السلطعون لايمكن تعليمه السير مستقيما

> محمد علي محسن:

> ماحدث خلال الأيام الفائتة في البرلمان أظهر جليا أننا بحق في بلد لم يعرف من الديمقراطية سوى تهجئة حروفها أو شكلها، فيما جوهرها وممارستها فمايزال الوقت مبكرا للحديث عنهما وعن إمكانية التغيير وانتقال السلطة عبر صندوق الانتخاب.

ما شاهدناه وسمعناه في جلسة التصويت على قانون الانتخابات يؤكد حقيقة واحدة لا صلة لها ألبتة بإصلاح العملية الانتخابية، مثلما هي المواجهة المحتدمة بين أغلبية كاسحة وأقلية كسيحة، بل يمكن القول إنها تندرج في سياق التعديلات والاتفاقات والمشروعات السابقة التي عادة ما تبدأ بتسريب صحفي لوسائل الإعلام، ومن ثم تتبعها معركة كلامية بلا طائل، فاتفاق هدنة للحوار، وفي نهاية المطاف يبرز للعيان المخرج، وهو يستحكم بكافة خيوط اللعبة السياسية.

هكذا هو حالنا في كنف الحاضر الوحدوي غير المستقيم أبدا، فرغم يقيننا أنه لايمكننا أن نعلم السلطعون أن يسير مستقيما، رحنا خلف حكم أعوج من رأسه حتى ذيله، وفي منطقة لاتريد ذهاب الماضي أو تود مجيء المستقبل (بحسب قول أطلقه الكاتب محمد حسنين هيكل قبل عقد ونصف).

لا جديد تحت قبة البرلمان، الوجوه والأحزاب والخلافات في الأغلب هي ذاتها المنشغلة بشرعنة وتأصيل استدامة الحاكم، باعتباره صاحب الفضل الأول في إيصالها إلى مجلس ليس له من الأمة أو الشعب سوى اسمه.

لا أفهم كيف صارت قضية المعتقلين في سجون مخالفة للدستور والقانون، ولمدة أربعة أشهر ونصف، وبتهم سياسية، ورقة مستخدمة في عملية التوافق على قانون ولجنة الانتخاب؟! ولماذا الحزب الاشتراكي هو من اشترط التصويت مقابل إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسين؟!.

نعم مسألة الإفراج مثلت مطلبا ملحا لتكتل أحزاب المشترك، لكن ما هو مؤكد أن حاملها الأوحد تجلى واضحا في قاعة مجلس النواب، إذ كانت جميع الأحزاب قد ألقت بورقة المعتقلين على كاهل كتلة الاشتراكي القليلة العدد، وبما يشير إلى الاعتراف الجمعي بأنه الممثل الوحيد للقضية الجنوبية، بلاشك بتبدل الخارطة السياسية في المحافظات الجنوبية منذ إقصاء الشريك في تحقيق الوحدة في حرب 94م. ومع هذا التغيير الحاصل في التمثيل النيابي بدأ المشهد وكأنه لا مؤتمر ولا إصلاح في الجنوب، فلقد فضل المؤتمر الصمت والإصلاح التراجع للخلف، ولسـان حالـهما يقول (للـجنوب وأهله حزب).

شكرا لكم أيها النواب، فبعد حوارات واتفاقات الأحزاب السياسية، ها أنتم تكشفون وهن وضعف دعاة التعددية والحوار والتداول السلمي للحكم!. شكرا لكم نوابنا الأفاضل، فلم يكن بوسعنا رؤية الصورة الحقيقية، كما هي الآن، وفي قادم الأيام لولا ما شاهدناه من معظمكم، إسقاطكم لمشروع التعديلات ليس له معنى غير أن العبث والفوضى هي صاحبة اليد الطولى، كما أن رفضكم إطلاق المعتقلين السياسين لبرهان ساطع على ماهية الطرق والوسائل التي يجب اتباعها في المستقبل.

أعلم جيدأ أن التوافق حول الانتخابات البرلمانية القادمة لن يحسم الخلاف المستديم، أو سيكون له ما يدعونا للتفاؤل بإمكانية حدوث المعجزة الديمقراطية عبر انتخابات حرة ونزيهة، لكنه يبقى توافقا سياسيا محكوما بالتجربة والممارسة، وإسقاطه بتلك الطريقة المفاجئة لم يكن من قبيل المصادفة أو المصلحة، بل يمكن قراءة ما حدث على أنه اصطفاف تقليدي نفعي أعاد الذاكرة إلى ما قبل حرب 94م، حينما تصدت هذه القوى لمشروع إقامة الدولة العصرية، وها هو التاريخ يعيد نفسه على شاكلة مهزلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى