لغز الاستثمار في عدن!!

> م.وحي امان:

> أكثر من ثماني عشرة سنة مرت على إعلان مدينة عدن عاصمة اقتصادية وتجارية لليمن، ومرت السنون والأعوام وتكررت الدعوات والوعود بتدشين المشاريع الاستثمارية الضخمة في المنطقة الحرة والتشغيل التجاري لموانئ عدن.. وكم سمعنا من ضجيج ولم نر سوى قليل جدا من الطحين.

ولا تخلو بقية المدن ومحافظات اليمن الأخرى من ميزة العزوف والتخوف من الاستثمار الحقيقي.. وعندما نخص حديثنا هذا عن مدينة عدن بالذات فذلك لاعتبارها أكثر المحافظات المؤهلة للبدء في خلق حركة استثمارات واسعة بسبب كثير من الميزات والمقومات، لعل أهمها موقعها الاستراتيجي، والقريب من خطوط الملاحة الدولية، وطبيعتها الساحرة، وأراضيها الواسعة، وبحكم الطباع والميزة المدنية لسكانها المسالمين المخالطين لبقية الأجناس منذ القدم، وكذا تمسكهم بتطبيق النظام والقانون في حياتهم اليومية.

ويستغرب المراقب للوضع اليمني عزوف الاستثمارات الأجنبية والعربية عن نشوء استثمار حقيقي في المجال الصناعي والسياحي يخلق الأمل بأن تحتل مدينة عدن مكانة مرموقة بين مدن الاقتصاد العربي والدولي.

وعلى الرغم من تعاقب الحكومات اليمنية وسعي كل حكومة جاهدة لخلق سياسة اقتصادية جاذبة للاستثمارات خاصة لرجال المال والتجار اليمنيين المغتربين في الخارج إلا أن أغلب الوعود والتصريحات لم تكن سوى فرقعات إعلامية أو حجز أولي للأراضي والمساحات المخصصة للمشاريع الوهمية، وكأن إعطاء الضوء الأخضر للبدء في استثمار حقيقي لم يحن حتى الآن لأسباب بعضها واضحة وأغلبها مجهولة.

وقد توافدت في الفترات الماضية أكثر من شركة خاصة لغرض الاستثمار في مدينة عدن.. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: شركة العيسائي والحريبي، مجموعة بن محفوظ، مجموعة العيدورس، ومجموعة العمودي، وغيرهم كثيرون، الذين جاءوا استجابة للدعوات المتكررة من الحكومة اليمنية للرأسمال المغترب للاستثمار في وطنهم اليمن.. وبالفعل بدأ بعضهم بشراء أو بالحصول على أراض لمشاريعهم، وبدأ بعضهم في التنفيذ الأولي لبعض المشاريع، إلا أن أغلب الشركات والمشاريع الضخمة توقفت ولم نر أي مشروع استثماري ضخم تم تنفيذه على أرض الواقع سوى عدد بسيط من المشاريع الصغيرة أو المشاريع التي تم تنفيذها من قبل بعض البيوت التجارية الموجودة في الداخل المتفهمة للواقع اليمني، ومع ذلك لا تخلو أعمال هذه البيوت التجارية من الصعوبات والمضايقات الكثيرة، سواء من السلطة أم من أجهزتها المختلفة أم من الفساد المستشري على طول البلاد وعرضها، وبدلا من أن تكافئ الدولة وتدعم عمل هذه الشركات المحلية نجدها تتعمد التدخل المباشر في أنشطتها ومضايقتها.. والأمثلة على ذلك كثيرة ولا داعي لذكرها.

في ظل هذه السياسات الخاطئة بالإضافة إلى عدم وجود خطوات عملية جادة في تحسين سمعة ومكانة اليمن في الخارج، وحل جميع المشكلات السياسية والاقتصادية لمركزية السلطة، والمعالجة الشاملة لإصلاح القضاء، وبالأخص القضاء التجاري، يظل الأمل ضعيفا في خلق سوق اقتصادي وحركة استثمارات حقيقية تعمل على النهوض الجاد بمعيشة المواطن، وبناء اقتصاد قوي قادر على خلق عدالة اجتماعية ومستوى معيشي مقبول للمواطن اليمني.

فلا يكفي إصدار القوانين الجاذبة للاستثمار إذا لم تكن هناك خطوات جادة في تحسين البيئة الاستثمارية على أرض الواقع، ومع ذلك فإننا نرى أن واجب الجميع - سواء مؤسسات الدولة أم جامعاتها المختلفة أم الشركات أم رجال الأعمال أم فئات المجتمع كلها - العمل والمساعدة على وضع الحلول العملية والناجعة لمعالجة الاختلال والأسباب المؤدية إلى عزوف الاستثمار الحقيقي عن المجيء إلى اليمن.

ومن وجهة نظرنا المتواضعة نرى أن أهم ما يمكن أن تقوم به الدولة (كمرحلة أولى) من إجراءات جادة للنهوض بالحركة الاستثمارية في مدينة عدن تتخلص في الآتي:

1- تطبيق نظام مرن وسريع في كيفية تطبيق الإجراءات العملية للحصول على تراخيص العمل اللازمة لتنفيذ المشاريع الضخمة، وتطبيق نظام (النافذة الواحدة) كما وعدت بذلك الحكومة في أكثر من مناسبة.

2- تسليم إدارة المنطقة الحرة - عدن إلى إحدى كبريات شركات التطوير العقاري العالمية وفقا لاتفاق يحفظ حقوق الطرفين، ويسري لمدة لا تقل عن عشرين عاما وفقا لخطوط عريضة تحددها الحكومة تحفظ الحقوق السيادية للدولة وتعطي إغراءات وفرصا جادة للشركة المكلفة بإدارة المنطقة الحرة التي تعمل على تشغيل وجذب الشركات العالمية الأخرى للعمل في اليمن، بحيث يتم تحديد ما تحصل عليه هذه الشركة من مردود وفقا لما يتم تنفيذه على الأرض من مشاريع استراتيجية في المجال التجاري والصناعي والسياحي على وجه الخصوص.

3- التزام الحكومة برصد الإمكانات اللازمة للمحافظة لتنفيذ مشاريع الخدمات الرئيسة وتوصيل شبكات الخدمات العمومية من طرقات وكهرباء ومياه واتصالات إلى قرب المواقع المخصصة للاستثمار في مدينة عدن، سواء لمشاريع المنطقة الحرة أم لمشاريع الاستثمار السكني والعقاري والمشاريع الأخرى.

4- إعادة تخطيط مدينة عدن بصورة عصرية، والاستفادة من الطبيعة الساحرة، وتزاوج الجبل مع البحر، وعمل القنوات المائية والبحيرات الصناعية والنوافير البحرية، والاستفادة من إيرادات المحافظة في تحسين الصورة الجمالية لجولاتها وطرقاتها، من خلال التشجير، وإعادة تخطيط المواقف العامة، وتركيب اللوحات الإرشادية للطرقات والحارات وفقا للمقاسات العالمية، وإدخال نظام تحديد المواقع والشوارع بوساطة الأقمار الاصطناعية (نظام GPS) كما هو معمول به في أغلب المدن العربية.

5- التسريع في إيجاد سوق للأوراق المالية وبورصة الأسهم في اليمن، وتخفيف القيود على عمل البنوك التجارية العالمية العاملة في اليمن وفقا لما يعمل به في دول الخليج العربي المجاورة.

6- التهيئة والإسراع في إعلان مدينة عدن مدينة رقمية، وتأهيل جميع المرافق الحكومية والخدماتية لنظام الكمبيوتر، وإدخال شبكات الإنترنت اللاسلكي والسريع المجاني في جميع مناطق المحافظة.

7- العمل بنظام الأجواء المفتوحة لمطار عدن الدولي وإلغاء السياسة الخاطئة للطيران المعمول بها حاليا بعد التأهيل التقني لمطار عدن الدولي ليكون محطة عالمية مرتبطة بحركة الطيران العالمية مباشرة، وفتح المجال واسعا لفتح مكاتب تمثيل لشركات الطيران المختلفة وشركات الملاحة والتخليص الجمركي العالمية.

8- تسهيل ودعم شركات الترويج والتسويق السياحي العالمي، وفتح مواقع إلكترونية ودعائية تقوم بنشر وتعريف كامل عن اليمن والفرص الاستثمارية في المنطقة الحرة بعدن، وكذا التعريف بوجود المقومات الطبيعية لفتح وكالات للغوص البحري والأفواج السياحية، خاصة خلال فصل الشتاء، نتيجة لما تتمتع به مدينة عدن من طبيعة ساحرة وجو دافئ معتدل خلال الفصل (نوفمبر- فبراير)، الذي يؤهلها لتكون مصيفا شتويا عالميا خلال الأشهر التي تعاني فيها أغلب دول العالم من قساوة وشدة البرد.

9- الاستفادة من اتفاقيات التوأمة بين مدينة عدن وبعض المدن العصرية، من خلال تنظيم وإقامة دورات تأهيلية وزيارات استطلاعية لأعضاء المجلس المحلي للمحافظة لتعريفهم بما يجري في باقي المدن الاقتصادية الأخرى، والعمل على تطبيق ما شاهدوه من مشاريع تطويرية وحضرية على مدينة عدن.

فلا يعقل أن تكون هناك إيرادات وموازنات للمحافظة ولم يتم الاستفادة منها لعدم وجود تصورات لما هو مطلوب من مشاريع تحتاجها المحافظة.

10- الاستفادة القصوى من الإمكانات المادية والعقارية التي ستوفرها إقامة بطولة خليجي 20 في مدينة عدن عام 2011م، لإبراز الوجه الحضاري والرياضي والتجاري والسياحي لمدينة عدن، بحيث ينعكس ذلك على زوار المدينة من دول الخليج العربي خلال هذه البطولة.

ما ذكر سابقا ما هو إلا غيض من فيض لما يمكن أن تقوم به الدولة من خطوات جادة وعملية سريعة لحل معضلة العزوف عن الاستثمار في اليمن، بعيدا عن التنظير والمؤتمرات التي شبعنا من الحديث عنها وعن قراراتها التي لم ينفذ منها شيء.. والكرة حاليا في ملعب الحكومة لكي تبدأ عملية تصحيح مسار الاستثمار في عدن والبدء في الاختيار السليم للكفاءات والأشخاص المؤهلين وتكليفهم بإدارة أجهزة ومرافق الدولة الخدماتية في المحافظة، بعيدا عن المحسوبية والولاءات القبلية والمناطقية والتوازنات السياسية، وأن تضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار.

ولابأس من الاسترشاد والسير على نهج من سبقونا في النهوض الاقتصادي من الدول المجاورة التي نهضت نهوضا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية في جميع المجالات، وذلك بفضل رجال أفذاذ صنعوا معجزات لبلدانهم يفخر بها التاريخ أمثال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والسيد مهاتير محمد وغيرهما كثيرون.

والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى