل الجديد من أبنائهما.

جميعهم كل حسب مؤهلاته وخبراته وصبره أسهم بنصيب وافر في إحياء الجريدة أولاً كما تركها الوالد الراحل ثم بإضافة ما تعلموه منه وفي معترك الصحافة الوطنية الحديثة. فأحدثوا طفرة تحريرية وتقنية في وقت كانت بعض صحف الوطن وخارجه إما قد اختفت أمراً وقسراً - كما حدث لصحف دار «فتاة الجزيرة» يوم إطلالة الاستقلال - أو أنها ظلت بعد ذلك تصارع الفقر المادي والمهني والبلاء العقائدي.

كانت «الأيام» قد أُجبرت أيضاً على الاختفاء من ساحة الإعلام قبيل الاستقلال عندما واجهتها مخاطر لا قبل لها بها واضطر أصحابها إلى ترك دار الطباعة والنشر والنزوح إلى شمال الوطن الذي بذل كل ما لديه على قلته للترحيب بكافة الأهل الذين اضطرتهم ظروف قاسية إلى البحث عن ملاذ جديد بدءاً من الصفر. فمنهم من استقر في أي قطعة من الأرض الطيبة وجدها في الشمال رغم كل المعاناة ومنهم من واصل الترحال للاغتراب خارجه.

وفي أحد أيام 1990 وبالذات بعد تحقيق الوحدة المباركة اتصل بي الزميل الصديق هشام محمد علي باشراحيل ليقول لي إنه على وشك إعادة إصدار «الأيام» وهو لا يمتلك سوى أقل ما يمكن توفيره لمشروعه الجريء ويحثني على العودة إلى أرض الوطن الموحدة بفضل الله، أو لو شئت الاشتراك معه في مشروعه المبارك إن أحببت. لكن ظروفي لم تكن تتيح لي اتخاذ خطوة كبيرة كتلك فقد كنت أيامها ملتزماً بتحرير أكبر جريدة باللغة الإنكليزية في شبه الجزيرة العربية بعدما بدأتها قبل ذلك التاريخ بعشرين عاماً. إلا أنني سررت بفكرته وجرأته وإقدامه وباركتها وتمنيت له كل التوفيق.

وفعلاً شاءت إرادة الله أن يتوفق الزميلان هشام وتمام رغم كافة التحديات والصعوبات المالية والمهنية في إصدار أكثر الصحف اليومية رواجاً في الوطن كما كانت أيضاً في الجنوب المستعمر حين كنا نتنافس بشرف ومهنية وتعايش سلمي لاكتساب ثقة القراء ومحبتهم. ولم يحدث خلال تلك العقود أن رفع أحد من أهل الصحافة وكنا على رأسها سلاحاً أو حتى مسواكاً في وجه منافس له حتى في أحلك الظروف. كنا نتسابق لصالح الخبر الصادق ونعمل بهمة وأمانة لبيع أكبر عدد ممكن من الصحف خدمة للقارئ بأقل ثمن ممكن حتى نتفادى الخسارة. وإذا فاض معنا بعض المال استلفنا فوقه واستثمرناه في آلة جديدة لصناعة الحروف وسباكة الصور بدون أن نكون صنيعة لحزب أو حكومة أو جبهة ما أو مؤتمر نقابات أو جماعة تجارية وطنية أو أجنبية.

ولما استأنفت «الأيام» الصدور بعد عام 1990 كانت شركتنا الموقرة تقوم بتوزيعها في المملكة العربية السعودية التي تمتلك أكبر شبكة توزيع في المنطقة بأكملها. ولما كانت قريبة مني حرصت على استقبالها عند وصولها إلى المبنى لأطلع على ما فيها من أخبار مسقط رأسي لأني كنت قد اشتركت فيها وأدفع ثمن الاشتراك السنوي استشعاراً بقربها مني وبدفء الوطن الحبيب الذي تمثله وحباً لمسقط الرأس الذي تصدر منه وهي على بعد خطوات من البيت الذي ولدت فيه والميدان الذي لعبت فيه في ظل المنارة العتيقة التي شهدت بدايات عمري منذ الصيحة الأولى.

وهكذا ظللت على صلة وثيقة بـ«الأيام» الغراء أولاً بالاشتراك المدفوع ثم بالكتابة بين الحين والآخر وحالياً بالاطلاع على ما فيها على شاشة الانترنت لأنها باتت أقرب إلي عاطفياً من حبل الوريد وكأني أرى فيها انعكاساً لجريدة «فتاة الجزيرة» التي عملت فيها مع والدي وإخوتي حتى اليوم الأول من الاستقلال. ولم تخيب «الأيام» الظنون فقد ظلت كالزهرة اليانعة الدائمة الازدهار تتألق حتى في أقسى الأحوال المناخية. وواصلت البقاء وهي تقتات من رواجها الشعبي الشريف حتى أصبحت من الأكثر رواجاً في الوطن الكبير ولعل قراءها في الطبعة الإلكترونية أضعاف عدد الذين يفضلون الإمساك بورقها والاستمتاع بعناوينها وهم في البيوت والمقايل ويزدادون لها ولعاً وبتغطياتها شغفاً.

ومن الإنصاف وأنا أستعرض نبذة من تاريخ الصحافة اليمنية الحديثة بعد الوحدة الفاضلة أن أشهد للحكم الذي يرأسه الأخ القائد على عبدالله صالح منذ توليه برعاية وتنمية الصحافة اليمنية ومنها بالطبع جريدة «الأيام» حتى وإن كانت في تغطياتها لا تسعى دائماً إلى إرضاء الجميع حكاماً ومحكومين. وقد تحدثت هاتفياً أكثر من مرة وشفاهة أثناء الالتقاء في الوطن وخارجه مع رئيس التحرير عن احترام الرئاسة خاصة والحكومة عامة لحرية التعبير الصحفي في اليمن الميمون كحق مشروع. واتفق معي على ذلك وأن «الأيام» وغيرها تتمتع بمساحة واسعة من الحرية لا نجد لها مثيلاً في بلدان أخرى في كل الأحيان. فلما قلت في مقال سابق في موقع آخر أن سيادة الرئيس وهو يشرف على مجريات الأمور في الوطن يتميز بسعة صدر ورحابة قلب حتى وإن لم يسره بعض ما يقرأ كنت أعني ما أقول بصدق وموضوعية وبأمانة فائقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى