ميثاق شرف أم محكمة تفتيش؟

> محمد فارع الشيباني:

> قبل سنوات دعا مجلس نقابة الصحفيين (قبل مجلس النقابة الحالي) جميع الصحفيين في صنعاء لمناقشة مقترح لميثاق شرف للصحفيين قام بإعداده، وذلك في مقر النقابة، وحضرت الجلسة الأولى والوحيدة لمناقشة المقترح.

وأثناء المناقشة لفت نظري في المشروع جملة تقول (الدفاع عن قضايا الأمة) ولم تحدد فيه الأمة المقصودة، وحينها أبديت ملاحظة وقلت (ما هو المقصود وأية أمة هي التي يجب أن ندافع عن قضاياها؟ فنحن جميعا مختلفون في ذلك، فمثلا بالنسبة للبعثيين والناصرين فإن الأمة تعني (الأمة العربية) وبالنسبة لتيار الإسلام السياسي تعني (الأمة الإسلامية) وموقع هذه الأمة يمتد من تخوم الصين الشعبية مرورا بجبال تورا بورا وجزر المحيطين الهندي والهادي وصولا إلى أدغال أفريقيا، أما غيرهم فيعتبر الأمة هي الأمة اليمنية، وهناك من لايرى هذا ولا ذاك ويعتبر لفظ الأمة من بقايا القرون الوسطى البرجوازية، وطلبت في نهاية مداخلتي تحديد ما المقصود بالأمة- ولكن الحمدلله فقد انتهى الاجتماع كالعادة إلى لاشيء- والآن عاد مجلس النقابة الحالي المطالب بعمل أشياء كثيرة سوى أن ينزل للصحفيين (ميثاق شرف) جديد، كأن ذلك هو الحل لجميع مشاكل الصحافة والصحفيين، وهو يؤكد ما يتردد بأن مجلس النقابة يحاول الوصول مع السلطة إلى صفقة ببقائهم في المجلس مقابل بقاء نقيب الصحفيين الحالي، وبذلك تقدم السلطة الملايين المطلوبة لعقد المؤتمر، ويا دار ما دخلك شر، ولكن كما يقول المثل (الطبع يغلب التطبع)، فإن من يحمل الأفكار التكفيرية للناس، ويعتبرهم مذنبين حتى تظهر براءتهم، لايمكن أن يأتي بغير ذلك، فهذه المرة قدموا ما قالوا عنه إنه ميثاق شرف، ولكن أضافوا إليه مشروعا لتشكيل (محكمة تفتيش) باسم (مجلس تأديبي) لمحاكمة الصحفيين الذين يخالفون ما جاء في ميثاق الشرف، واعتبروا أنه لايمكن لأحد أن ينضم للنقابة إلا بعد موافقته على ميثاق الشرف، حتى ولو كان صحفيا تعترف به الأمم المتحدة وجميع المنظمات الصحفية الدولية.

نفس فكرة محاكم التفتيش في القرون الوسطى التي حاكمت العالم الفلكي (جاليليو جاليلي)، لأنه قال إن الأرض هي التي تدور حول الشمس، وليس العكس، واسمحوا لي الآن أن أنقل إليكم بعض ما جاء في ميثاق الشرف الذي أصبح تقييدا وتضييقا جديدا لحرية الصحفي المسكين، ودليلا على الصفقة التي يجري الآن التفاوض عليها من قبل مجلس النقابة، وإليكم الفقرة رقم (1) من هذا الميثاق: لايجوز للصحفي أن يستخدم مهنته كوسيلة لاتهام المواطنين والمؤسسات أو القادة من دون إثبات، واستغلال حياتهم الشخصية للافتراء عليهم أو تشويه سمعة الآخرين.

انظروا إلى كلمة المؤسسات والقادة، والكل يعرف من المقصود بالمؤسسات والقادة، مع العلم أن هناك قانونا نافذا تستغله المؤسسات والقادة لمحاكمة الصحفيين، ويئن منه هؤلاء، ويجرجرون كل يوم إلى المحاكم، وكأن ذلك غير كافٍ، فإن مجلس النقابة يهددهم الآن بالمجلس التأديبي، وكما أن ذلك لايكفي فإن الفقرة (2) من ميثاق الشرف تضيف: تقتضي المسئولية المهنية والأخلاقية للصحفي أن لاتكون صياغة الأخبار متأثرة بالأعمال والمصالح الشخصية والسياسة، وغير مائلة إلى أي مصلحة اقتصادية أو تجارية لأي فريق ثالث.

تصور الآن وبموجب ميثاق الشرف الصحفي سيصبح من الممكن تقديم الصحفي إلى المحاكمة أو الفصل من النقابة، لأنه أصبح رجل أعمال (بزنس مان) يستغل الأخبار للاستفادة في أعماله التجارية أو يستغل تلك الأخبار ضد خصومه السياسيين. وأظن أن هذا يكفي، لأن مجلس النقابة بدلا من أن يعد الوثائق المطلوبة للمؤتمر قدم ما اعتبره ميثاق شرف.

أيها السادة نحن هنا في عدن يكفينا كصحفيين ما نعانيه، ولقد تعبنا، صدقونا لانستطيع أن نتحمل أكثر، كما أن صحيفة «الأيام» يكفيها ما تلاقيه من عسف، وهي تقوم بخدمة الناس، هذه الخدمة التي أصبحت الآن خمسين عاما في مهنة المتاعب، ارحموها وارحمونا، واتركونا لحالنا.. اللهم احفظ عدن آمين يارب العالمين!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى