الدولة التي تدوس بقدميها على الدستور وقوانينها والاتفاقيات المصادق عليها(1-2)

> د.محمد علي السقاف:

> إنها تشريعات للفرجة وللعالم الخارجي، فهي موجهة بصفة أساسية للدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي، وليست التشريعات من دستور وقوانين وضعت لتنظيم سلطات الدولة، وتعريف الوطن بحقوقه وواجباته إزاء الدولة، ولايقتصر الأمر على مستوى التشريعات الوطنية فحسب، بل يمتد أيضا إلى مستوى الاتفاقيات والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي لاتتردد اليمن بالمصادقة عليها دون القيام بالعمل على تطبيقها على أرض الواقع، معتمدة في ذلك على ارتفاع نسبة الأمية بين مواطنيها، وغياب الوعي القانوني بين غالبية نخبها في العقد الماضي.

أتيح لكاتب هذه السطور إبراز وانتقاد الانتهاكات الصريحة لنصوص الدساتير المتتالية والقوانين المخالفة لنصوص الدساتير، ومعظمها كانت تنحصر حول تنظيم سلطات الدولة وانتهاكات مبدأ الفصل بين السلطات، وتناول بعض قضايا حقوق الإنسان، من حق المواطنين في تنظيم أنفسهم في أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني إلى حرية التعبير وحرية الصحافة، إلا أن الكاتب لم يكن يتوقع حجم الزيف والتضليل والجرأة بالقول للداخل والعالم الخارجي إن اليمن دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتصونها إلا بعد أن تولى أمر الدفاع كمحامٍ عن أحد قادة النضال السلمي في الجنوب الأخ حسن باعوم وتعرضه شخصيا للاعتقال لاكتشاف الأعماق المظلمة لليمن، وما تحضنه من موروث تاريخي وثقافي يمتد للقرون الوسطى يصعب تصديقها، ونحن في القرن الحادي والعشرين!.

سنتناول في هذا المقال بشكل مختصر ومقتضب لبعض الجوانب القانونية المتعلقة بالقبض على بعض قادة الحراك، ثم إلى التجربة الشخصية التي تعرض لها الكاتب.

أولا: الانتهاكات الصريحة للدستور والقوانين في التعامل مع قادة الحراك الجنوبي:

1- عدم احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات: وهو ما أكدته المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان والدستور اليمني، بمعنى أن الجرائم والعقوبات هي من اختصاص القوانين وحدها في وضع قواعدها من قبل ممثلي الشعب (مجلس النواب)، وليس لسلطة دستورية أخرى أن تفرد لنفسها الحق في سن الجرائم والعقوبات بقرارات بقانون يصدرها رئيس الجمهورية، لعدم توافر آليات مناقشة وإصدار القوانين التي تؤمن ضمانات عديدة للمواطن بعكس القرارات بقانون، والاكتشاف أن الإجراءات الجزائية والجرائم والعقوبات صدرت في عام 1994 على شكل قرارين بقانون، لم يتم المصادقة أو موافقة مجلس النواب عليها حتى يومنا هذا، وهي تكون بذلك باطلة. (راجع مقالنا حول عدم دستورية تشريعي الإجراءات الجزائية والعقوبات لعام 1994.. نشر في «الأيام» بتاريخ 24 - 25 يوليو 2008 العدد 5463).

2- عدم شرعية وجود سجون الأمن السياسي والأمن القومي: (راجع مقالنا المنشور في «الأيام» بتاريخ 7 - 8 أغسطس 2008 العدد 5475)، حيث تنص المادة (48) من الدستور اليمني النافذ في الفقرة (ب): يحظر حبس أو حجز أي إنسان في غير الأماكن الخاضعة لقانون تنظيم السجون، وهو ما لاتخضع له سجون الأمن السياسي والأمن القومي.

3- في أوامر القبض والحبس الاحتياطي

تنص الإجراءات الجزائية في الفصل الخامس الخاص بالقبض من الباب الثالث في المادة (172) (مع عدم الإخلال بالأحكام الواردة في الباب الثاني من الكتاب الثاني من هذا القانون) بأنه: لايجوز القبض على أي شخص أو استبقائه إلا بأمر من النيابة العامة أو المحكمة بناءً على مسوغ قانوني. وهنا فيما يخص الأخ حسن باعوم وبقية الأشخاص المعتقلين من الجنوب أنه تمَّ إصدار أمر اعتقالهم قبل جمع الاستدلالات والتحري عنهم، وهو ما تلزمه المادة (72) أعلاه بقولها «مع عدم الإخلال بالأحكام الواردة في الباب الثاني، وهي المتعلقة بجمع الاستدلالات والتحري..». وصدر أمر القبض عليهم قبل استيفاء ذلك الشرط.

تحرير أوأمر القبض على حسن باعوم ويحيى غالب الشعيبي وعلي هيثم الغريب الموقعة من وكيل النيابة خالد صالح الماوري بتاريخ 31/1/2008، وتم القبض عليهم بعد منتصف الليل في الساعة الثانية عشرة والنصف من مساء تاريخ 31/3/2008 للأخ باعوم حسب محضر ضده من إدارة أمن عدن، وكذا الحال بالنسبة لعدد آخر من الذين تم اعتقالهم وفق خطاب الشكوى المحرر إلى رئيس وأعضاء المحكمة المتخصصة بصنعاء من قبل: علي هيثم الغريب ويحيى غالب الشعيبي ومحمود حسن زيد وعلي منصر محمد عنه ابنه، الذين أشاروا إلى أنه بعد منتصف الليل، وفي تمام الساعة الثانية عشرة وخمسة عشر دقيقة من يوم 31/3/2008.

وتنص المادة (74) إجراءات جزائية بأنه: يسقط الأمر بالقبض إذا لم يتم تنفيذه في خلال الثلاثة الأشهر التالية لصدوره، ما لم يحدد. ومن المفترض أن كون الأمر تم تنفيذه في 31 مارس بعد الساعة الثانية عشرة ليلا معناه بداية الأول من أبريل أي تجاوزه مدة الثلاثة الأشهر من تاريخ صدور الأمر! والملفت للنظر هنا في أسفل وثيقة (أمر قبض قهرا)، كلف بالقيام بهذه المهمة وكيلا جهازي الأمن السياسي والقومي بالقول: نكلفهم بالقبض على المذكور وإحضاره ولو باستعمال القوة بالقدر اللازم للتغلب على كل مقاومة منه أو من غيره. وهذا النص المطبوع في أمر قبض قهرا الرسمي الصادر من النيابة العامة (نيابة الجزائية المتخصصة الابتدائية) يختلف عما هو منصوص عليه في المادة (79) إجراءات جزائية التي تنص: لمن يقوم بتنفيذ أمر القبض استعمال القوة اللازمة لذلك. ولايجوز أن تزيد القوة عن القدر اللازم لمنع المقاومة أو الهرب، ويرجع تقدير ذلك للمحكمة. وهنا بعض الاختلاف بين النصين، بين استعمال القوة بالقدر اللازم، وفي نص أمر القبض ونص المادة التي تحدد بأنه (لايجوز) أن تزيد القوة عن القدر اللازم، وفي كلا النصين، ما هو تعريف القدر اللازم، وإمكان تجاوز ذلك، خاصة من قبل أفراد أمن تعودوا على الإفراط في استعمال القوة. والموضوع الآخر يتعلق بسماح المادة (80) من إجراءات جزائية: لمن يقوم بتنفيذ أمر القبض أن يدخل مسكن المطلوب القبض عليه للبحث عنه، وإذا رفض أو قاوم كان لمن يقوم بتنفيذ القبض (لاحظوا العبارات التالية) اقتحام المسكن عنوة، واستخدام القوة في الحدود المبينة في المادة السابقة.؟ وهنا يتبين الفارق بين صدور نصوص من قبل السلطة التنفيذية التي تواجهها الطبيعي تغليب أدوات العنف والقهر مقارنة بنصوص تصدر من مجلس النواب الذي دون شك سيضع المادتين تحت التحفظ، وهذا ربما يفسر عدم صدور الإجراءات الجزائية والعقوبات بقانون حتى الآن بعد أكثر من 14 عاما منذ الحرب الأهلية في صيف 1994.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى