الفتاة

> فضل النقيب:

> نُشرت جريدة «فتاة الجزيرة» في يناير عام 1940 واستمرت حتى غداة الاستقلال ورحيل بريطانيا عن عدن عام 1967، وكان من الجلي في استمراريتها ونهجها الواضح أن إرادة صلبة واعية تقف وراءها ممثلة في مؤسسها الرائد المجاهد محمد علي لقمان الذي كان يمثل الديناميكية الجديدة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.

وكان في تفكيره وكتاباته ومجاهداته يعكس قدرا عظيما من التنوير الديني والأخلاقي والاجتماعي، لاشك أنه انعكس على طلائع النخبة التي نالت قسطا من التعليم، وأخذت تتقاطر على عدن، وتؤلف روح التفتحات الجديدة والحداثة المتأثرة بطموحات وتطلعات البلدان المستعمرة في مصر والعراق والهند، مؤذنة بزوال العصر الإمبراطوري، ومؤسسة لبزوغ عصر جديد تتصدره كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اللذين أخذا يحملان مُثلهما، وينشران نفوذهما في العالم الجديد.

وكان محمد علي لقمان من الذين تابعوا واستوعبوا هبوب الرياح الجديدة من الغرب والشرق، واستشعر مبكرا أن بلدا لن يكون خارج العاصفة حين تضع الحرب العظمى أوزارها.. فكيف الحال بموقع إستراتيجي في عقدة المواصلات العالمية كعدن؟.. ولم يمر وقت طويل حتى استحكمت العواصف، وثارت الزوابع، وتصادمت الأفكار والرؤى، ثم جاء الطوفان، والرجل يغالب ما استطاع ماخرا على ظهر سفينته «فتاة الجزيرة» وسط موج هدار من الإصدارات الصحفية المتنوعة، حيث يغني كل على ليلاه.

ونقرأ في مشرق العام الثالث من عمر الفتاة (4 يناير 1942)، والحرب على أشدها، الافتتاحية التي كتبها محمد علي لقمان بقلمه البليغ ورؤيته البعيدة: «تتخطى هذه الصحيفة عامها الثاني، وتستهل عامها الثالث في وجه عاصفة هوجاء تغمر هذا الكون، وتدفع بالعمران إلى الخراب، وتلقي بالخصوبة إلى يباب، وبالأمن إلى الخوف، وبالرخاء إلى الشدة، وبالأمل إلى اليأس، وبالحياة إلى الموت، و«فتاة الجزيرة» تسير قدما نحو هدفها الأسمى ومثلها الأعلى بقدم ثابتة لاتضطرب ولاتتزعزع».

يا ترى ما هو الهدف الأسمى..؟ يواصل محمد علي لقمان في مكان آخر من الافتتاحية: «رسالة «فتاة الجزيرة» أن تهدي من ضل، وتأخذ بيد العاثر متى زل، ولها في تقدير رجال العرب لما تقوم به من الخدمة العامة ونشر الثقافة في هذا الوسط خير جزاء، وسوف تسير هذه (الفتاة) في تحقيق غاياتها إلى النهاية حتى يأتي اليوم الذي ترى فيه أبناء الجزيرة وقد تبؤوا المقام اللائق بهم بين الشعوب الحرة النشيطة».

وعلى صفحات (الفتاة) نلتقي دائما بالشاعر علي محمد لقمان ابن المؤسس، وكان ظاهرة في حينها وأمة لوحده، فقد ترك السياسة المباشرة لوالده، واتجه إلى دنيا الأدب الساحر، وكان بارعا مبدعا في شعره ومجددا ملهما.. ونقرأ من شعره:

لا الأهل أهلي ولا الجيران جيراني

أنا الوحيد بقلب ثائر عاني

يثور قلبي وفي شعري عواصفه

لو أن قومي بأبصار وآذان

إلى متى يتنزى الجنب مضطرما

والقدم في النار مثل النائم الهاني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى