درويش.. ضمير فلسطين الذي لم يسافر

> علي ناصر محمد:

>
غاب عن عالمنا الشاعر الكبير المناضل الراحل محمود درويش، فكانت الفجيعة برحيله نكبة خاصة ومتفردة تضاف إلى النكبات التي منيت بها فلسطين والأمة العربية، رحل ولمـّـا يتحقق حلمنا الكبير الذي كان المترجم الأمثل له ضميرا وقلبا وفكرا وشعرا وكلمات لاتنسى.

إنه السفر الأخير لشاعرنا العملاق الذي طالما كان يردد ولاتزال كلماته تدق ناقوس الذاكرة «وطني ليس حقيبة وأنا لستُ مسافر». الآن قرر الاعتراف بالسفر، ولكن بعد أن خلق (محمود درويش) في كل محطة وفي كل ذاكرة وفي كل بلد عربي وأجنبي.

لقد جمعتني بالشاعر الكبير الراحل محمود درويش عدة مناسبات متفرقة زمانا ومكانا، ولا أزال أذكر جيدا زيارته إلى عدن سنة 1972، وهو في أوج شبابه وحيويته لايألو جهدا في إسماع صوت فلسطين والتعبير عنها بلغة قل نظيرها إلى أن باتت لغة خاصة مملوكة له ومملوكين معا لفلسطين وللقضية الفلسطينية. وفي زيارته تلك طبع كعادته صوت درويش وصورته ولونه وجرحه. وكانت آخر مناسبة التقيته بها في باريس بحضور الصديق فواز طرابلسي والسفيرة ليلة شهيد وآخرين، ولم يكن إلا كما عودنا شاعر في أوج شبابه الشعري.

هناك كان يجدد العهد وينشط الذاكرة العربية والعالمية، ويكرر غير آبه بكل المتغيرات وكل المستجدات وكل الخرائط الجديدة «وطني ليس حقيبة، وأنا لست مسافر».

وهكذا يعبر درويش عن رفضه الاستسلام للأمر الواقع الذي يتمثل في الاحتلال والمأساة والشتات ورحلة البحث عن الوطن داخل الوطن، وليس خارجه كما يريد المحتل والغاصب للأرض وحلفائه الذين يتشدقون بقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.

لقد ترك الشاعر الكبير الراحل محمود درويش إرثا شعريا يكفي لأن تشرب من معينه القضية الفلسطينية فتبقى واقفة كشجر الزيتون العصي على الزوال، وتبقى في الذاكرة العربية والعالمية منهجا للمقاومة بسلاح الكلمة والصوت والحب والسلام.

رحم الله شاعرنا الكبير.. وتقبّله كما يتقبّل الشهداء والصدّيقين والصالحين والأولياء، فهو شهيد الكلمة.. صدّيق الموقف.. صالح الروح.. ولي الحب للأرض والإنسان.

وإذا كان (الموتى سواسية أمام الموت) كما كان يقول شاعرنا الكبير محمود درويش فإنهم بلاشك مختلفون أمام الله.

عدن

ذهبنا إلى عدن قبل أحلامنا، فوجدنا القمر

يضيء جناح الغراب.. التفتنا إلى البحر قلنا لمن؟

لمن يرفع البحر أجراسه، أنسمع إيقاعنا المنتظر؟

ذهبنا إلى عدن قبل تاريخنا، فوجدنا اليمن

حزينا على امرئ القيس، يمضغ قاتا ويمحو الصور

أما كنت تدرك، ياصاحبي، أننا لاحقان بقيصر هذا الزمن؟

ذهبنا إلى جنة الفقراء، نفتح نافذة في الحجر

لقد حاصرتنا القبائل يا صاحبي، ورمتنا المحن

ولكننا لم نقايض رغيف العدو بخبز الشجر

أما زال من حقنا أن نصدق أحلامنا، ونكذب هذا الوطن؟

محمود درويش

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى