أزمة الدولة وأكذوبة المواطنة

> برهان أحمد إبراهيم:

> القول بوجود دولة وطنية في ظل نظام استبدادي أبدي، لايختلف في شيء عن القول بوجود فيل في شق نملة! فكلا القولين تضليل وهراء، لايمتان لحقائق الواقع بشيء إلا في حالة أن «يحالف بطنَ الراحة الشعرُ» (الأخطل التغلبي).

فكما (يعجز الكلب المسن عن تبديل لحنه في النباح) تعجز الأنظمة التسلطية عن تغيير طبيعتها المتعالية.. ومثلما لاتلد أمُّ عامر (كنية الضبع) شياها، بل تفترسها، كذلك هي الديكتاتورية، لاتقبل (المواطنة) بل تسحقها، لتؤسس على أنقاضها مفهوم (الرعية) حيث الطاعة والخضوع.

المواطنة ليست كيانا مستقلا، بل هي محصلة قيم أخرى، تؤلف حقوقا جوهرية للحياة الإنسانية كالحرية والمساواة والعدالة والمشاركة وانتظام العلاقة بين الحاكم والمحكوم (تعاقد وطني)، فإذا ما اجتمعت تلك القيم في بنية واحدة، وسادت مجتمعا ما أمكننا القول إنه مجتمع المواطنة (الدولة الوطنية).. لذلك كان من المستحيل للعقلية الديكتاتورية القبول بفكرة المواطنة لأن في ذلك نفي لها.

وإذا ما نظرنا في واقع الدولة العربية نجدها ذات جوهر تسلطي ومظهر وطني يتمثل في شكل مؤسسات صورية، وفيما يردده إعلامها من شعارات وأحاديث مضللة عن المواطنة وإنجازات الوطنية في ثنايا مدائحه لزعامات أبدية تقادم عليها الزمن وتوالت أجيال عليها، وهي مازالت في عنفوان شبقها للسطلة والهيلمان غير مبالية بمعاناة المواطنين (الرعية).. ولعل البيان الصادر عن (المؤتمر القومي) في دورته (19) صنعاء 13-10 مايو 2008 بإشارته إلى «حالة التمزق والانشقاق في المجتمع العربي بين قوى حاكمة مستبدة ومسيطرة على الثروة وبين قوى شعبية تعاني الحرمان الديمقراطي والاقتصادي..» لتأكيد على غياب المواطنة وخرافة الدولة الوطنية من المحيط إلى الخليج. فبينما استطاعت مجتمعات عدة الانتقال من مرحلة الدولة الوطنية إلى الدولة القومية فالدولة الحديثة الديمقراطية وصولا إلى الدولة العالمية، لم تزل المجتمعات العربية منذ نصف قرن غير قادرة على تأسيس دولة المواطنة.. حيث قادت النخب الحاكمة انقلابا غير معلن على مشروع الدولة الوطنية (دولة المواطنين الأحرار المتضامنين والمشاركين) لصالح دولة الحاكم بأمره، الأمر الذي أبقى المجتمعات العربية رهينة مرحلة ما قبل الدولة الحديثة.

إن المأزق الذي أُوقعت فيه الدولة العربية، وجعل منها مصدرا رئيسيا لتغذية الصراع، وبالتالي عامل تقهقر، هو أنها ومنذ لحظة ولادتها (دولة الاستقلال) قد تم تحويلها من كونها مرحلة انتقالية في طريق تطوير الحكم بما يتوافق مع واقع شعب حر إلى حصن منيع لديكتاتوريات وضعت نفسها موضع الدولة، وبتعطيلها لآلية انتقال السلطة (لاحتكارها) لم تتردد النخب الحاكمة في خوض صراع مصيري عليها، أكان فيما بينها البين، وهذا هو الأغلب، أو فيما بينها وبين القوى السياسية الأخرى، مما جعل الدولة العربية على حداثة ميلادها، وصغر سنها تاريخ صراع دموي دفع ثمنه المواطن العربي والدولة كبناء مؤسسي مستقل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى