> فضل النقيب:
كان الأستاذ محمد علي لقمان المحامي صاحب «فتاة الجزيرة» يُسمّي عدن سندريلا الإمبراطورية البريطانية، لأنها كانت على حد تعبيره في إحدى افتتاحياته البليغة «أصغر بنات هذه الإمبراطورية، وكانت محبوبة لدى خالدة الذكر (فكتوريا)، لأنها من أعظم ثغور الإمبراطورية في أهميتها الإستراتيجية، ولكونها أهم حلقة في سلسة المواصلات بين الشرق والغرب».
كتبت هذه الافتتاحية في عدد 7 أكتوبر 1945، وكانت موجهة إلى المهندس المعماري (المستر ونتر) الذي قدم لإنشاء عدن الجديدة، وفيها يصف الكاتب أحوال عدن «التي ظلت أكثر من مائة عام- كما تراها- لم تلبس حلة جديدة، ولم ترفل في ثوب سهرة قشيب، وقد آن لها أن تظهر على مسرح الحياة، وتبرز جمالها وفتنتها للناظرين».
بعد المهاد الأدبي اللطيف، أوغل الكاتب في وصف وجه المدينة الكئيب: «منازل بالية شوارع ضيقة تتراكم في جوانبها الزبالة، وأسواق مزدحمة بالموائد القذرة، والكراسي العرجاء مفروشة على قارعة الطريق يتعثر بها الناس، وبيوت مظلمة كنسائنا، لاتعرف الشمس ولاتستنشق الهواء الطري، وسطوح أشبه بالعراء، وحدائق أصبحت ملاجئ للعاطلين والكسالى، وشواطئ لاتجد عليها مقاعد ولا ظلا تتقي به وهج الشمس، وطرقات لو كان الرجال يحملون كالنساء لما استطاع رجل أن يلد بفضل ما فيها من حفر وما فيها من أخاديد».
كان المحامي يتوسم خيرا في المهندس، فزاده من الشعر بيت، حيث عرج بعد وصف عدن (كريتر) على (الشيخ عثمان): «تلك البطحاء الممتدة تجدها خالية عارية الكثبان، بيوتها من الطين عرضة للانهدام إذا ما جادت السماء بمطرة بعد سنوات طوال، وهناك تجد المعصرة في جوار المنزل وتجد البعير من سكان المنزل، وترى الأقذار هنا وهناك. واضحك معي حين ترى الحديقة العامة في وسط المدينة وقد يبست أشجارها ومع ذلك ترى مكتوبا عليها إن قطف الأزهار ممنوع!».
ومن الشيخ يعود الكاتب إلى المعلا: «حيث مطاعم الملاحين ومنازل المعلمين، وليس في المعلا كلها سوى بيت أو بيتين من طابقين، كلها بيوت مكشوفة، يسكن أكثر أهلها تحت لفح الشمس الحارة، متراصين داخلها مثل (الساردين). أما التواهي فحالها حال عدن في قسم الوطنيين، حرقت جلودنا من حرارة الشمس واسودت وعلاها الطفح، وضقنا بالحياة ذرعا وكأننا على سفر».
ثم يتلطف بالضيف لئلا يفر بعد هذا الوصف، فيخاطبه برقة: «يا أيها الضيف الكريم لابد أنك شعرت بهذا الحر المهلك في هذا الصيف الخانق، وحر عدن نفس من السعير، واسمك يامستر ونتر بالعربية (شتاء) وأنت الساعة أمام التاريخ، فلعلك أن تكون علينا شتاءً، وأن يكون نزولك علينا بردا وسلاما، حتى نذكرك بالخير الدائم».. ومنذ ذلك الحين قبل أكثر من 60 عاما لم تقم لمشروع (عدن الجديدة) قائمة، وبقيت كريتر على حالها (زلط ملط) حسب تعبير إخواننا المصريين، بينما شهدت ضواحي الشيخ عثمان ثورة عمرانية، فيها القليل من النظام والكثير من العشوائية، ومع ذلك نقول إن إشعال شمعة خير من لعن الظلام الدامس، وما لايُدرك كُلّه لايُترك جُلّه، والمسألة بحاجة إلى مخطط شامل واضح المعالم، وإلى سياسة إسكانية ومتوازنة تعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وإلى إمكانيات مبصرة وليس على طريقة (جاء يكحلها عماها)، وإلى حبال ورجال مخلصين يطمحون إلى نقش أسمائهم ومنجزاتهم بأحرف من ذهب لأجيال وأجيال، ذلك أن عمران المدن وجمالياتها وحسن تقسيم أسواقها وأحيائها هو في صلب كل نهضة حضارية، بل إنها عمادها، وإذا كان الله تقدست أسماؤه قد منحنا الجبال والبحار والصحراء والخلجان فإن علينا إحسان العمران وتجويد البنيان من أجل راحة الإنسان، وهو هدف كل تنمية وكل تقدم.
تحية للأستاذ عدنان الجفري، محافظ عدن، الذي نرجو على يديه وأيدي أركانه الخير كل الخير من أجل خاطر (سندريلا)، وأقول إن من لايقفز إلى الماء لن يتعلم السباحة أبدا.. وقد تتحقق المعجزة فننجز ما عجز عنه الإنجليز الذين لم تكن البلاد بلادهم، أما نحن فالمسألة (فرض عين).. وبورك بالشباب الطامحينا!.
كتبت هذه الافتتاحية في عدد 7 أكتوبر 1945، وكانت موجهة إلى المهندس المعماري (المستر ونتر) الذي قدم لإنشاء عدن الجديدة، وفيها يصف الكاتب أحوال عدن «التي ظلت أكثر من مائة عام- كما تراها- لم تلبس حلة جديدة، ولم ترفل في ثوب سهرة قشيب، وقد آن لها أن تظهر على مسرح الحياة، وتبرز جمالها وفتنتها للناظرين».
بعد المهاد الأدبي اللطيف، أوغل الكاتب في وصف وجه المدينة الكئيب: «منازل بالية شوارع ضيقة تتراكم في جوانبها الزبالة، وأسواق مزدحمة بالموائد القذرة، والكراسي العرجاء مفروشة على قارعة الطريق يتعثر بها الناس، وبيوت مظلمة كنسائنا، لاتعرف الشمس ولاتستنشق الهواء الطري، وسطوح أشبه بالعراء، وحدائق أصبحت ملاجئ للعاطلين والكسالى، وشواطئ لاتجد عليها مقاعد ولا ظلا تتقي به وهج الشمس، وطرقات لو كان الرجال يحملون كالنساء لما استطاع رجل أن يلد بفضل ما فيها من حفر وما فيها من أخاديد».
كان المحامي يتوسم خيرا في المهندس، فزاده من الشعر بيت، حيث عرج بعد وصف عدن (كريتر) على (الشيخ عثمان): «تلك البطحاء الممتدة تجدها خالية عارية الكثبان، بيوتها من الطين عرضة للانهدام إذا ما جادت السماء بمطرة بعد سنوات طوال، وهناك تجد المعصرة في جوار المنزل وتجد البعير من سكان المنزل، وترى الأقذار هنا وهناك. واضحك معي حين ترى الحديقة العامة في وسط المدينة وقد يبست أشجارها ومع ذلك ترى مكتوبا عليها إن قطف الأزهار ممنوع!».
ومن الشيخ يعود الكاتب إلى المعلا: «حيث مطاعم الملاحين ومنازل المعلمين، وليس في المعلا كلها سوى بيت أو بيتين من طابقين، كلها بيوت مكشوفة، يسكن أكثر أهلها تحت لفح الشمس الحارة، متراصين داخلها مثل (الساردين). أما التواهي فحالها حال عدن في قسم الوطنيين، حرقت جلودنا من حرارة الشمس واسودت وعلاها الطفح، وضقنا بالحياة ذرعا وكأننا على سفر».
ثم يتلطف بالضيف لئلا يفر بعد هذا الوصف، فيخاطبه برقة: «يا أيها الضيف الكريم لابد أنك شعرت بهذا الحر المهلك في هذا الصيف الخانق، وحر عدن نفس من السعير، واسمك يامستر ونتر بالعربية (شتاء) وأنت الساعة أمام التاريخ، فلعلك أن تكون علينا شتاءً، وأن يكون نزولك علينا بردا وسلاما، حتى نذكرك بالخير الدائم».. ومنذ ذلك الحين قبل أكثر من 60 عاما لم تقم لمشروع (عدن الجديدة) قائمة، وبقيت كريتر على حالها (زلط ملط) حسب تعبير إخواننا المصريين، بينما شهدت ضواحي الشيخ عثمان ثورة عمرانية، فيها القليل من النظام والكثير من العشوائية، ومع ذلك نقول إن إشعال شمعة خير من لعن الظلام الدامس، وما لايُدرك كُلّه لايُترك جُلّه، والمسألة بحاجة إلى مخطط شامل واضح المعالم، وإلى سياسة إسكانية ومتوازنة تعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وإلى إمكانيات مبصرة وليس على طريقة (جاء يكحلها عماها)، وإلى حبال ورجال مخلصين يطمحون إلى نقش أسمائهم ومنجزاتهم بأحرف من ذهب لأجيال وأجيال، ذلك أن عمران المدن وجمالياتها وحسن تقسيم أسواقها وأحيائها هو في صلب كل نهضة حضارية، بل إنها عمادها، وإذا كان الله تقدست أسماؤه قد منحنا الجبال والبحار والصحراء والخلجان فإن علينا إحسان العمران وتجويد البنيان من أجل راحة الإنسان، وهو هدف كل تنمية وكل تقدم.
تحية للأستاذ عدنان الجفري، محافظ عدن، الذي نرجو على يديه وأيدي أركانه الخير كل الخير من أجل خاطر (سندريلا)، وأقول إن من لايقفز إلى الماء لن يتعلم السباحة أبدا.. وقد تتحقق المعجزة فننجز ما عجز عنه الإنجليز الذين لم تكن البلاد بلادهم، أما نحن فالمسألة (فرض عين).. وبورك بالشباب الطامحينا!.