حاسبوهم قبل أن يأتي الزمار

> عصام محمد مقبل:

> قرأت ذات يوم أنه في عام 1184م جاء رجل إلى مدينة هاملن الألمانية، وأبلغ مسئولي المدينة أنه قادر على إخراج أهل المدينة من مصيبتهم، ومصيبة المدينة وأهلها مرض الطاعون، الذي جاء على الكبير والصغير والأخضر واليابس، ومرض الطاعون سببه الفئران وانتشارها، فالفئران أفسدت في الأرض، تسرح تمرح، وأجهزة الدولة عاجزة عن مواجهتها. تم الاتفاق مع الرجل على إخراج الفئران المفسدة في الأرض مقابل منحة مالية.

في اليوم الثاني حضر الرجل مبكرا للعمل صعق الكل! لم يأت الرجل بمصائد ولم يأت بسموم، بل حضر ومعه آلة عزف موسيقية (مزمار) استخف الحاضرون بالأمر، وبدأ هو بالنفخ (العزف) على المزمار ببعض النغمات، المفاجأة.. أن الفئران خرجت من كل مكان، من الدوائر الحكومية، من المجاري.. سار بها الزمار خلفه ونزل بها إلى نهر (فيرز) فماتت الفئران. رفض مسئولو المدينة إعطاء الزمار المكافأة، غضب الزمار، بعد مدة بسيطة انتقم من أهل المدينة انتقاما شديدا جدا ومؤلما، ليس مجال ذكره هنا.

أقرأ في الصحف، في النشرات، في الدوريات، أسمع عن ورش عمل عن ندوات، كلها تتناول الفاسد، وتدعو لمحاربته، كثر الكلام عنه، حتى أنني أمسي أتخيله بعينين جاحظتين وأنياب بارزة، مع أنه بشر مثلنا لكنه غش في بيع أو قام بسرقة مال عام، أو هو مسئول أوكل إليه بعمل من أعمال الصالح العام فتخلى عنه وقام بالعكس، ولكنه أُهمل حتى تطور وتبدل من فاسد إلى مفسد، أي أصبح أخطر، يعيث في الأرض فسادا. يقول تعالى:«إن الله لايصلح عمل المفسدين»، ولم يقل الفاسدين.

اعتصرت معاجم اللغة علّي أجد أو أستخلص ألفاظا تناسب المفسد، فلم أجد أفضل من لفظ الفأر، لوجود تشابه بين الفصيلين، الفأر والمفسد، لأنه تجمعهما صفة القرض والإضرار بالناس، وإن كنت لا أخفي تعاطفي مع الفئران، لأنه لايتوفر لديها نية القصد بالإضرار، وبذلك يختل عنصر من عناصر جريمتها، ومثال على ذلك فئران مدينة هاملن.

لكن فئران الإفساد البشرية أخطر، تتوفر فيهم كل عناصر الجريمة، لايهمهم الصالح العام، ولا مصلحة البلد، وهم السبب في خلق حالة اليأس في الناس بسلوكياتهم الفردية، هم السبب في الخلط الذي وقع فيه الناس البسطاء في القضايا الأساسية، بسببهم توزعت مشاعر الناس، وقتلتهم الحيرة ولبستهم الهموم، أدخلوا اليأس في الناس من جوف أمل عريض، ومكسب عظيم لا حدود له اسمه (الوحدة)، جعلوا الناس يتخوفون من الغد ويتشاءمون، مع أنني متفائل بطبعي بالغد، وأنه جميل لو تمسكنا بحبل الله وأخلصنا النية والعمل، ويقيني بأن أحاديث الصادق الأمين عن اليمن وأهلها لن تذهب هباء. فهل من مخرج؟.

نعم هناك مخارج.. بتفعيل ديوان جهاز المحاسبة، يقال كشف العديد من الخروقات دون كشف النقاب عنها حتى الآن، وتفعيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد وإعطائها صلاحيات العمل الحقيقي والفعلي، وإعطاء المستحقين الحقوق وبأسرع وقت.. يقول تعالى: «ما كان ربك مهلك القرى وأهلها مصلحون»، ولم يقل صالحون، وفي ذلك حكمة، وصناعة الأمل في أنفسنا بأن الغد جميل، بالعمل والإصلاح قدر المستطاع.

وإذا لم يكن ذلك سندخل في سنوات الضياع، وسندعو الله أن يأتينا بمعجزة أو بزمار مدينة هاملن، تخرج معه همومنا وهموم الناس الطيبة، ولا أعلم حينها هل سيرمي بهم الزمار في البحر أو من أعلى قمة جبل، أم سيقوم بإصلاح وتسوية نفسياتهم، المهم أن يبقى جسدنا سليما معافى.

لكن أنا محتار هل نحن محتاجون لزمار واحد أم لفرقة من الزمارين؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى