نمور الغضب.. وراء القضبان

> د. عبيد البري:

> يسألني يوميا العشرات عن سبب تأخري عن الكتابة عبر صحيفة «الأيام» خلال الأسابيع الماضية.. البعض يقولون إنهم يرون في مقالاتي نوعا من الحيادية والمنطقية، لكنهم لايترددون بإضافة الجزء الآخر من السؤال: هل أنت متوقع أن يأخذوك إلى جانب أولئك الذين هم في معتقلاتهم تحت الأرض؟!. طبعا ليس بوسعي إلا أن أجيب بنعم، لأن كل شيء جائز!.. ولكني في الحقيقة على يقين بأنه نادرا ما نجد من عنده الشجاعة مثل أولئك الذين يقبعون حاليا في السجون ثمنا للكلمة الحرة والتظاهرة السلمية الحضارية للتعبير عن مطالب وغضب شعب أرادت له السلطة أن يتعود خلال 14 عاما على معايشة الفساد والسير خلف الشعارات البراقة والوعود الوهمية، والقبول بنظام القبيلة كأمر واقع جاء من موروث كان قد توقف عنده التاريخ!.

هل لنا أن نذكّر الأخوة الشرفاء، جيل ثورة 26 سبتمبر، أن القابعون في سجون الأمن السياسي بصنعاء هم أبناء أولئك الذين ذهبوا بالآلاف لتقديم أرواحهم ودمائهم دفاعا عن الثورة في صنعاء من أغلب إمارات ومشيخات وسلطنات الجنوب ضمن الحركة التحررية الوطنية والعربية.. يستطيعون أن يسألوا عن ذلك قادة الثورة الحقيقيين الذين لايزالون على قيد الحياة.. ولأنه من الصعوبة الحصول على أي إحصاء لعدد الشهداء والجرحى من بين أولئك الجنوبيين إلا أنني أستطيع أن أضرب مثلا يدل على كثافتهم، فمن أبرز من شارك من أهلي وأسرتي فقط، كانوا ثلاثة مقاتلين معروفين أبلوا بلاءً حسنا في معارك السبعين يوما للدفاع عن مدينة صنعاء، وكان على رأسهم الشهيد البطل حسين أحمد صالح البري، وجريحان هما العميد متقاعد صالح حسين البري والعميد متقاعد عبد الله سالم البري.

لقد كان لأولئك الآلاف من المناضلين الجنوبيين- إلى جانب الشرفاء من الشمال- دور بارز في ترسيخ مفهوم الوحدة كمبدأ قابل للتحقيق في وقته المناسب كهدف إستراتيجي لمواجهة الطامعين باليمن شماله وجنوبه.. وبذلك فأنه لايجوز المزايدة على الوحدة لتحقيق أطماع جماعة أو قبيلة في أرض وثروة الجنوب، لأن هذا الجزء من اليمن كان قد قدم الثوار دون مقابل، وأوجد لثوار سبتمبر الملاذ الآمن من بطش الإمامة في الشمال.. وكذلك الملاذ الآمن لأطراف الصراع السياسي والأيدلوجي بعد الثورة لأبناء اليمن الواحد.

إن ما حدث ويحدث هو نتاج أفكار خاطئة وتعبئة خاطئة، أوجدت تفرقة وتعصبا ونزاعات نحن في غنى عنها، كانت قد خدمة صراع إقليمي ودولي في الماضي.. فلا يخفى على أحد أن قيام المؤتمر الشعبي العام في 1982 الذي اتخذ من الميثاق الوطني فكرا لمواجهة الفكر الاشتراكي في الجنوب الذي كانوا يصفونه بأنه الفكر الإلحادي والشيوعي الانتهازي الفوضوي!.

وظلت هذه التعبئة مستمرة ضد الجنوب والحزب الاشتراكي إلى أن تم إعلان الوحدة في 1990، فتحول بعدها الصراع السياسي والفكري من صراع عبر الحدود الوهمية إلى صراع داخل حدود الدولة الواحدة.

واتضح جليا للجنوبيين بالفتوى التي أطلقها عبد المجيد الزنداني في يناير 1994 المسجلة في شريط عندما كان عضوا في مجلس الرئاسة تحت عنوان (واجب المسلمين نحو المعركة)، والتي اعتبرت الوحدة غزوا لديارهم، ودعت إلى حرب متواصلة على الجنوبيين، وجاء فيها: «يقول العلماء إذا دخل العدو إلى دار من ديار المسلمين يصبح الجهاد فرض عين على المسلمين.. فإذا عجزت المنطقة التي نزل فيها العدو وجب على من بعدهم، فإذا عجزوا أو قصّروا وجب على من بعدهم، ونحن اليوم مازلنا نشعر أن هناك كفاية في جيشنا وكفاية في شعبنا في المناطق التي تواجه الخطر، ولكن هذا الدعم الدولي وهذه المؤامرة الدولية التي تريد نصر هذا العدو الملحد الكافر الانفصالي المعادي لديننا، لاندري ماذا سيكون، فيجب علينا أن نستعد من الآن، والمنافقون هم الذين لايستعدون، والصادقون هم الذين يعدون ويستعدون»!!. (المصدر: اقتباس من نص الفتوى الواردة في مقالة للأخ محمد غالب أحمد - الحروب لاتصنع الوحدة .. كما أن القوة لاتحميها - الصادرة في صحيفة «الثوري» بتاريخ 2004/12/9).

وعندما أُعلنت الحرب على الجنوب، تم إذاعة (فتوى الحرب) في كل وسائل الإعلام بواسطة عبد الوهاب الديلمي (وزير العدل)، وركزت على استحلال قتل (المستضعفين) قبل حاملي السلاح، واعتبرت تلك الحرب أنها ضد أعداء الإسلام، وجاء فيها: «أجمع العلماء– أنه عند القتال- بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين، فإنه إذا تمترس أعداء الإسلام بطائفة من المسلمين والمستضعفين، فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المتمترَس بهم، مع أنهم مغلوب على أمرهم، وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والأطفال، ولكن إذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام، وينتهك الأعراض.. إذن فقتلهم مفسدة أصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا، فإذا كان إجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لايقاتلون، فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح»!!. (المصدر السابق).

لا شك أن تلك التعبئة الخاطئة هي التي شرّعت للمنتصر الحرب، وأن ذلك هو ما أوصل الشعب في الجنوب إلى حاله من الغضب الذي عم كل المدن والقرى، فكان المعتقلون على ذمة ذلك الغضب يمثلون رموزه البارزين، بل هم بالفعل يعتبرون نمور ذلك الغضب الشعبي.. الشجعان!.

إن اليمن بحاجه إلى مشروع وحدوي يتخطى المصالح الحزبية والقبلية والمناطقية والفردية لبناء وطن مستقر ودولة حديثة تتبنى مشاريع التنمية والتطور، وتتضمن الاعتراف بالقضية الجنوبية وإعادة التوازن السياسي بإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل متساوٍ بين المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية لكي يصل إلى مجلس النواب 150 عضوا من الشمال ومثله من الجنوب بعيدا عن نفوذ الأحزاب وتدخل السلطة والمال العام.. لعل ذلك يخرج الوطن من وسط الدوامة السياسية التي تجعل اليمن مضطربا يوما بعد يوم وعلى الأخص منه الجنوب!.

إهداء

وردة وفاء لصاحبة الجلالة «الأيام» بعد أن أضاءت شمعتها الخمسون سماء الحرية في زمن صارت فيه منابر الحق لاتعرف النور!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى