الصبيحة والثأر وتساؤلات مُرة

> فاروق ناصر علي:

> «كم البعيد بعيد ؟ كم هي السبل ؟/ نمشي ونمشي إلى المعنى ولانصل../ هو السراب دليل الحائرين إلى الماء البعيد، هو البطلان.. والبطل/ نمشي وتنضج في الصحراء حكمتنا ولانقول: لأن التيه يكتمل/ لكن حكمتنا تحتاج أغنية خفيفة الوزن كي لايتعب الأمل/ كم البعيد بعيد؟ كم هي السبل ؟»

محمود درويش

مدخل هام

عندما قرأت في صحيفتنا «الأيام» العدد 5491 بتاريخ 2009/8/26 ماقاله الابن العزيز (نبيل سعد أحمد) شقيق القتيلين في طور الباحة شعرت بالأمل يغمرني بأن دوامة (الثأر اللعينة) لم تعد مخفية على أبناء الجنوب، وما قاله يدل على جوهر الكلام المتزن الذي يحتوي على الكثير من المنطق والحكمة والعقل، وقبل الدخول إلى جوهر مقالي أود اقتطاف هذه الفقرات من كلامه برغم الحزن العميق الذي أشعر أنه يعيش داخله: «نحن نسأل السلطة هل القبض على القتلة مهمة الأمن أم مهمة ورثة الدم؟!، وإذا كان مطلوب منه القبض على قاتل قريبه، فما عمل الأمن إذا؟! وما الداعي لوجوده؟! وإذا كان القتلة لايخضعون للقضاء بل يُترَكون يمشون أمام أعين أهالي القتلى حتى تثأر منهم قبائل القتلى، فما جدوى تشريع القوانين؟!..» إلى آخر تساؤلاته المرة والصائبة.

الدخول إلى جوهر المقال

ظل العديد من الأعزاء والزملاء من أبناء (الصبيحة) يطلبون مني الكتابة عن قضايا (الثأر) هناك، لكنني وبرغم معرفتي التامة أن فيهم العديد ممن يستطيعون الكتابة عن قضية مهمة تشغل بال الخيرين من أبناء الجنوب كله بصفة (خاصة) كنت أدخل في متاهات وأزمات أخرى، حتى جاءت تلك التساؤلات السالف ذكرها، فقررت الكتابة وأتمنى أن يكمل الشرفاء الطريق للقضاء على (الثأر)، وهي أخطر فتنة خلفتها مراكز القوى والفساد وعصبة الفيد والسلب من بعد 94/7/7، ولا مغالطة أو خوف أو خشية من قول كلمة حق قلنا مثلها عشرات المرات طيلة (14عاما)، لأن الساكت عن قول كلمة الحق تجاه الباطل (شيطان أخرس وأبرص)، كما قالها أشرف الخلق، النبي الكريم سيدنا (محمد) صلى الله عليه وسلم.

الثأر يا أهلنا في الصبيحة (طور الباحة) هو (المصيدة) التي تريد مراكز القوى والفساد المسيطرة على مفاصل السلطة أن تجركم إلى داخلها، وهو بوابة الخيانة (للجنوب)، وهو مقصود ومرصود، لاتجيزه أية (دولة) في العالم، لكنه في ظل (اللا دولة) أصبح مثالا وقدوة، شريعة الغاب لاتوجد إلا تحت ظل (المافيا) فقط.. قارنوا بين الصورة الأولى التي ذكرها الابن العزيز (نبيل) وبين ما جرى لرموز وأبطال النضال السلمي للجنوب.. في الصورة الأولى يتوقف القانون ليفسح المجال واسعا للثأر، لأنه يخدم عصابات المافيا، وفي الصورة الثانية تخلق مواد قانونية من العدم حتى يلصقوا التهم بالمعتقلين ويرمونهم في السجون السحيقة، ويقومون في لمح البصر بنصب المحاكم والمحاكمات لهم، وتجري الملاحقات والمطاردات باسم القانون.. إلخ، حكموا العقل وانظروا إلى ما يجري داخل الأرض المقهورة.

أقول احذروا ثم احذروا من دوامة الثأر، هم يبعدون القانون، وأنتم تفتحون لأنفسكم القبور، وتزداد (عصبة الفيد والفساد) داخل السلطة تفرعنا لتفعل ما تريد.. ماذا عملت لشهداء طور الباحة؟! وماذا قالت عن مخيم التضامن الخاص بهما؟! وما هي المشاريع والأعمال التي التهمت البطالة من بين صفوفكم؟! وكم هو الثراء الذي تعيشون داخله، لذا لايؤثر فيكم وبكم الارتفاع الجنوني للأسعار؟! فتشوا ستجدوا كل شيء مجرد سراب.. أما الواقع فهو الموت والضياع والندم، لأننا لانعرف أن (السلطة) التي ترى في (التصالح والتسامح) جريمة ومنكرا وضلالة يهمها حياة معيشية حرة وكريمة لمواطنيها.. هؤلاء من (أكلة لحوم البشر) وبعيدون كل البعد عن المفاهيم الإنسانية!.

فيا أهلنا وناسنا داخل (الصبيحة، من طور الباحة حتى باب المندب)، وأنتم (غالين) علينا، ساكنون في قلوبنا، اهدموا معبد الثأر، والله ورب محمد سوف يشرق عليكم أروع نهار!. أما إذا استمروا في خداعكم فوالله رب العرش سبحانه لن تحصدوا غير الندم والضياع والسراب ومتاهات العدم!.

ويبقى القول ما قاله الشاعر، وسيظل الحديث مستمرا مستقبلا إن شاء الله رب العرش:

«يا أيها الإنسان ياأيها المجوع، المخوف، المهان/ يا أيها المدفون في ثيابه، يا أيها المشنوق من أهدابه/ يا أيها الراقص مذبوحا على أعصابه/ يا أيها المنفي من ذاكرة الزمان/ شبعت موتا فانتفض إن النشور الآن».

أحمد مطر

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى